تحدثنا فى العدد الماضى أن من بين مصادر المشاكل الأسرية، مصادر ثنائية وتحدثنا عن 1- عقل وقلب 2- التعلق العاطفى بالأم.. ونستكمل حديثنا:
معروف أن المرأة الحديثة عاملة، سواء كانت موظفة أو فلاحة. الكل الآن يعمل، وإذا كانت هناك بعض الدعوات منذ فترة تنادى بعودة المرأة إلى البيت، فهذا أشبه بمحاولة العودة بعقارب الساعة إلى الوراء. ولكن هذا لا يعنى الفرح بهذا الوضع، فكم نتمنى أن تتمكن المرأة من أن تجد الفرصة المناسبة للاهتمام بالبيت وتربية الأولاد، لأن (صناعة) الطفل- كما يقولون- هى أخطر وأهم (موارد) الدولة. وخدمة الطفل ورعايته: الصحية والنفسية والروحية هى لخير الأرض والسماء حيث الأبدية السعيدة.
نتمنى من الأمهات أن يأخذن إجازة مناسبة لتربية الأطفال، خصوصًا فى السنوات الأولى، التى تتكون فيها بذور الشخصية المستقبلية للطفل.
ولا شك أن نزول المرأة إلى ميدان العمل، صار أمرًا واقعًا وله إيجابياته التربوية على الأبناء، بغض النظر عن العائد المادى البسيط، الذى يضيفه العمل على ميزانية الأسرة.
كذلك فإن ظروف العصر لم تعد تسمح بأن تظل المرأة المتعلمة حبيسة جدران أربعة، ليل نهار.. بل إن إسهاماتها كنصف المجتمع لها تقديرها.
كما أن المرأة العاملة تحس بنوع من الأمان، الذى لا نستطيع إنكاره، وإن كان الأمان الحقيقى فى بيت متدين ومتماسك.
لكن موضوعنا الأساسى هو فى خطورة أن يتأثر البيت بسبب عمل المرأة، ولا شك أن الرجل أحيانًا يتعامل بمنطق (اللامعقول)، حينما يلوم زوجته باستمرار، ويتجاهل أن زوجته:
1- تعمل مع ما يجره العمل من تعب جسمانى ونفسى وعصبى.
2- تنجب وتربى الأولاد، وتذاكر للأولاد بجهد رهيب.
3- تهتم بالبيت من حيث النظافة والطعام والضيافة... إلخ.
ينسى الزوج أنها تقوم بثلاثة أعمال يحتاج كل منها إلى جهد ضخم، ويتناسى أن المطلوب منه هو المشاركة فى المسؤولية البيتية، كالنظافة والطعام، والمساعدة فى تربية الطفل الوليد، ويتصور أن هذه أعمال (نسائية) لا تليق برجولة سيادته. إن (عصر الحريم) قد انتهى إلى الأبد، وبدأ (عصر المشاركة فى المسؤولية). وعلى الزوجين تنظيم حياتهما فى حب وبذل وعطاء، من أجل بيت سعيد وحياة هنيئة.. والله هو الضامن الشامل لهما معًا.
4- فارق السن:
مصدر مهم من مصادر المشاكل الأسرية أن يكون هناك فارق غير مقبول فى السن بين الشريكين.
والمعروف علميًّا أن الفارق المقبول لا ينبغى أن يزيد على 14 سنة تقريبًا يكبرها الزوج عن الزوجة، ذلك لأن الزوجة بعد الإنجاب والمجهود تكبر بسرعة تفوق سرعة الزوج، كما أن (سن اليأس) فى المرأة تكون فى حوالى الخامسة والأربعين، حيث تتوقف المرأة عن الإنجاب، بينما يستمر الرجل قادرًا حتى سن متأخرة كثيرًا عن ذلك.
وبالطبع لم يكن هذا الفارق قائمًا فى الزيجات القديمة، حيث كان كل شىء سهلًا وميسرًا، ابتداء من الاختيار (فلان لفلانة منذ الطفولة)، إلى العمل (الجميع معًا فى الحقل)، إلى السكن (البيت الكبير الذى يتسع للجميع).
أما الآن، فبسبب تعقيدات المدينة المعاصرة، من تعليم، إلى أسلوب اختيار، إلى صعوبات اقتصادية خطيرة، وغلاء عالمى، إلى تأخر رهيب فى سن الإنجاب لدى الشباب المصرى بسبب الإصرار على (الهرم المقلوب) إذ يزداد التعليم الجامعى بصورة مطردة، وبلا ضابط أو خطة، بينما تقل فرص العمل بصورة تهدد سلام وسلامة مصر.. أمام هذا كله صار الفارق مقبولًا حتى إلى 14 سنة، حتى يتمكن الشاب من إعداد نفسه اقتصاديًّا لحياة الأسرة.
ولا شك أن هذا تهديد رهيب للفتاة، إذ تكبر وتفلت فرص الزواج من بين يديها، الأمر الذى يهدد أخلاقيات وقيم وإيمان كثيرات.
والمشكلة الكبرى هى فى زواج مسن بزوجة شابة، متصورًا أنه سيقدر على أن ينجب منها، بعد أن ماتت زوجته الأولى، وتقبل هى الزواج طمعًا فى الميراث. أو فى حال ترمل شابة عروس، نجدها تقبل زوجًا يكبرها كثيرًا.
هذه كلها أمور يجب أن ننتبه إليها وأن ننبه غيرنا، فالفارق الكبير فى السن، كثيرًا ما يستحيل معه التوافق الزوجى، نفسيًّا وجسمانيًّا، بحيث تبدأ المشاكل، إذ تصاب الزوجة باضطراب عصبى، ويغطى الزوج عجزه بالإهانة والضرب وترك المنزل لأوقات كثيرة.. وأحيانًا يحدث الانحراف الخلقى من الزوجة لهذا السبب.
من هنا يجب أن يتنبه المختص عن إتمام عقد الزواج لما يحمله ذلك العقد بين طياته من قنبلة موقوتة، بل يجتهد فى حكمة ودون تطرف، فى منع هذا الخطأ قبل أن يقع، مقنعًا الزوج نفسه، بالمشكلة التى قد تحدث، والزوجة بالخطر الذى يتهددها، ويمكنه أن يستعين ببعض أفراد الأسرتين للوصول إلى هذا الحل، بصورة ودية وكريمة... حمى الله أسرنا ومجتمعاتنا من المشاكل.
نقلا عن المصري اليوم