بقلم /ماجد كامل
شغل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين العالم بفكره وكتاباته نظرا لما مثلته من ثورة فكرية هائلة ؛دفعت المجتمع المصري خطوات إلي الأمام ؛ ولقد كتب في العديد من القضايا الفكرية التي ما زالنا نشعر أنها مازالت قائمة ؛ بل ربما أزدات أهمية وأشتعالا ؛ وسجل أراءه كتابة في هذه القضايا في العديد من المقالات الصحفية . وإيمانا من الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بقيمة وأهمية هذه المقالات ؛شكلت لجنة علمية لجمع وتوثيق هذه المقالات في ستة مجلدات ؛وبالفعل صدرت المجلدات الستة تباعا خلال الفترة من (2002- 2004 ) ؛وجاء تقسيم المجلدات علي النحو التالي :-
1-المجلد الأول :- مقالات عن التعليم
2- المجلد الثاني :- الإسلاميات والمقالات الأدبية
3- المجلد الثالث :- المقالات السياسية (أزمة النظام السياسي المصري )
4- المجلد الرابع :- المقالات السياسية (مصر في الأربعينات والخمسينات )
5- المجلد الخامس :- المقالات السياسية ( ثورة يوليو )
6- المجلد السادس :- المقالات السياسية (متفرقات )
ولقد قام الباحث برصد وتتبع بعض القضايا الفكرية التي كتب فيها الدكتور طه حسين ( مثل قضية التعليم ؛ قضية الهوية المصرية ؛ قيمة الثقافة والمعرفة ؛ الأدب العربي ؛ قضية الترجمة من وإلي اللغة العربية ؛ قضية الحرية السياسية ؛ قضية الديمقراطية ..... الخ . ولقد رجعنا إلي العديد من الدوريات التي كتب فيها مثل هذه المقالات مثل : جريدة الأهرام ؛ جريدة السياسة ؛جريدة البلاغ ؛ مجلة الهلال ؛ مجلة المصور ؛ المجلة الجديدة ؛ مجلة الجديد؛ مجلة الكاتب المصري ...... الخ .
منها مثلا قضية التعليم ؛ فلقد آمن أن الشعب المصري لن ينهض من كبوته إلا إذا أستطاع القضاء علي الثالوث المدمر ( الجهل – الفقر – المرض ) ؛ ولقد عاني هو شخصيا من هذا الجهل ؛ فما ضياع بصره وهو صبي في الرابعة من عمره إلا محصلة طبيعية لمعاناته من مرض الرمد والتعامل الخاطيء في العلاج من جانب حلاق الصحة ؛ الأمر الذي أدي إلي فقدان بصره إلي الأبد . ولقد كتب سلسلة مقالات في جريدة السياسية عن قضية التعليم ؛ نذكر منها مقالا هاما نشر بتاريخ 22 يونية 1923 في جريدة السياسة بعنوان "مسألة التعليم "حاول فيه أن يعدد واجبات المدرسة ؛ قال فيه " لقد سلب المواطن المصري من حقوقه السياسية ؛وأول واجبات المدرسة هي أن تعد الطفل لهذا الجهاد وتشعره بهذه الحقوق وتملأ قلبه حرصا علي أثبات هذا ؛فما رأيك في تعليم أولي في مصر يخلو أو يكاد يخلو من كل شيء يشعر التلميذ المصري أن له وطنا هو مصر؟ ؛وبأن لهذا الوطن حقوقا سياسية ؛ما رأيك في تعليم أولي في مصر يخلو أو يكاد يخلو من تاريخ مصر ويخلو أو يكاد يخلو من جغرافية مصر ؟ ثم لا يقف الأمر عند هذا الحد ؛فأن لنا في الحياة آمالا ولنا في الحياة أساليب نتخذها لتحقيق هذه الآمال ؛فيجب أن يكون الطفل بحيث يستطيع أن يشعر بهذه الآمال ويجاهد لتحقيق هذه الآمال ويتخذ في هذا الجهاد ما ألفنا من طرق وأساليب ؛ نريد أن يكون نظام الحكم فينا ديمقراطيا فيجب أن تكون هذه المدرسة الأولية ديمقراطية ؛ نريد أن تكون ديمقراطيتنا هادئة معتدلة فيجب أن نعد المدرسة الأولية لهذا الهدوء وهذا الاعتدال ؛ نريد أن تكون وحدتنا الاجتماعية والسياسية والعقلية ظاهرة بينة قوية ؛فيجب أن نعد المدرسة لهذه الوحدة ؛نريد في عبارة موجزة أن تكون المدرسة الأولية قالبا تصاغ فيه وحدتنا المقبلة كما نحب أن نحياها وكما نريد أن تكون ؛ومن هنا لا نجد سبيلا إلي النزاع في أن التعليم الأولي أمر من أمور الدولة يجب أن تتولاه ويجب أن تشرف عليه ؛ولكننا نريد أن تحسن الدولة ولاية هذا التعليم والإشراف عليه بحيث تفهم الدولة آمالنا ومثلنا العليا وأساليبنا في الحياة فتكون من هذا كله هذا القالب الذي يصاغ فيه الطفل ؛هذا فيما نظن الغرض الذي يجب أن يسعي التعليم الأولي إلي تحقيقه" .
وبعد أن عرض الدكتور طه حسيين لقضية التعليم الأولي ؛ عرض بعدها لقضية التعليم الثانوي ؛ ففي مقال آخر نشر بنفس الجريدة في 12 ديسمبر 1923 بعنوان "إصلاح التعليم الثانوي " قال فيه مخاطبا وزير المعارف "الوزير يعلم أن الجامعة بناء ضخم قوي يحتاج إلي أساس متين ؛وليس له من أساس إلا التعليم الثانوي ؛فإذا لم يكن هذا التعليم الثانوي من القوة والمتانة بحيث يعد عقل الشاب اعدادا صحيحا للدرس النظري العالي فلا قيمة لهذا التعليم الثانوي نفسه من جهة ؛ ولا قيمة لما يبني التعليم النظري العالي من جهة أخري ؛وأحسب أني غير محتاج أن أقيم الدليل علي أن الصلة قوية بين المدرسة الثانوية وبين الجامعة ؛فالتعليم الثانوي في فرنسا ليس مستقلا عن الجامعة وإنما هو جزء منها ؛وإذا أطلق لفظ الجامعة في فرنسا فهم منه التعليم العالي والتعليم الثانوي ....... فالتعليم الثانوي أذن أساس التعليم العالي والمدرسة الثانوية أساس الجامعة ؛فإذا أردنا أن يكون التعليم العالي منتجا وأن تكون لنا حقا جامعة تلائم حاجاتنا وأمالنا وكرامتنا فأول ما يجب علينا أن نفكر فيه هو إصلاح التعليم الثانوي بحيث يصبح أساسا للتعليم العالي الصحيح .... اذن فمصلحة التعليم العالي في نفسه تقتضي اصلاح التعليم الثانوي ؛ومصلحتنا الاجتماعية تقتضي اصلاح التعليم هذا التعليم الثانوي أيضا ؛اذن فلابد من اصلاح التعليم الثانوي ومن الشروع في هذا الاصلاح الان لا غدا أو بعد غد ؛بحيث لا تمضي أعوام قليلة حتي يكون الاصلاح قد تم وحتي تجد الجامعة من حملة الشهادات الثانوية طلابا أكفاءا ؛ ولكن ما طريقةهذا الاصلاح ؟ ...... لابد لنا من الاستعانة بالفنيين من أهل أوربا ؛والاستعانة بالمستشارين الفنيين من أهل أوربا في أمور التعليم علي اختلاف درجاته ؛ فليس بغض ما أن نعترف بما فينا من نقص إذا عملنا علي إكماله ؛ وليس معني الاستقلال أو لرغبة في الاستقلال أن نزعم لأنفسنا بالعصمة ونكتفي بما عندنا حتي تقوم الأدلة الواضحة علي أن ما عندنا لا يكفي ؛لا بد إذن من استشارة الفنيين ؛ولو أن لي أن أقترح علي وزير المعارف لطلبت إليه أن يفكر في نظم التعليم الثانوي في فرنسا وانجلترا وألمانيا وامريكا وأن يقارن بينها وبين حاجتنا وأن يختار من هذه النظم أشدها ملائمة لهذه الحاجات ؛فإذا تم له الاختيار ندب فنيا أو فنيين من الذين أتقنوا هذا النظام ليدرسوا مع الفنيين من وزارة المعارف نظام التعليم الثانوي في مصر ويقترحون ما يرون من وجوه اصلاح لهذا التعليم ؛أري هذا النحو وحده هو الذي يكفل اصلاح التعليم الثانوي وبناء الجامعة علي أساس متين " .
أما عن التعليم الجامعي ؛فلقد كان تطويره وتقدمه هو القضية الكبري التي شغلت قلب وعقل طه حسين ؛ وعندما كان عميدا لكلية الآداب ؛حرص علي دعوة بعض الأساتذة الأجانب لكي يستفيد الطلبة المصريون من علمهم ؛ فهاجت الدنيا وأتهمته في دينه ووطنيته ؛ وللرد علي هذا الاتهام كتب مقالا في جريدة السياسة بتاريخ 29 أغسطس 1923 بعنوان "حول الجامعة المصرية المصرية " قال فيه " يدور بعض الناس حول الجامعة المصرية يتهمونها في وطنيتها ودينها واخلاصها للعلم ويستعدي عليها الناس وينذر مصر بالخطر الداهم والشر المستطير لأنها فكرت في أن تدعو أستاذا فرنسيا ليلقي فيها محاضرات حول الآداب العربية أو حول فقه اللغة العربية ؛فكرت الجامعة في ذلك فهي تتهم في دينها ووطنيتها ؛تتهم بالردة وتتهم بالخيانة العظمي ........ أريد أن يعلم الناس جميعا أن الجامعة المصرية حين تدعو أساتذة من أوربا لالقاء الدروس فيها لا تأتي بدعا من الأمر وانما تنهج في ذلك الجامعات الأوربية والأمريكية الكبري التي تتقارض الأساتذة وتتبادل المعلمين في كل عام دون أن تجد في ذلك غضاضة أو مسا للكرامة القومية ودون أن تجد في ذلك شيئا غير النفع العلمي الخالص الذي انما اسست الجامعات له حتي أن الأساتذة الالمان ليدعون إلي فرنسا وأن الفرنسين ليدعون إلي المانيا في هذه الأيام وأريد أن يعلم الناس أن الجامعة المصرية حين تدعو الاساتذة الأوربيين لا تأتي بدعا من الأمر وانما تستأنف سنتها القديمة التي قامت عليها وانتفعت بها ونفعت بها كثيرا" .
ونظرا لإيمان طه حسين بالجذور المصرية التي تمتد في القدم الي الحضارة الفرعونية ؛ فلقد طالب بالاهتمام بدراسة اللغات القديمة اهتماما كبير ؛ وسجل ذلك الرأي في مقال هام وشهير له في جريدة السياسية بعنوان "حول تعليم اللغات القديمة في مصر " نشر في جريدة السياسة بتاريخ 12 سبتمبر 1923 ؛ قال فيه " أن الحياة العلمية والتاريخية والسياسية في مصر متصلة بطوائف ثلاث من طوائف الحضارة ؛فليس لمصر بد من أن تفهم هذه الحضارات فهما صحيحا ومن أن تتصل بها اتصالا قويا ؛ مصر متصلة بحضارة الفراعنة ؛ولست في حاجة إلي أن أصف هذا الاتصال أو أقيم الدليل عليه ؛وهي متصلة بحضارة العرب ولست في حاجة إلي أن أصف هذا الاتصال أيضا ؛وهي متصلة بحضارة أوربا ولست في حاجة إلي أن أصف هذا .......... اذن فحياة مصر القومية تضطرها الي أن يشتد اتصالها بحضارة الفراعنة دون أن نفهم هذه الحضارة دون ترجمان أي إلي أن نفهم اللغة الهيروغليفية واللغة القبطية ؛وما أحسب أن أحدا ينازع في مثل هذه النظرية ؛وربما خشيت اسراف الناس في اكبار هذه النظرية لأن الناس جميعا مقتنعون باشتداد الحاجة إلي درس هاتين اللغتين ؛وحياة مصر القومية تضطرها إلي أن تتصل بالحضارة العربية اتصالا متينا اي الي أن نحسن فهم اللغة العربية وكتابتها وتكلمها ؛وحياة مصر القومية ومستقلبلها ورقيها يضطرها إلي أن تتصل بالحضارة الأوربية أي إلي أن تقيم لغات أوربا ؛وليس فهم لغات أوربا وحضارتها مقصورا علي فهم اللغة الانجليزية والفرنسية والالمانية وما اليها من اللغات الأوربية بل لابد مع ذلك من درس اللغتين القديمتين التتين ترجع اليها أوربا وحضارتها الحديثة ؛أريد اللغة اليونانية والحضارة اليونانية واللاتينية ؛وإذن فهذه طائفة ثالثة من اللغات القديمة تضطرنا إلي درسها حياتنا القومية نفسها إذا أردنا أن نكون أصليين في الحضارة الحديثة نصطنعها عن فهم وبصيرة لا مقلدين ولا متكلفين ".
وفي محاولة لتأكيد الجذور المصرية ؛ سأل مندوب مجلة الهلال طه حسين عن رأيه في الوحدة العربية ؛ فجاء الجواب في عدد شهر أبريل 1931 حيق قال " أن كنت تقصد أن يكون تضامنا ثقافيا بين االبلدان العربية فأن مصر مستعدة للدخول فيه وأنا من أنصاره ودعاته ؛أما اذا كنت ترمي إلي ان مصر مستعدة للمساهمة في الوحدة العربية أو القومية العربية فأنت علي خطأ ؛ فالمصري مصري قبل كل شيء ؛وهو لن يتنازل عن مصريته مهما تقلبت الظروف . الوحدة العربية كما يفهمها ذووها يجب أن تتحقق بشكل امبراطورية جامعة أو اتحاد مشابه للإتحاد الأمريكي أو السويسري ونحن لا نرضي بهذا أو بذاك ؛ولا تصدق ما يقوله بعض المصريين من أنهم يعملون للعروبة ؛فالفرعونية متأصلة في نفوسهم وستبقي كذلك بل يجب أن تبقي وتقوي . تعالوا معي نستعرض الروابط التي تصل مصر بالأقطار الأخري ؛فاولها اللغة وثانيها الدين وثالثها أصل بعض السكان ورابعها بعض التقاليد الموروثة من حقبات تاريخية متشابهة ؛أما الدين فلا يصلح لأن يتخذ أساسا ؛ وإلا أصبحت الوحدة المزعومة إسلامية لا وحدة قومية ؛ وأصبحنا من جهة ندخل فيها شعوبا غير عربية . وكذلك أصل السكان ؛ فهو غير كاف لخلق الوحدة القومية العربية ؛فأن الأكثرية الساحقة من المصريين لا تمت بصلة إلي الدم العربي حيث تتصل مباشرة بالمصريين القدماء . ولا أخالكم معترفين معي بأن التقاليد العربية المنتشرة في مصر قليلة ضعيفة التأثير ؛ متبعة بنوع خاص بين العشائر المنحدرة من أصل عربي صميم ؛ وعلي كل حال فأن التقاليد مهما كانت متشابهة لقاصرة علي أن تخلق وحدها اتحادا قوميا . فماذا بقي إذن من روابط مصر بجيرانها ؟ التاريخ ؟ اللغة ؟
إن تاريخ مصر مستقل تمام الاستقلال عن تاريخ أي بلد آخر ومصر اليوم هي مصر بالأمس أي مصر الفراعنة ؛والمصري فرعوني قبل أن يكون عربيا ؛ ولا تطلبوا من مصر أن تغير فرعونيتها ؛أو أكثر مما تستطيع أن تعطي . مصر لن تدخل في وحدة عربية ولا حتي اتحاد عربي ؛سواء كانت مساوية فيه للأمم العربية الأخري أم مسيطرة عليها ؛سواء أكانت عاصمة هذه الوحدة أو الاتحاد القاهرة أم دمشق أم بغداد .......
وعندما سادت سياسة الاحتلال البريطاني في مصر ؛ أعلن وزير المعارف "دنلوب " فلسفته في التعليم المصري ؛ إذ أعلن بكل وضوح أن الغرض الأساسي من التعليم في مصر ؛ هو أن
يتعلموا ليعملوا بعد التخرج في دوايين الحكومة ؛مع الأخذ في الاعتبار أن العمل الحكومي في ظل الاحتلال كان محدودا للغاية ؛وبناء عليه كانت فلسفة التعليم في ذلك العصر قائمة علي قاعدتين :-
1- أن يكون مقدار ما يتعلمه المصريون قليلا جدا ؛بحيث لا يسمح لهم أن يتجاوزا أعمالهم الصغيرة في الدواوين .
2- القاعدة الثانية أن يكون مقدار ما يتعلموه والطريقة التي يتعلمون بها من الرداءة والقصور بحيث يحولان دون أن يكون لهم معرفة واسعة أو قدرة علي الابتكار .
ولقد رفض طه حسين هذا المنطق ؛ حيث طالب أن يطلب العلم لذاته بحيث تكون االمعرفة عند الطالب لذة مطلوبة لذاتها ؛ ولقد عبر عن هذه الفكرة في مقال بالغ الأهمية بعنوان "الابتهاج بالمعرفة " نشر في جريدة السياسة بتاريخ 25 ديسيمبر 1923 ؛ذكر فيه أن من عادة المجمع العلمي الفرنسي أن يقيم احتفالا سنويا ؛يستمع فيه أعضاء المجمع إلي خطبة لواحد من الأعضاء ؛ ومن بين هؤلاء كانت خطبة الأستاذ "بيرترمييه " ممثل مجمع العلوم ؛ ولقد أنبهر طه حسين بهذه المحاضرة ؛لما كانت تسودها من روح أحب أن يري مثلها في مصر ؛ وهي روح الرغبة الخالصة في العلم من حيث هو علم ؛دون أن نرجو منه نفعا ماديا أو فائدة من فوائد الحياة ؛ الابتهاج بالمعرفة :- إلي أي نوع من العلماء أستطيع أن أقيسه ؟ إلي ابتهاج رحالة يجد في استكشاف الأرض المجهولة فهو يمضي أمامه مزدريا ما يلقي من العناء ساخرا من كيد القبائل يملؤه احتقار الأمراض المختلفة التي تتربص له في الطريق ...... الابتهاج بالمعرفة ! ذاقه كثير من العلماء ؛وذاقه بعضهم مرات في حياته ؛ ابتهاج جليليه وقد أحس تحت قدميه حركة الأرض ؛ ابتهاج كيبلر وقد أصغي في الليالي الحسان إلي حركة الكواكب البعيدة فاتخذ منه قوانين صادقة ؛ ابتهاج نيوتن وقد رأي كل شيء من حوله يثبت قانون الجذب العام ويجعل الفلك مسألة ميكانيكية ؛ابتهاج لابلاس يشرح افتراضه المشهور في أصل الشمس والكواكب ؛ ابتهاج لافوازيه وهو يخلق الكيمياء ....... نعم : العلم مصدر الابتهاج ؛وهو أعظم مصادر الابتهاج ؛ ولهذا سوف يكون بين الناس علماء مادام بين الناس من يفكر ؛ نعم أن المجامع العلمية تحسن بأنشاء الجوائز والمكافأت وتشجيع العلماء والباحثين ؛ولكن أي جائزة وأي مكافأة أحسن في النفس أثرا وأعظم للباحث تشجيعا من الحقيقة نفسها حين تظهر لك وقد كانت خفية عليك ؟ تقول الحكمة للحكيم : سأكون أنا جائزتك العظمي ! " .
ومن هنا حرص طه حسين علي أن يكون من بين أهداف التعليم في مصر ؛ هو غرس حب المعرفة في نفوس الطلاب ؛ هو ما عبر عنه في مقال نشره في المجلة الجديدة بتاريخ مايو 1930 ؛ قال فيه "الأمة تعلم أبناءها لأن الله قد وهبهم عقولا تحب الحق من حيث هو حق وتلتمسه ؛ ونفوسا تحب الجمال من حيث هو جمال وتطمح اليه وقد أودع الله هذا العالم حقا وجمالا فنحن مفطورون علي أن نحبهما ونسمو اليهما وعقولنا تستكمل طبيعتها ونموها بذلك الحب وذلك السمو ؛ونفوسنا كذلك لا تعتدل ولا تستريح إلي الحياة ولا تنتج إلا بذلك الحب وذلك السمو ؛فالغرض من التعليم انما هو تمكين الأجيال الناشئة من أن تستكمل حياتها العقلية والشعورية الصحيحة بحب الحق والخير وتحصيل أعظم حظ ممكن منهما".
ولقد ألقي طه حسين محاضرة قي قاعة "مدرسة العائلة المقدسة بعنوان "تكوين الصفوة المثقفة " وقامت جريدة الأهرام بنشر ملخص للمحاضرة بتاريخ 2 مارس 1939 ؛ وفيها أكد سيادته علي أهمية الثقافة العامة ؛ وحول كيفية تكوين هذه الثقافة يجيب سيادته " كيف السبيل الي تكوين الصفوة المثقفة علي نحو شكل جدي ملائم لكرامتنا ؟ يختلف جواب الناس عن هذا السؤال ؛فمن أيسر الأجوبة التي تقال ؛ أنه يجب الاكثار من المدارس وكليات الجامعة ؛ولكنكم تستطيعون أن تنظروا قائمة ممن تخرجوا في المدارس والكليات وتتحدثوا اليهم ؛فلم تلبثوا أن تشعروا أن هؤلاء قد تخرجوا في المدارس والكليات ؛ فلن تلبثوا أن تشعروا أن هؤلاء قد تعلموا وظفروا بالدرجات الجامعية وماتهيئه لهم من وظائف ؛ولكنهم لم ينالوا حظا من الثقافة ؛ وما أكثر الأطباء والمهندسين المهرة الذين برعوا في فنهم ولكنهم من الناحية الثقافية كعامة الناس ! ليس من المهم للمثقف أن يكون قد أتم مراحل التعليم أو أن يبرع في فنه ؛وانما الرجل المثقف الذي يستحق هذا الوصف ؛ هو الذي يستطيع أن يفهم ما يعرض له ولمواطنيه من مشكلات ؛ وأن يتحدث عنها حديث الفاهم لها المقدر لخطورتها وأن يعرف ظروفها ووسائل علاجها ....... فهل وصلنا حقا إلي تكوين هذه الفئة ؟ ..... أما أن فأسف أشد الأسف إذ أجيب بلا ؛فالمثقفون عندنا قليلون ؛ومع ذلك كيف أوجدنا هذه الفئة ؟ أأوجدتهم مدارسنا ؟ أأوجدتهم مناهجنا ؟ أمن من شأن مدارسنا ومناهجنا أن توجه طلابها الي هذه الغاية ؟ أناأسف إذ أجيب بلا .. فنحن لم نعن بالثقافة ولم نرد أن نتصورها علي وجهها ولم نرتفع عن الحياة العملية الي الحياة العقلية الممتازة ...... العلم عندنا وسيلة وليس غاية ؛ولست أكره أن يكون كذلك ؛ ولكن لا بد من أن توجد في نفس الوقت طائفة تقدر أن العلم يصح أن يطلب لذاته وأن القلب يصح أن يهذب لذاته وسيكون كذلك يوم أن يوجد هذا الشعور في مصر ..... هذا غرض يجب أن توجه اليه نفوس المصريين وأم توجه اليه بنوع خاص نفوس القائمين بأمر التعليم في مصر .......... علي أن هناك أشياء ايجابية أتمني أن نفكر فيها لتكوين الصفة المثقفة ؛منها أن نبيح التعليم العام للمصريين جميعا ؛وأن نبريء أنفسنا من هذا الرأي الخطير الذي يحدد عدد المتعلمين لكيلا لا توجد عندنا أزمة للمتعطلين ؛ تلك أزمة لا تنشأ من التعليم بل من عدم تدبير النظام الاجتماعي علي وجه صالح ؛وليس التعليم هو مصدر الأزمة ؛ولكنه مصدر الشعور بها..... لابد أن نقتح أبواب الثقافة عندنا علي مصراعيها وأن تدخلها الثقافات كالهواء الطلق ؛ وبهذا نستطيع أن نكون العقل الحر النقاد القادر ؛ فاما أن نقصر علي ثقافة بعينها ؛ أو يقتر علينا في الثقافة فلا تدخلها العناصر الأجنبية إلا بمقدار ؛فهذا هو الشر الذي لا يتفق مع كرامتنا " .
ولقد أنشأت وزارة المعارف العمومية إدارة جديدة أطلقت عليها "مراقبة الثقافة العامة " وأختارت لرئاستها الدكتور طه حسين ؛ فتقابل مندوب مجلة المصور ؛وسأله عن الغرض من إنشاء هذه الرقابة ؛ فأجاب سيادته في حوار نشر في مجلة المصور بتاريخ 9 فبراير 1940 ؛ "لوزارة المعارف في نشر الثقافة مهمتان : مهمة نشرها في مدارسها الخاصة والمشرفة عليه ؛ ومهمة نشرها وتنظيمها خارج هذه المدارس " أما عن خطة الرقابة لنشر الثقافة العامة بين صفوف طلبة المدارس ؛ذكر سيادته أن دراسة التاريخ المصري القديم والتاريخ العربي يكاد يكون مقصورا علي الكتب ؛ فطالب أن يقوم رجال المتحف المصري ؛ودار الآثار العربية بإلقاء محاضرات فيهما علي المعلمين ليقوموا هم بإلقاء دروسهم علي طلابهم بين آثار هذين المتحفين ؛وقد شرعت الوزارة في عمل العمل بهذا الاقتراح ؛ويقوم رجال الآثار الفرعونية والعربية بإلقاء هذه المحاضرات . أما إحياء التراث العربي ؛ فقد أقترح سيادته أن تضاعف دار الكتب المصرية عنايتها بإخراج نفائس العلوم والفنون العربية ؛ ونقل نفائس المؤلفات الأجنبية وطبعها في مطبعتها التي تعد من أرقي المطابع ؛ ولقد صادف هذا الاقتراح عناية معالي وزير المعارف العمومية ؛ كما أهتم معاليه بالعمل لإنشاء فرقة مصرية للموسيقي الأجنبية لتحل محل الفرق الأجنبية التي تستدعيها الوزارة كل عام للعزف والتمثيل بدار الأوبرا الملكية ".
ولقد أثيرت في الثلاثينات من القرن الماضي معركة حول أيهما أصلح لمصر ؛هل هي الثقافة الانجليزية أم الثقافة الفرنسية ؛ فلقد فرضت سلطات الاحتلال البريطاني التعليم الانجليزي ؛فلما حصلت مصر علي الاستقلال ؛نادت بعض الصحف بضرورة أن لا نكون أسري الثقافة الانجليزية وحدها ؛وعندما تولي علي ماهر وزارة المعارف ؛كان متحمسا للثقافة اللاتينية ؛ فأمر بتعليم اللاتينية في بعض المدارس الثانوية ؛ واليونانية في بعضها الآخر ؛ وعندما ولت وزارة علي ماهر ؛ تمكن أنصار الثقافة الانجليزية من فرض سيطرتهم وعادت الثقافة الاانجليزية هي السائدة ؛ بينما وقف طه حسين علي ما يعرف بسياسة "التوفيق " فكتب مقالا في جريدة السياسة بتاريخ 25 يولية 1932 ؛ قال فيه " أعتقد أن مما لا خير فيه أن نفاضل بين ثقافة وثقافة فلكل ثقافة قيمتها ومميزاتها ونحن في حاجة إلي أن نأخذ من كل شيء أحسنه ؛فلننصرف أذن عن هذه المفاضلة السخيفة بين الثقافة اللاتنية والانجليزية ؛ ولنوجه جهودنا إلي تكوين ثقافة مصرية خالصة تستمد غذاءها من العلم الحر بالثقافات الإنسانية القديمة والحديثة عامة . وأني لأسعد الناس يوم أري حكومة مصرية تأخذ من الشجاعة حظا يمكنها من أن تسوي بين اللغات والآداب الانجليزية والفرنسية والالمانية في مدارس الدولة ؛ وندع للتلاميذ وآبائهم حق الاختيار ".
ولكن لا يعني هذا اهمال اللغة العربية أو الثقافة العربية ؛ ولقد أكد علي هذه الحقيقة في المحاضرة التي ألقاها في مدرسة العائلة المقدسة – والتي سبق الإشارة اليها – حيث قال " ثم أني أطلب شيئا أهم من ذلك ؛أطلب أن تكون لغتنا العربية وأدبنا العربي أساسا لكل ثقافة صحيحة ممتازة ؛وأوكد لكم أننا لم نبذل للغتنا بعض حقها ؛أسألوا أنفسكم :أحقا أنكم تعرفونها ؟ أحقا أنكم قادرون علي تأدية معانيكم بها أما أنا فأشهد أنكم لا تستطيعون ؛وكل ثقافة لا تعتمد علي اللغة الوطنية ؛ليست إلا ثقافة مستعارة والذي لا يعرف لغة وطنه غير مثقف وأخشي أن أقول أني أشك في رجولته كثيرا ".
وللدكتور طه حسين اجتهادات كثيرة في تطوير الأدب العربي ؛ ولقد حاول بعض نواحي الضعف والقصور التي يعاني منها هذا الأدب ؛ورصدها في أكثر من مقال ؛ منها مقال نشر في مجلة الهلال عدد شهر نوفمبر 1933 ؛ ولقد وضع أربعة أسباب لضعف نهضتنا الأدبية وهي :-
1- اتصالنا بأدبنا القديم ضعيف لم يبلغ ما ينبغي له من القوة ؛فكثير جدا من أدبائنا يعرفون حق الأدب الأجنبي أكثر مما يعرفون من الأدب العربي ؛ فالذين يأخذون بحظ من الثقافة اللاتينية يحدثونك في تفصيل دقيق واطالة ممتعة عن الأدباء اللاتينين وآثارهم وخصائصهم ؛فإذا سألتهم عن أدبائنا أدبائنا القدماء فقليل منهم – أستغفر الله – قليل جدا بينهم من يستطيع أن يطيل معك الحديث ؛وقل مثل ذلك في أدبائنا الذين تثقفوا بالأدب السكسوني ؛ وقد فرغ الناس من إثبات أن كل حديث لا قيمة له ولا غناء فيه إذا لم يعتمد أصدق الاعتماد علي الأب القديم ؛فنحن في هذه الحال لا نحن فيها الآن نبني في الهواء ونقيم أدبنا الحديث علي غير أساس .........
2- أن أدبائنا لم يوفقوا إلا إلي ثقافة محدودة من الأدب الأجنبي نفسه ؛ فهم بين متاثر بالأدب اللاتيني لا يكاد يعدوه إلي غيره ؛ وذلك نقص قبيح لا بد من إكماله والتخلص من شره ؛وهو نقص لأنه يوشك أن يفني شخصية الأديب وقرائه في هذا الادب اللاتيني أو السكسوني الذي يتأثره ويكاد يفني فيه ؛ والأديب الخليق بهذا الأسم جدير أن يأخذ بأعظم حظ من الثقافات الأجنبية المختلفة ليتم بذلك شخصيته ويوسع بذلك أفقه ....
3- أن أدبائنا الذين يحسنون الأدب الأجنبي الحديث يحسنونه طولا وعرضا ولا يحسنونه عمقا – إن صح هذا التعبير الغريب – فهم يجهلون الآداب القديمة التي أنشأت هذا الأدب الأجنبي الحديث ؛يجهلون الأدب اليوناني واللاتيني كما يجهلون الأدب العربي أو أكثر مما يجهلون الأدب العربي ؛فهم لا يستطيعون علي كل حال أن يقرأوا آثار اليونان والرومان إلا في التراجم وقليل منهم من يقرؤها في التراجم ؛ ولست أدري لماذا أعجز عن أن أصدق أن إنسانا يستطيع أن يتقن شيئا من الأشياء إذا لم يتقن أصله الذي نشأ منه وينبوعه الذي فاض منه .
4- أن أدبائنا لا يحفلون بالعلم ولا يأخدون أنفسهم بدرسه والالمام بطائفة حسنة منه ؛ومن جهل العلم – ولا سيما بعض العلم – فقد جهل الحياة ؛ولست أدري كيف يستطيع الأديب أن يكون أديبا حقا دون أن يكون أدبه صورة من صور الحياة ؛ ولست أدري كيف يستطيع الأديب أن يصور الحياة وهو يجهلها ولا يعرف من أسرارها ودقائقها ولا من ظواهرها وقوانينها شيئا .
ولقد آمن الدكتور طه حسين بأهمية الترجمة عن اللغات الأجنبية ؛وكتب في ذلك مقالا هاما نشر في مجلة الجديد بتاريخ 16 سبتمبر 1929 ؛جاء فيه " الحاجة الاجتماعية والعقلية هي التي تدعو الي الترجمة الآن كما تدعو اليهما في العصور القديمة وفي العصور الوسطي ؛لا تستطيع أمة أن تعيش وحدها فهي مضطرة اذا الي أن تتصل بغيرها من الأمم وتترجم عنها ؛وبمقدار شعور الأمة لهذه الحاجة الاجتماعية يكون حظها من الترجمة عن الأمم الأخري ومن هنا لا يكتفي الانجليز والفرنسيون والالمان بأن يترجم بعضهم عن بعض ولكنهم يترجمون عن العرب والفرس والترك والروس والصينين ومن هنا أيضا كان حظ اغرب من الترجمة أكثر من حظ الشرق ؛لأن شعور الغرب في هذه الأيام بحاجته الاجتماعية أشد من شعور الشرق بهذه الحاجة ؛ ولا تستطيع أمة بل لا يستطيع فرد أن يتقل بحياة عقلية منفصلة بل هو مضطر إذا أراد البحث والتفكير والانتاج العقلي إلي أن يعرف ما أنتج غيره في لغته القومية أو في اللغات الأجنبية الأخري ؛والترجمة هي الأداة لهذا الاتصال العقلي كما هي الاداة للاتصال الاجتماعي وهي أداة ناقصة دائما ؛فلن يجد الأفراد الذين يحرصون علي تحقيق هذه الصلة العقلية والاجتماعية بين الأمم من التراجم ما يرضي هذه الحاجة ؛لذلك يتعلمون اللغات الأجنبية ؛وهل هناك معني لتعلم اللغة الأجنبية إلا أن من يتعلم لغة أجنبية انما يترجم لنفسه ما لم يترجمه له المترجمون ؟! وكما ان الشعور بالحاجة الاجتماعية مقياس لحظ الأمم من الترجمة ؛فالشعور بالحاجة العقلية مقياس للترجمة أيضا ؛ ومن هنا كان الغرب أكثر ترجمة من الشرق " .
وعندما حاولت وزارة المعارف أن تقلص من تعليم اللغات الأجنبية في مصر ؛ غضب طه حسين لذلك الأمر غضبا شديدا ؛وكتب مقالا في مجلة المصور بتاريخ 20 أبريل 1948 ؛ قال فيه " كان يظن أن طبيعة الحياة المصرية وطبيعة الصلات التي أنشأتها الحياة الحديثة بيننا وبين أمم الأرض وشعوبها ؛وطبيعة الرقي الذي دفعنا إليه وظفرنا منه بحظ لا بأس به ؛ كل ذلك سيلقي في روع وزارة المعارف أن التوسع في تعليم اللغات الأجنبية المختلفة قد أصبح ضرورة من ضرورات حياتنا الحديثة ؛وسيلقي في روعها أيضا أن استئناف النظر في برامج التعليم ومناهجه فرصة يجب أن تنتهز لنجعل التوسع في تعليم اللغات حقيقة واقعة ؛ولكني أنظر فأري وزارة المعارف لا تلتفت إلي هذا التطور الخطير في حياتنا العقلية إلا لتقلل من عنايتنا بدرس اللغات الأجنبية ! كنت أظن أن حياتنا الحديثة ستحمل وزارة المعارف علي أن تتيح لبعض الصبية والشباب من أجيالنا الناشئة تعلم بعض اللغات الأجنبية الكبري ؛ليكون منا الذين يحسنون الاتصال بالثقافات العالمية علي اختلافها مباشرة لا بالوساطة ؛فيكون بين شبابنا من يترجم عن الألمانية والايطالية والأسبانية ؛ولولا أن أحفظ بعض الثصدور لذكرت اللغة الروسية أيضا ؛ففي الثقافةالروسية أدب وعلم وفن ؛وليست الثفافة الروسية شيوعية كلها ! ولكن وزارة المعارف مع الحزن الشديد لم تفكر في شيء من ذلك ؛وانما استقبقت اللغة الأنجليزية كما هي أو زادتها قوة – ولست أجد بذلك بأسا- وأصعفت اللغة الفرنسية وردتها إلي شيء من الضيق يجعل دراسة الشباب لها اضاعة للوقت لا تنفع ولا تفيد ؛ وليس المهم أن تعني الوزارة أو لا تعني بهذا اللغة أو تلك ؛وأنما المهم أن تلتفت الوزارة إلي أن اللغات الأجنبية هي وسائل المواصلات العقلية ؛ وإلي أن المواصلات العقلية هي أساس المواصلات المادية ؛ ,إلي أن حياتنا الحديثة تفرض علينا أن نشارك في الثقافة الإنسانية العالمية مشاركة فعلية مباشرة ؛ كما تفرض علينا أن نفهم أصدقائنا وخصومنا ؛ وكما تفرض علينا أن نفع ونتتفع ؛ وكما تفرض علينا أن نعتمد علي أنفسنا في النفع والانتفاع ؛ وإلا نكون عيالا علي غيرنا . وكل ذلك يفرض علينا أن نتيح للشباب درس اللغات الأجنبية علي كثرتها واختلافها ... فليس من بد إذا أردنا أن نكون أمة راشدة حقا ؛وقد جعلنا العقل المصري حكرا تقتسمه الثقافة الفرنسية والانجليسزية منذ بدأت نهضتنا الحديثة ؛ وقد آن لنا أن نحرر العقل والقلب المصري من هذا الاحتكار ؛ وسبيل ذلك أن تعدل وزارة المعارف عما عمدت إليه في إصلاحها الأخير من إهمال اللغة الاضافية سواء كانت فرنسية أم انجليزية ؛ وأن تستأنف النظر في تعليم اللغت فتبيح للشبان والصبية وأسرهم ان يختاروا لغتين أجنبتين من اللغات العالمية الكبري ؛ولا يتقيدون بهاتين الللغتين اللتين ألفناهما إلي الآن !.
ولقد أصدر طه حسين في عام 1945 ؛مجلة قدر لها أن تلعب دورا هاما في الثقافة المصرية ؛ وهي مجلة الكاتب المصري ؛وهي مجلة أدبية شهرية ؛صدر العدد الأول منها في شهر أكتوبر 1945 ؛ وجاءت افتتاحية المجلة بعنوان "برنامج " حدد فيه طه حسين برنامج وأهداف المجلة ؛ ويمكن تلخيص أهم ملامح هذا البرنامج في النقاط الآتية :-
1- هذه المجلة تستمد برنامجها وخطتها وسبرتها من تاريخ مصر القديم والحديث
2- لكل أدب حي مقومان أساسيان ؛المقوم الأول يكفل لها الثبات والاستقرار ؛المقوم الثاني يكفل لها النمو والتطور والارتقاء ؛ وهذه المجلة ستحرص علي العناية بهذين المقومين معا
3- سوف تأخذ هذه المجلة بقانونين لن تحيد عنهما مهما تكن الظروف ؛أحدهما الشدة علي نفسه وعلي كتابها وقرائها فيما تنشر وما تنقل من الفصول ؛فلن تقدم الي قرائها إلا هذه الأدب الذي ينفق صاحبه في انتاجه الجهد العنيف والوقت الطويل ؛وينفق قارئه في إساغته من الوقت والجهد مثل ما ينفق منتجه ؛فلن يعرض الأدب العربي لخطر التفاهة والابتذال ؛فالأدب فن يحتاج كغيره من الفنون الرفيعة إلي أناة الكاتب وتأنقه ؛وإلي تمهل القاريء وتأمله وتدبره ؛القانون الثاني هو الحرية الواسعة الكاملة السمحة فيما تنشر وفيما تختار من آثار القدماء والمحدثين ؛ومن آثار الشرقيين والغربيين ؛ ولا تنظر في ذلك إلا إلي الفن الخالص وإلي قيم الثقافة العليا وما يحقق التعارف والتواصل بين الذين يمثلون هذه الثقافة من رجال الأدب والعلم والفن .
4- المجلة تنظر إلي أمس ؛ وإلي اليوم ؛ وإلي الغد ؛ فستنشر ما يحيي الأدب القديم ؛ وستنشر ما يقوي الأدب الحديث ؛ولكنها في الوقت نفسه ستعني بهؤلاء الشباب الذين يجربون أنفسهم ويحاولون أن يشاركوا في الانتاج الأدبي ؛فستفسح لهم مكانا رحبا بين صفحاتها ؛وستتلقاهم رفيقة بهم مشجعة لهم ؛ولكن قاسية عليهم في النقد والاختيار .
5- ستعني هذه المجلة بان تعرض علي الشرقيين آثارهم عرضا قوامه النقد الخالص للفن والحق ؛ وبأن تعرض عليهم خلاصات حسنة للحركات الأدبية في أوربا وأمريكا ؛ ولن تقصر عنايتها علي أدب دون أدب ؛ولن تؤثر باهتماهها ثقافة دون ثقافة ؛ ولكنها ستفتح الأبواب علي مصاريعها للتيارت الأدبية والثقافية من أي وجه تاتي وعن أي شعب تصدر وفي أي لغة تكون ؛ذلك لان العلم والفن والأدب أمور تحب لنفسها ؛وتتلقاها العقول والقلوب كما هي ؛ فتستيغ منها ما تستيغ ؛وتنبذ منها ما تنبذ .
6- هذه المجلة ان تعني لعنايتها شعبا دون شعب ؛ولن تؤثر بعنايتها فريقا من أدباء العرب دون فريق ؛وهي علي هذه السماحة حريصة أشد الحرص ؛تريد ان ترفع الأدب عن هذه الخصومات التي تثيرها منافع الحياة العاجلة بين الناس ؛فهي إذن لا تنحاز الي طائفة ؛ولا تتعصب لمذهب ؛ولا تقيد نفسها إلا بحقوق مصر والأمم العربية في الكرامة والعزة والحياة الصالحة التي لا يشوبها نقص ولا هوان
7- هذه هي الغاية التي نسعي اليها ؛والوسائل التي نسعي بها ؛والعهد الذي نعطيه علي أنفسنا ؛ ونحن واثقون بإننا سنجد من المثقفين كلهم في الشرق العربي كله ما يلائم هذه الغاية وهذه الوسائل وهذه النية الخالصة من ثقة وعون وتأييد .
ولقد أستمرت مجلة "الكاتب المصري " في الصدور خلال الفترة من أكتوبر 1945 – حتي توقفت في مايو 1948 . ولقد ساهم في الكتابة فيها العديد والعديد من صفوة كتاب مصر ؛نذكر منهم :- ( توفيق الحكيم ؛ سهير القلماوي ؛ سليمان حزين ؛ عبد القادر القط ؛ حسين فوزي ؛علي أدهم ؛مراد كامل ؛سلامة موسي ؛لويس عوض ؛يحيي حقي ؛محمود عزمي ؛ولم تكتفي المجلة بصفوة الكتاب المصريين فقط ؛ بل كتب فيها العديد من الكتاب العالميين ؛نذكر منهم جان بول سارتر؛ بول فاليري ؛ اندريه جيد ..... الخ , كما نشرت الدار التي نشأت عن المجلة العديد من الكتب الثفافية الهامة نذكر منها " كتاب البخلاء للجاحظ تحقيق وشرح الأستاذ طه الحاجري ؛ العقيدة والشريعة في الغسلام لجولدتسيهر ؛ ترجمة محمد يوسف موسي وأخرون ؛ رواية طعام الآلهة للكاتب الانجليزي الشهير هـ . ج . ويلز ترجمة محمد بدران ؛ رواية المقامر للكاتب الروسي ديستوفسكي ترجمة عبد الفتاح شكري عياد "رواية الباب الضيق للكاتب الفرنسي أندريه جيد ترجمة الأستاذ نزيه الحكيم ..... الخ .
وإذا ما أنتقلنا إلي الفكر السياسي عند طه حسين ؛ فأول ما أحب أن أتوقف عنده هو مقال هام نشره في مجلة المصور بتاريخ 22 نوفمبر 1946 ؛تحت عنوان "التربية السياسية " وفيه يسجل رأيه بصراحة في التجربة الديمقراطية في مصر حيث يقول " لست أدري إلي أي حد يستطيع هذا الجيل من المصريين المثقفين ؛ ومن المصريين الذين يتداولون أمور الحكم فيما بينهم ويتداولون أمور التمثيل البرلماني فيما بينهم أيضا ؛أن يرضي عن نفسه وعن بلائه في أول واجب كان من الحق عليه ان ينهض به نفسه وهو التربية السياسية للشعب ؛ فما أكثر ما نتحدث عن الديمقراطية المصرية ؛وما أكثر ما نقول أن الأمة مصدر السلطات ؛وما أقل ما عملت وما نعمل لتحقيق هذه الديمقراطية المصرية من جهة ؛ ولتعليم الشعب مباشرة سلطته الدستورية وتحقيق سيادته علي نفسه وعلي وطنه من جهة أخري . ونحن حين نتحدث بعضنا إلي بعض ؛وحين نكتب من نقد الحياة الديمقراطية في مصر ؛نعتقد أننا نتعمق الأمر حين نقرر أن الديمقراطية لا تتحقق علي وجهها الصحيح إلا إذا حوربت الأمية وأنتشر التعليم وتثقف الشعب وعرف ما عليه من الواجبات وما له من الحقوق ؛ ثم نلاحظ بعد ذلك أن التعليم لم ينبغي وأن كثرة الشعب مازالت أمية جاهلة ؛وأن الديمقراطية مازالت من أجل ذلك لا أقول في طور الصبا ؛ بل أقول في طور الطفولة ! ثم يمضي أصدقاء الديمقراطية منا في ملاحظاتهم فيلحون في محاربة الجهل وتثقيف الشعب لتصبح الديمقراطية حقيقة واقعة في مصر ؛وينتهز الذين تؤمن ألسنتهم بالديمقراطية وتفكر بها قلوبهم هذه الفرصة ليقرروا أن من الحق أن ترجيء الحياة الديمقراطية في مصر حتي نهييء لها الشعب تهيئة صالحة ؛فإذا لم يكن هذا الارجاء ممكنا فلا أقل من ألا نتحرج في رعاية الديمقراطية نزاهة ما نحتاج إليه من الإجراءات ولا نتشدد في حين العناية بالدستور والدقة في تنفيذه ؛فكل هذه أشياء لا ينبغي أن نطالب بها إلا حين نستوثق من أن الشعب حريص عليها حقا ؛ يؤثرها علي كل شيء ويذود عنها ما وجد إلي الزياد سبيلا !.
وما أشك في أن انتشار التعليم وسيلة من أقوم الوسائل وأقواها لتحقيق الديمقراطية الصالحة ولإعداد الشعب لمباشرة حقوقه السياسية كما ينبغي أن يباشرها ؛وما أشك في أن من واجب المصريين بل من أخطر الواجبات علي المصريين أن يبذلوا أعنف الجهد ليعلموا الشعب ويثقفوه في أقصر وقت ممكن ؛ وعلي أحسن وجه ممكن ؛ ولكني لا أشك أيضا في أن التعليم ليس وحده الوسيلة القويمة لتحقيق الديمقراطية وإصالها إلي قلوب الشعب وإجرائها في عروقه ؛ بل أعتقد أن هناك وسائل أخري ليست أقل من التعليم أثرا في تربية الشعب ؛ولعلها تكون أقوي منه أثرا وأعظم خطرا ؛ لأنها لا تتصل بالحياة النظرية ؛ وأنما تتصل بالحياة العملية اليومية التي يباشرها الناس حين يصبحون وحين يمسون . وأنت لا تعلم الطفل أن يأكل ويشرب ويحبو ويمشي ويتكلم عن طريق القراءة والكتابة والحساب ؛ولا عن طرق النحو والجغرافيا والتاريخ ؛ وإنما تدفعه غرائزه إلي هذه الألون من النشاط ؛وتكمل التربية عمل الغرائز لأنها ترشدها وتقومها : تدفعها إن قصرت ؛ وتردها إلي الاعتدال إن حجمت أو أسرفت .
فإذا أقترضنا فرضا أن الديمقراطية المصرية ما زالت في طور الطفولة فقد يكون من الحق علينا أن نربيها كما يربي الطفل ؛ نعتمد علي الحياة العملية أولا ؛ ثم علي الدروس النظرية بعد ذلك " .
وحول قضية حرية الصحافة ؛يسخر طه حسين في مقال هام نشر له في جريدة البلاغ بتاريخ 26 يونية 1945 ؛ من قرار رئيس الوزراء بالسماح بحبس الصحفيين في سجون خاصة يلقون فيها شيء من الرفق في المعاملة ؛ فيقول " يجب أن تكون قيم الأشياء ومقاييسها قد تغيرت تغيرا شديدا في هذه البلاد التي سبقت الأمم كلها إلي الحضارة والتي يقال عنها أنها قد حضرت العالم القديم وعلمته حب العدل والأمن والنظام ف وحببت إليه الطموح إلي المثل العليا في الحق والخير والجمال ؛والتي يقال عنها أنها زعيمة الحضارة الشرقية في هذا العصر الحديث تسبق إلي الرقي وتدعو إلبه وتتسارع إلي الخير وترغب فيه .......... فرئيس الوزراء إذن لا يريد أنت يقف موقف المتفرج علي إلقاء الكتاب والصحفيين في سجون الإجرام العادي وإنما يريد أن تتخذ لهم سجون خاصة يلقون شيئا من الرفق في المعاملة ؛وهذا التفكير في نفسه عمل خطير يرفع من أجله الثناء إلي رئيس الوزراء ويهدي إليه من أجله الشكر الجميل ؛ ولست أدري ما الذي نرفع إلي رئيس الوزراء ومالذي نهدي إليه إذا مضي في عنايته هذه إلي غايتها ؛ وإذن بعد التفكير الطويل أو القصير وبعد المناقشات المعقدة أو الميسرة في أن يحبس المتهمون الصحفيون في سجن الأجانب كما تريد الأهرام وأن يخرجوا للرياضة في حديقة السجن وفي أن يأكلوا كما يحبون هم لا كما تحب مصلحة السجون وفي أن يقرأوا اكتب والصحف والمجلات . فما دمنا نمعن في الثناء علي رئيس الوزراء ونتفنن في الشكر لأنه أخذ يعني بهذا الموضوع ويفكر فيه فلا أقل من أن نقيم له حفلات التكريم ونصب له التماثيل في الميادين حين يوفق إن شاء الله إلي تحقيق هذه الآمال وحماية الكتاب والصحفيين المتهمين من هذه الآثار المخزية التي تصب عليهم صبا قبل أن يثبت عليهم ما يتهمون به وقبل أن يفرض عليهم القضاء عليهم احتمال العقاب ومن يدري لعل لرئيس الوزراء يجاهد جهاد الأبطال في سبيل هذه الغاية النبيلة ولتحقيق هذه الآمال العزيزة ثم لا يكتب له النصر ولا يتاح له الفوز ولا يؤذن للصحفيين والكتاب المتهمين إلا بهذا السجن البشع الذي يعرضون فيه للبق والقمل وينامون فيه علي الأرض ويشاركون فيه المجرمين والمتهمين العاديين فيما نتصور وما لا نتصور من الآلام المخزية .
فعلي رئيس الوزراء أن يجتهد ولكل مجتهد نصيب ؛وعلي رئيس الوزراء أن بجني ثمرة الاجتهاد فالفضل بيد الله بؤتبه من يشاء ويصرفه عمن يشاء ؛ ومن يدري لعل الله قد كتب علي الصحفيين والمفكرين في مصر أن يشاركوا المجرمين والمتهمين العاديين في آلامهم وإن لم يشاركهم في آثامهم ؛ فهذه المشاركة لون من ألوان الديمقراطية وفن من فنون المساواة التي يجب أن تتاح للمصريين جميعا وليس من الضروري أن تتحقق المساواة في الشر والألم أيضا ؛ وليس من الضروري أن توجد بين المصريين هذه الطبقة الأرستقراطية الممتازة التي تسمي الكتاب والمفكرين والتي تزعم لنفسها حقوقا ليست لغيرها من الناس وتريد أن تسجن في سجن الأجانب قبل أن يصدر عليهم الأحكام علي أقل تقدير ؛ فالذين يطالبون بإلغاء نظام الطبقات في الحياة الحرة يجب أن يقبلوا إلغاء نظام الطبقات في الحياة المقيدة المغلولة في أعماق السجون ؛ومهما يكن من شيء فقد تفضل رئيس الوزراء وبدأ يعني بأنصاف الكتاب والفكرين في السجن الاحتياطي ؛ وهذه عارفة تطوق أعناقنا والاعتراف بالجميل آية الضرورة ؛فلنعترف بالجميل لرئيس الوزراء ونسجل له هذا الفضل العظيم حتي إذا وفق إلي ما يريد فقد نفكر في أن نجتمع في دار نقابة الصحافة اجتماعا واسعا يشترك فيه المثقفون جميعا لننظر فيما ينبغي أن نتخذ من القرارات لشكر هذا الذي سيعجز الدهر عن شكره . ولا تظن أيها القاريء العزيز أني أعبث أو أقصد إلي الفكاهة فأنا أقول الجد ولا أقول غير الجد فنحن نفكر علي هذا النحو ونكتب علي هذا النحو ونعمل علي هذا النحو أيضا ؛ تغييرت قيم الأشياء وهانت علينا أقدار أنفسنا وصغرت حقوقنا في قلوبنا حتي أصبحنا نري فضلا عظيما وجميلا خطيرا أن يفكر رئيس الوزراء في ألا يرسل الكتاب والمفكرين هدية إلي البق والقمل وهم أبرياء لم يصدر القضاء فيهم حكمه بعد .
وقد رأت الاهرام صباح اليوم أن المطلب الأصيل الذي يجب أن ننتظره من رئيس الوزراء هو أن يتخذ للمتهمين في قضايا الرأي سجن خاص تهيأ لهم فيه وسائل الراحة الملائمة لطبقتهم وصناعتهم ....... كذلك نفكر وكذلك نكتب في أواسط القرن العشرين وبعد أن خاض العالم في سبيل الحرية الفردية والاجتماعية والدولية حربين خطرين وبعد أن أنشيء في مصر نظام ديمقراطي يكفل حرية الرأي ويقرر ان المتهم بريء حتي تثبت أدانته ؛ ويقرر أن للإنسان كرامة يجب أن تحفظ وحرمة يجب أن ترعي ...... ولم يخطر لنا أن نسأل رئيس الوزراء أن يتفضل فيعني بشيء آخر قد يكون أهم وأدني إلي رعاية الدستور والقانون واحترام النظام الديمقراطي الذي نعيش في ظله وهو الإعراض عن الحبس الاحتياطي في كل ما يتصل بقضايا الرأي فقد يقال أن الغرض من الحبس الاحتياطي منع المتهم من الفرار والافلات من يد القضاء ورئيس الوزراء يوافقنا فيما نظن علي أن المتهمين في قضايا الرأي ليسوا معرضين للفرار وإنما تفرض عليهم طبيعة أعمالهم أن يجاهدوا في سبيل أرائهم وأن يحتملوا نتائج ما يكتبون ولكن في حدود الحق والعدل والقانون وليس تعذيبهم بهذا السجن الاحتياطي ملائما للحق والعدل والقانون فماذا يمنع رئيس الوزراء أن يتقدم في الإعراض عن هذا الحبس الاحتياطي وعن هذه المضايقات التي لا تغني الحكومة شيئا وهي مع ذلك تحرج الصدور وتدل علي الفزع والجزع والخوف من حرية الرأي التي رفعت عنها ثم فرضت عليها النيابة وفرض عليها السجن الاحتياطي بما فيه من بق وقمل أو فرضت علينا هذه الكفالات المالية التي لا تنقضي بل قد يفرض عليها السجن والكفالة المالية معا" .