كريمة كمال
ما معنى أن يتم وضع الكلابشات فى يد شاعرة واقتيادها إلى التحقيق بتهمة ازدراء الأديان.. كل ذلك لأنها فى أمسية ثقافية قرأت بعضًا من أشعارها، اعترض عليها البعض وقدموا فيها بلاغًا.. وهنا تحركت الأجهزة وقبضت عليها وأخضعتها للتحقيق ثم أفرجت عنها بعد ذلك بكفالة.. هل نظل نخضع لقانون ازدراء الأديان؟.. ألم يحن الوقت لإعادة النظر فى هذا القانون.
تحدثت الشاعرة أمينة عبدالله مع إبراهيم عيسى عن تجربة اقتيادها ووضع الكلابشات فى يدها، كل ذلك بسبب ما ألقته من شعر.. بل تحدثت عن الهجوم عليها من المتشددين الذين يطاردونها ويهددونها ويهاجمونها على مواقع التواصل، ووصل بهم الأمر إلى تقديم بلاغ ضدها بتهمة ازدراء الأديان.. تجربة مريرة لم تنته، فهى الآن مازالت قيد التحقيق، ومازالت على قيد القضية التى لا يعلم أحد ما الحكم الذى سيصدر فيها، فإذا ما كان قد تم القبض عليها وإخضاعها للتحقيق والإفراج عنها بكفالة، فمعنى ذلك أن الأمر لم ينته بعد وأن هناك قضية وأن هناك حكما.. فهل سنشهد الحكم على شاعرة بسبب ما كتبته من شعر؟!.
ما الذى نفعله نحن فى مواجهة هذا التشدد؟، ولماذا تتفاعل أجهزة الدولة مع مثل هذه البلاغات؟، هل سنظل مكتوفى الأيدى، ومبدعونا وأصحاب الرأى التنويرى يُهاجَمون بشدة، بل يُساقون إلى التحقيق والقضايا بالكلابشات؟.
هذا الاتجاه المتشدد يرعى فى بلادنا، بل يتحكم ويهاجم ويجد صدى لدى الأجهزة، لا أعرف لماذا.. هل ترى أجهزة الدولة أن أى بلاغ يجب التحقيق فيه حتى لو كان بلاغا يعود بنا مرة أخرى إلى عصر الحسبة ومحاكم التفتيش؟.. يجب أن تسود الحرية للمبدعين وأن يكون من حقهم أن يعبروا عن أفكارهم بكل الحرية، ويجب ألا تتحول سلطات التحقيق لدينا إلى محاكم تفتيش.. يجب أن يعاد النظر مرة أخرى فى قانون ازدراء الأديان، فهو يمثل التشدد فى أقصى صوره، كما أنه يطارد كل مبدع وكل صاحب رأى لصالح التيارات المتشددة.
هوية مصر هى أغلى ما نملك، وقد تعرضت هذه الهوية لكثير من التشويه عبر سنوات كثيرة مضت، منذ أن خرجت علينا هذه الجماعات المتشددة، ولذلك علينا الآن أن نعيد النظر مرة أخرى فى كل ما خلّفته هذه الهجمة علينا وكل ما تركته على هويتنا.. وأعتقد أنه إذا ما كان هناك حوار وطنى يجرى الآن، فإن أهم ما يجب أن يُناقش فيه هو كيف يمكن لنا أن نستعيد هويتنا الثقافية، وكيف يمكن أن نحمى هذه الهوية من كل ما يترصدها، وهو كثير، وللأسف، يأتى من الداخل، وإن كان قد أتى إلينا من الخارج، فليس بخافٍ على أحد أن هذه التيارات المتشددة ترعى فى كل مكان من جمهوريتنا وتتغلغل فى العقول لتشكلها على هواها.. فهل نظل نحن غافلين وصامتين عن هذا، أم أن علينا أن نتحرك لاستعادة هويتنا؟.. هذا ليس موضوعا هامشيا كما قد يتصور البعض، بل إنه موضوع أساسى ورئيسى، فنحن فى حاجة ماسة إلى ثورة تنويرية تعيدنا إلى ما كنا عليه من قبل.. نحن ندرك أن هذه معركة ليست بالهيّنة، فيكفى أن نراقب كيف تتم مهاجمة أى رأى يحمل تنويرًا، وكيف تتم ملاحقته وسبّه وإدانته.. نحن فعلا فى خضم حرب حقيقية من أجل أن يسود التنوير، وأن نستعيد هويتنا قبل أن تضيع منا.
نقلا عن المصرى اليوم