محمود العلايلي
أضاف موضوع السناتر الدراسية مادة جديدة للصحافة المصرية، وزود على المانشيتات المبتذلة على مدى عقود مانشيتًّا جديدًا، فبعد مانشيتات «القضية الفلسطينية هى القضية المحورية فى المنطقة»، «جيش الاحتلال يقتحم ساحة الأقصى»، «الخروج من عنق الزجاجة»، «تشجيع الصناعة وإزالة معوقات الاستثمار»، «القضاء على الدروس الخصوصية»، «بدء موسم بعبع الثانوية العامة»، تمت مؤخرًا إضافة سلسلة «القضاء على مافيا السناتر»، «إغلاق السناتر غير المرخصة»، وغير ذلك من المانشيتات الخاصة بهذا الموضوع، الذى لا يخلو بيت فى مصر من التماسّ معه مادام كان لهذا البيت أبناء فى سن الدراسة.

والحقيقة أن مسألة التعليم من الموضوعات التى تحتل حيزًا كبيرًا من اهتمامات الحكومة على أساس أنها تتعلق بملايين التلاميذ والمشتغلين بالعملية التعليمية، كما تحتل حيزًا كبيرًا من اهتمام الأسر على أساس أن التعليم قبل الجامعى يؤهل للكليات التى تؤدى إلى سوق العمل فيما بعد.

وذلك هو الجانب الواقعى من العملة لأن الجانب الآخر كان يجب أن يكون استراتيجية تعليمية من جانب الدولة قادرة على تخريج مواطن قادر على الفهم والتصرف، ونظرة مغايرة من ناحية الأسر بتخريج تلميذ قادر على التمييز فى اختياراته لمساره المهنى حسبما تعلمه، وليس ذلك التلميذ الذى يقوده مجموعه إلى مساره المهنى، حسبما حفظه ثم لفظه على أوراق الامتحانات.

لقد بدأ السيد وزير التعليم الحالى ولايته على الوزارة بصدمة ضربت أكثر من جهة، وهى إعلانه عن نيته فى تقنين وضع السناتر الدراسية، والحقيقة أن الرجل واجهته هجمات ضارية من الصحافة والإعلام، اللذين دأبا على مهاجمة نشاط السناتر بحكم المنطق السائد، بل إن الرجل قد جوبه أيضًا بهجوم شرس على منصات التواصل الاجتماعى من قِبَل أهالى التلاميذ، حتى الذين يذهب أبناؤهم إلى هذه السناتر، وكان الهجوم محصورًا حول أن ذلك التقنين سوف يؤدى إلى تهميش دور المدارس، مما يؤدى إلى تدمير منظومة التعليم ويدعم انهيارها.

والحقيقة أن هذا يأخذنا إلى فلسفة العمل قبل أن يأخذنا فى تفاصيل عناصر المشكلة، وهى: هل من الحكمة أن نتعامل مع الواقع كما هو حاصل توفيرًا للوقت والمجهود، أم من الأفضل أن نمضى فى طريق تغيير الواقع فى ظل متاهة عدم وضوح الرؤية لغياب الاستراتيجية الفعلية، بالإضافة إلى انهيار منظومة التعليم بالأساس، سواء بتقنين السناتر أو بعملها خارج نطاق القانون؟.

إن تقنين الخطأ عن طريق بوابة الحكمة أسلوب له وجاهته أحيانًا، ولكن له خطورته فى أغلب الأحيان لأننا إذا سمحنا بتمريره فى مسألة السناتر بحكم أن أولياء الأمور لهم الحرية فى الطريقة التى يتعلم بها أبناؤهم، فيجب على الجانب الآخر أن نكون متأكدين من جودة الخدمة التى ينالها غير القادرين على استخدام مثل هذه الخدمات، أما فلسفة الرضوخ للواقع وتطويع القانون بحسب سيادة هذا الواقع فتلك تحتاج مراجعة لأن خطورتها تكمن فى عقيدة المخطئ، الذى يدرك أن عليه بالصبر على خطاياه، لعله يأتى يومًا مَن يبرئ تلك الآثام ويقننها.
نقلا عن المصري اليوم