صلاح الغزالي حرب
استمعت منذ أيام إلى محادثة الرئيس السيسى مع يوسف الحسينى'> الإعلامى يوسف الحسينى، وكانت محادثة صريحة وواضحة ومرتجلة نابعة من القلب، وقد لاحظت في صوته نبرة الألم والحزن والخوف على مستقبل هذا الوطن، مما أحزننى وأثار شجونى ودار في رأسى شريط الذكريات منذ أن استولت جماعة الشر على مقدرات هذا الوطن الذي لا تعترف به الجماعة.. وكيف توحد المصريون على قلب رجل واحد وأعلنوا عن غضبهم وعدم قبولهم لهذا الوضع المؤلم وطلبوا تدخل القوات المسلحة قبل أن تتفاقم الأمور، وتركز النداء على وزير الدفاع في ذلك الوقت الفريق أول عبدالفتاح السيسى، الذي استجاب وغامر بحياته ومستقبله من أجل التخلص من هذه العصابة.. وأتذكر ما تلا ذلك من أعمال إرهابية قذرة في كل ربوع الوطن، راح ضحيتها الآلاف من رجال الجيش والشرطة وأفراد الشعب.. ودارت الأيام دورتها، وانتُخب السيسى رئيسًا بالأغلبية المطلقة، وبدأت تدريجيًا عملية بناء هذه الدولة من جديد بالتوازى مع القضاء على فلول الإرهاب الأسود في ظروف غاية في الصعوبة عشناها جميعًا، وأتذكر جيدًا أحاديث الرئيس قبل تقلده منصبه حول الصعوبة الشديدة لهذه المهمة وكيف أنها تحتاج إلى جهد كل فرد فيها وصبر جميل على المصاعب.. ومرت الأيام حتى تم فرض الأمن بالداخل والخارج إلى حد كبير وبدأنا جميعا نشعر بالتغيير المعجز، وكيف تم إنجازه في بضع سنوات من مدن جديدة في كل أنحاء الوطن والقضاء على سرطان العشوائيات التي كانت بمثابة سُبّة عار في جبين الدولة وكانت إذلالًا لفئة من المصريين الذين يعانون شظف العيش، وتزامن ذلك مع نشر الإسكان الاجتماعى في كل محافظات مصر مع إسكان الشباب غير القادر، ثم إنشاء مدن صناعية للجلود والأثاث والرخام مع إنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وبالتزامن مع ذلك تم ويتم إنشاء شبكة طرق وكبارى جديدة في كل أنحاء مصر لتسهيل حركة المرور وتشجيع المستثمرين، وفى مجال الصحة أستطيع القول إن كل ما تم إنجازه هو نتيجة المبادرات الرئاسية المتميزة في مجالات صحية مختلفة، مثل 100 مليون صحة والكشف المبكر عن الاعتلال الكلوى وعلاج ضعف السمع عند الأطفال حديثى الولادة والقضاء على قوائم الانتظار للعمليات الجراحية، وإنجازات أخرى كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها.. بالإضافة إلى إنشاء الجامعات الجديدة والاهتمام بالتعليم الفنى وغيرها..
ومن المؤسف والمؤلم والمتوقع أن جماعة الشر لا تزال تنفث سمومها في محاولات حثيثة لإحداث الفوضى ونشر الشائعات وخلق حالة من القلق والارتباك والخوف بين المواطنين بالاستعانة ببعض أذنابهم بالداخل واستغلال الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالعالم كله من حولنا.. ولكنى أؤكد بكل ثقة أن مصر لن تعود إلى الوراء أبدًا، فلا مكان لهذه الجماعة ومن يواليها من السلفيين المتعصبين بيننا، كما أن المصريين ذاقوا مرارة الفترة السوداء وعاصروا بداية عصر النهضة في السنوات الماضية وكيف تتحول مصر إلى الأفضل، ولن يقبلوا بإثارة الفوضى مرة أخرى..
وعلى الجانب الآخر من الصورة، علينا أن نعترف بوجود حالة من القلق والخوف والغضب في الشارع المصرى، وهو في رأيى مشروع ومتوقع كما هو الحال في معظم دول العالم من حولنا، نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، كما أن هناك ارتباكًا في منظومة التعليم والصحة ومتاعب أخرى، تعود في رأيى كما قلت سابقًا إلى وجود فارق توقيت كبير بين أداء الرئيس السيسى وأداء كثير من المسؤولين في شتى المجالات.
وهو من أهم أسباب غضب الشارع نتيجة للاختيارات غير الموفقة، حيث يفتقر الكثيرون إلى الحس السياسى الذي يمكنهم من التواصل مع المواطنين، بالإضافة إلى عدم المقدرة على الإبداع والتفكير خارج الصندوق، مما جعل العبء الأكبر على كاهل رئيس الدولة، وهو الأمر الذي يستدعى إنشاء مجالس استشارية على أعلى مستوى، تكون مسؤولة عن عمل استراتيجيات في كل المجالات وتابعة لرئاسة الدولة مع متابعة التنفيذ من السادة الوزراء.. وسوف أبدأ بالكلام عن مشكلة التعليم وكيفية التعامل معها، وأضعها أمام من يهمه الأمر:
أثبتت كل التجارب الناجحة في البلاد التي سبقتنا أن التعليم هو قاطرة التقدم والتحضر، ومن المهم أن يحظى بأكبر قدر من اهتمام الدولة بتوفير كل الإمكانيات، وقد بدأت مصر فعلًا منذ سنوات قليلة بتطوير التعليم بقيادة د. طارق شوقى، وللأسف الشديد لم يسعفه الحس السياسى ولم يفطن إلى ضرورة الاستماع إلى الخبراء ولم يسعَ لرؤية الواقع المؤلم للمدارس والمدرسين، فحدث التغيير الذي أتى بالدكتور رضا حجازى، أحد المخضرمين في مجال التعليم المدرسى، وكان مساعدًا للدكتور طارق في الوزارة، والذى أعلن عن تفكيره في ترخيص المراكز التعليمية الخاصة، وهو ما يعنى ضمنًا الاعتراف بها، وهو ما يؤدى بالضرورة إلى إهمال المدرسة، وهو أمر مرفوض وغير مقبول وأدى إلى بلبلة وقلق بين التلاميذ وذويهم.. وحيث إن الدولة حاليًا غير قادرة على توفير الميزانية الكافية لإحداث نقلة نوعية، أقترح الآتى:
1) الاستعانة بوزارة الأوقاف للمشاركة في بناء المدارس والفصول، باعتبار أنها من أعمال الخير، وكذا الدعوة إلى توجيه جزء من الزكاة في هذا المضمار وتشجيع كل رجال الأعمال في كل محافظة على هذا العمل، على أن تخصم من الضرائب، بالإضافة إلى قيام كل ولى أمر قادر على التبرع بما يستطيع في مدرسة أبنائه، مع تفعيل مواد الدستور الخاصة بالإنفاق على التعليم باعتباره مع الصحة من أهم الأولويات.
2) تكليف كل خريجى كليات التربية بعد إعدادهم جيدًا بالعمل في المدارس، مع تحفيزهم ماليًا.
3) منع إنشاء مدارس أزهرية جديدة، وقصر التعليم الأزهرى على خريجى الثانوية العامة فقط الراغبين في التعليم الأزهرى، فمن شأن ذلك أن يوسع مداركهم وثقافتهم العامة والدينية كما فعل د. على جمعة الحاصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس عام 1973، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه في أصول الفقه، وأصبح مفتيًا وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، كما أصبح عنصرًا فعالًا في المجتمع المدنى، كما يجب أن يتم تحديد العدد الذي يحتاجه الأزهر سنويًا من الطلاب مع توجيه ما تبقى من المال المخصص للتعليم الأزهرى للمساعدة في إنشاء المدارس والفصول.
4) تشجيع البنوك على المساهمة في بناء المدارس والفصول كجزء من العمل الاجتماعى.
5) اختيار قيادات مدرسية بشروط خاصة، تضمن كفاءة العملية التعليمية.
6) الانتظام بالمدرسة شرط أساسى لدخول الامتحانات لجميع السنوات.
7) استكمال ما بدأ من تطوير العملية التعليمية لاستكمال استراتيجية التعليم بعد مراجعتها.
8) قصر الالتحاق بالجامعة على نسبة معينة يحددها المجلس الأعلى للجامعات من خريجى الثانوية العامة، ويحول الباقى إلى الكليات والجامعات الخاصة بالتعليم الفنى بعد تطويره مؤخرًا.
9) مجموعات تقوية في كل المدارس بأسعار رمزية تُدفع للمدرس شهريًا، لمن يحتاج من التلاميذ والاتفاق مع المدرسين الذين يملكون موهبة التدريس وإيصال المعلومة والتعامل مع التلاميذ، ومنهم من كان يعمل في المراكز الخاصة، بشرط حصولهم على مؤهل تربوى للمساهمة في هذه الدروس بالمدرسة وبعد انتهاء اليوم الدراسى، ويمكن إعطاؤهم مكافأة إضافية من الوزارة.
10) إغلاق فورى لكل وكر من أوكار الدروس الخصوصية، يفتح أبوابه قبل انتهاء المدارس، وتوقيع عقوبات كبيرة على المخالفين.
11) مراجعة مستمرة للمناهج تحت إشراف متخصصين تربويين، وتحديدًا فيما يخص مادة اللغة العربية.
وفى جميع الأحوال، لابد من التأكيد على أن التعليم بغير التربية لا قيمة له، ومن هنا تأتى أهمية اختيار المدرسين التربويين، كما أطالب بفصل كل من يقوم بالتدريس في كل مدارسنا بغير المؤهل التربوى.
وفى مقال آخر، سوف أتحدث إن شاء الله عن مشكلة الصحة كما أراها.
نقلا عن المصرى اليوم