عادت كرة القدم إلى مهدها مع استضافة إنجلترا مونديال 1966، فتُوّجت بهدف "شبح" وحملت كأس جول ريميه المسروقة لأوّل مرة بعدما عثر عليها الكلب بيكلز. مرّةً ثانية توالياً أصيب النجم البرازيلي بيليه، فجّرت كوريا الشمالية المغمورة مفاجأة تاريخية وقاطعت منتخبات إفريقيا البطولة.
فيما كان العالم مسحوراً بالبيتلز وفرق البوب البريطانية وابتكار ماري كوانت لتنانير "ميني" القصيرة، افتتحت الملكة إليزابيث الثانية النسخة الثامنة من المونديال في إنجلترا التي خاضت أول مباراة رسمية في التاريخ عام 1872 ضد جارتها اسكتلندا.
أضفى الجمهور أجواء حماسية، خصوصاً لقرب المسافة مع اللاعبين، وبفضل الأقمار الاصطناعية تسنى لجميع المشاهدين حول العالم متابعة 16 منتخباً بينهم 10 منتخبات أوروبية.
لم يعد يُسمح بتجنيس اللاعبين، اعتُمدت اختبارات المنشطات، ظهرت أول تميمة "الأسد ويلي"، وكانت النهائيات الأخيرة قبل اعتماد البطاقات الصفراء والحمراء، بعد عدّة إشكالات مع الحكام أبرزها خلال لقاء إنجترا والأرجنتين في ربع النهائي.
اتُهم الحكام بمحاباة الإنجليز، في ظل رئاسة ستانلي راوس للاتحاد الدولي (فيفا)، فبقي المشهد الختامي مع هدف جيف هيرست ضد ألمانيا الغربية (4-2) بكرته "الشبح" عالقاً في الأذهان.
وخاضت إنجلترا كل مبارياتها على ملعب ويمبلي، لكن مواجهة الأوروغواي وفرنسا نُقلت من الملعب الشهير بسبب اقامة سباق للكلاب!
وبالحديث عن الكلاب، شعر المسؤولون الإنجليز بالحرج قبل أربعة اشهر من ضربة البداية، لاختفاء الكأس من المعرض الموجودة فيه. ذهبت مساعي شرطة اسكتلنديارد أدراج الرياح، إلى أن عثر عليها كلب يُدعى بيكلز بعد 7 أيام، ملفوفة بجريدة ومرمية تحت شجيرة في جنوب لندن، فنال صاحبه مكافأة مالية ومُنح بطاقات لدخول الملاعب مجاناً!
سبق البطولة مقاطعة التصفيات من 15 دولة إفريقية، لمنحها بطاقة يتيمة مع آسيا وأوقيانيا، وإعادة اعتراف فيفا بجنوب إفريقيا رغم نظام الفصل العنصري.
وقال رئيس الاتحاد الإفريقي (كاف) الإثيوبي ييدنيكاتشو تيسيما بعد تغريم اتحاده 5 آلاف فرنك سويسري : أخذ فيفا موقفاً لا هوادة فيه ضد الاتحادات الإفريقية، وقراراته تشبه أساليب الترهيب والقمع المصمّمة لإحباط أي نزعات أخرى من طبيعة مماثلة.
ورغم غياب إفريقيا رسمياً، رفع ابنا موزمبيق أوزيبيو، هداف البطولة (9) وافضل لاعب أوروبي، وماريو كولونا رايتها عالياً، بعدما مثلا مستعمرتِها البرتغال المشاركة لأوّل مرة وثالثة البطولة.
كانت البرتغال في طريقها للتوديع من ربع النهائي، بعد تأخرها بثلاثية بعد 25 دقيقة فقط أمام كوريا الشمالية المغمورة كثيراً. وبدلاً من انكفاء أحصنة "تشوليما" قليلي الخبرة، التهمم "الفهد الأسود" أوزيبيو، مسجلاً رباعية (5-3) وضعت البرتغال في المربع الأخير حيث خسرت أمام إنجلترا.
صدمة أكبر صنعها الكوريون الشماليون في المباراة السابقة، عندما أقصوا من الدور الأوّل إيطاليا بطلة العالم مرتين والتي ضمّت النجمين جاني ريفيرا وساندرو مازولا 1-صفر، فاستُقبل الخاسر في روما بالبيض والطماطم!
وكشف ريم جونغ-سون الذي روى في وثائقي باسم "مباراة حياتهم" عام 2002، كلمات للرئيس الأبدي كيم إيل سونغ بقيت عالقة في آذانهم: عانقنا بلطف وقال: يسيطر الأوروبيون والأميركيون الجنوبيون على كرة القدم الدولية. كممثلين عن منطقة آسيا وإفريقيا، كشعب ملوّن، أحثكم للفوز في مباراة أو اثنتين..
وإلى إيطاليا، فقدت البطولة في دورها الأول إسبانيا والبرازيل بطلة 1958 و1962 التي أوقفت المجر سلسلتها من 13 مباراة دون خسارة بفوزها عليها 3-1 دون بيليه المصاب، في مباراة وصفتها صحيفة ليكيب بـ"الكاملة" وقامت شبكة "بي بي سي" ببثها خمس مرات في ثلاثة أيام.
وعن عدم تتويج البرازيل مرّة ثالثة توالياً، قال ظهيرها الأيمن دجالما سانتوس: كان صعباً دمج جيلين بجيل واحد. والأهم كان التعامل مع سيليساو كفريق استعراضي، قادر على التتويج بكأس العالم بشكل بديهي.
أما توستاو بديل بيليه، فكتب: إلى جانب عدم استقرار الفريق. في إشارة إلى تنقلاته الاستعراضية داخل البلاد واختيار التشكيلة في وقت متأخر: فان اللاعبين المتوّجين بآخر لقبين وصلوا الى نهاية مسيرتهم باستثناء بيليه، على غرار غارينشا وزيتو وجيلمار وبيليني ودجالما سانتوس.
وأصيب بيليه (25 عاماً) بركبته افتتاحاً ضد بلغاريا (2-0) ثم غاب عن مواجهة المجر (1-3). في الثالثة ضد البرتغال (1-3)، أجرى المدرب فيسنتي فيولا تسعة تغييرات، فتخلى عن غارينشا ودفع ببيليه المتأثر دائماً بإصابته وضحية خشونة مجدداً.
وقال بيليه، ضحية تعنيف كبير في البطولة: كانت 1966 أصعب تجربة لي في كرة القدم. غبت عن قسم من 1962 للاصابة، وفي إنجلترا لم أكن قادراً مجدداً على اللعب، كنت مصمّماً على عدم حمل ألوان سيليساو مجدداً. السبب الوحيد لعدولي عن القرار في 1970 كان مستواي الرائع مع سانتوس، كما لأن جروح 1966 لم تكن قد التأمت بعد.
وفي هذا الوقت، كانت إنجلترا تشق طريقها نحو النهائي بالفوز على الأرجنتين (1-0) والبرتغال (2-1)، لتلاقي ألمانيا الغربية ونجمها الصاعد فرانز بكنباور، بعد تغلبها على الأوروغواي (4-0) والاتحاد السوفيتي (2-1).
وبعد تعيينه عام 1963 ومنحه صلاحيات واسعة، قال مدرّب إنجلترا ألف رامسي أن بلاده ستحرز كأس العالم.
ومع الحارس غوردون بانكس، قلب الدفاع بوبي مور، لاعب الوسط بوبي تشارلتون والمهاجم جيمي غريفز، حظي "الأسود الثلاثة" بتشكيلة مفترسة.
وامتلك القائد مور قدرة رهيبة في قراءة اللعب، وقال عنه مدرّب اسكتلندا الشهير جوك ستين : يجب إصدار قانون ضدّه. يعرف ماذا سيحدث قبل عشرين دقيقة من الآخرين. ووصفه بيليه بأفضل مدافع واجهه، وقال عنه رامسي: من دونه، لم تكن إنجلترا لتحرز كاس العالم أبداً.
لكن رامسي تلقى صفعة باصابة غريفز نهاية الدور الأول ضد فرنسا، فقفز جيف هيرست الطري العود دولياً مكانه، ويا لها من قفزة! سجّل هدف الفوز المتأخر ضد الأرجنتين في ربع النهائي، واصبح اللاعب الوحيد يسجّل ثلاثية في النهائي ضد ألمانيا الغربية (4-2 بعد التمديد).
وقال هيرست: قبل يومين أو ثلاثة من النهائي كنت أتساءل من سيتم اختياره. كان جيمي قد استعاد لياقته وفي سجله 43 هدفاً في 54 مباراة دولية وله الحق المشروع بالعودة. معظم زملائي اعتقدوا أنه سيتم التخلي عني.
لكن ما حصل لاحقاً أصبح من التاريخ، خصوصاً هدفه الثاني في الوقت الإضافي (100) بكرة جدلية اصطدمت بالعارضة وارتدت إلى الأرض. وبعد التشاور بين الحكم السويسري غوتفريد دينست ومساعده الأذربيجاني توفيق باخراموف احتُسب الهدف وسط احتجاج ألماني وعلامات استفهام لا تزال مطروحة!