القمص يوحنا نصيف
حدثت هذه القصة العجيبة منذ أكثر من خمسين سنة بالإسكندرية مع إنسان غير أرثوذكسي، لا يؤمن بشفاعة القدِّيسين ولا بصَدَاقتهم.. كان متَدَيِّنًا ويحبّ الكتاب المقدس، ولكنّه كان يفتخر بأنّه يقرأ ويعرف أكثر من غيره.
كانت زوجته امرأة أرثوذُكسية تقيّة هادئة متواضعة، تحيا الإنجيل أكثر مما تتكلّم.. تعيش النُسك والتواضع والمحبة وإنكار الذات والبساطة والاحتمال.. بدون أن تعِظ أو تفتخر على غيرها... فكانت هي العمود الفقري للبيت. ولذلك نشأ أغلب الأبناء مُحِبّين للحياة الأرثوذُكسية والكنيسة والقدّيسين..
كان إذا قال أحدهم: يا أم النور أو يا عدرا؛ يراجعه الأب قائلاً: "يا شيخ قول المسيح".. ولكن عندما رأى الأب أثَر الكنيسة الأرثوذكسية الطيّب على أبنائه، كَفّ عن الجدل معهم بخصوص العقيدة.. خاصّةً أنّهم كانوا يسكنون بجوار كنيسة مارجرجس سبورتنج، وأنّ قدس الأب القدّيس القمّص بيشوي كامل كان يزورهم باستمرار، ويصلّي معهم ويقرأ الإنجيل في وسطهم، ويقدّم احترامًا كبيرًا لهذا الوالد..!
في إحدَى المَرّات أُصِيب هذا الرجل بأزمة صدرية شديدة، وكانت زوجته وأولاده يقولون له أن يتشفّع بالسيّدة العذراء، أمّا هو فكان يقول كالمعتاد: "يا جماعة قولوا المسيح"... وفي اليوم التالي وجدوا والدهم بحالة صِحّيّة جيّدة جِدًّا، ولكنّه كان ساكتًا.. وفي وقت الغذاء قام وجلس معهم على المائدة، لأوّل مرّة بعد أيّام من المرض الشديد، وهو لا يزال صامتًا... وأخيرًا فتح فمه:
- أقول واللا ما أقولش يا ولاد؟
- قول يا بابا.
- إمبارح وأنا نايم بالليل لقيت قدامي واحدة واقفة وشّها زَي القمر، وبدأت أنتبه أنّها السيدة العذراء.. فقلت لها بصوت خافت: "يا سِتِّي.. إنتِ جيتي".. فوضعَتْ يدها عليّ في هدوء، ودارت حول السرير واختفت.. وفي الصباح وجدت نفسي معافى تمامًا...!
وبعد أن أنهى سرد ما حدث معه، صَمَتَ الجميع تقديرًا لحساسية الموقف.. وأخيرًا قالت زوجته التقيّة:
- أصْلي بَعَتّها لك..!
بَقِيَ أن تعرف يا عزيزي القارئ أنّ أحد أبناء هذه الأسرة هو أبينا المبارك المتنيّح القمّص دوماديوس حنّا بسطا كاهن كنيسة الأنبا أبرام بمحرّم بك، والذي سِيمَ كاهنا عام 1974م، وانتقل إلى الأخدار السمائيّة في مثل هذا الوقت من العام الماضي 2021م، وقد كان حاضرًا بنفسه تفاصيل أحداث هذه القصّة، وهو الذي سردها لي..!
إن شفاعة القديسين هي حقيقة مؤكَّدة، اختبرها الكثيرون، ومن لا يستفيد بها يخسر كثيرًا.. فهُم أهل بيت الله، وأعضاء أسرتنا السمائيّة العظيمة، التي نتشرّف بالانتماء إليها في المسيح..!
بركة أمنا العذراء الحنونة تكون معنا جميعًا. آمين.
القمص يوحنا نصيف