إعداد/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية يوم 30 بابة من الشهر القبطي الموافق 9 نوفمبر من الشهر الميلادي بتذكار ظهور بتذكار ظهور رأس القديس مارمرقس الرسول . والقصة كما وردت في السنكسار تقول " تعيد الكنيسة بظهور رأس القديس مامرقس الإنجيلي وتكريس الكنيسة التي بنيت عليها ؛ فلقد ظل الجسد والرأس محفظين معا في تابوت واحد في كنيسة بوكاليا أو دار البقر بالإسكندرية . وفي أحد الأيام من سنة 644م ؛دخل أحد البحارة العرب الي الكنيسة ؛فوجد التابوت وتوهم أن فيه ذهبا ووضع يده في التابوت ؛ فوقعت علي الرأس فأخذها في الليل وأخفاها في أسفل المركب . ولما عزم القائد عمرو بن العاص علي المسير ؛ أبحرت كل السفن وخرجت من ميناء الإسكندرية ؛ ما عدا تلك السفينة لم تتحرك إطلاقا بالرغم من محاولات البحارة ؛ عند ذلك علموا أن في الأمر سرا . فأمر عمرو بن العاص بتفتيش السفينة ؛ فوجدوا الرأس مخبأة فيها ؛ فأخرجوها من السفينة ؛ وأحتفظ بها عمرو بن العاص وبعدها تحركت السفينة فورا ؛ ففهم عمرو بن العاص ومن معه سر تأخر السفينة كان بسبب وجود الرأس المقدسة فيها ؛ فأحضر البحار الذي خبأها ؛ فأعترف بجريمته فعاقبه . ثم سأل عمرو بن العاص عن بابا الأقباط وكان هو البابا بنيامين البطريرك الثامن والثلاثين ؛ وكان هاربا ومختبأ في أحد أديرة الصعيد ؛ فكتب له عمرو بن العاص خطابا بخط يده يطمئنه ويعطيه الأمان ؛ ويطلب منه الحضور . فحضر البابا بنيامين وأستلم منه الرأس المقدس . وبعدها قص عليه عمرو بن العاص المعجزة العظيمة التي حدثت منها . ثم أعطاه عشرة آلاف دينار ليبني بها كنيسة عظيمة علي أسم صاحب هذه الرأس . فشكره البابا وأحتفظ بالرأس في قلايته بدير مطرا إلي أن يتم بناء الكنيسة ؛ ثم بدأ في بناء الكنيسة التي عرفت بأسم المعلقة بالاسكندرية الكائنة في شارع المسلة بالثغر ؛ ولكنه لم يستطيع إكمالها ؛ فأتهمها خليفته البابا أغاثون وكرسها في مثل هذا اليوم ووضع فيها الرأس المقدس .
وكان من طقس رسامة البط\ركة خلفاء القديس مارمرقس الرسول أن يتوجه البابا ثاني يوم رسامته إلي رأس مارمرقس الإنجيلي الرسول وبصحبته الأساقفة والكهنة والشعب ؛ فيضرب المطانية أمام الرأس المقدسة ؛ ثم يرفع البخور أمام الرأس ويقرأ مقدمة إنجيل مرقس . ويختتم بالصلاة والتحليل والبركة . ثم يدخل إلي حجرة وحده ؛ ويأخذ الرأس المقدس ويضعها في حجره ؛ وينزع عنها الكسوة القديمة ؛ ويكسوها بكس وة جديدة من الحرير . ويخيط عليها . وبعد ذلك يظهر للناس وهي في حجره ليقبلوها واحدا واحدا حسب رتبهم . ويتبارك هو من مؤسس الكرازة المرقسية ( السنكسار القبطي تحت يوم 30 بابة ) .
ويذكر كتاب "تاريخ البطاركة " المنسسوب الي ساويرس بن المقفع ؛ أن أحد رؤساء المركب تسلق ونزل الي البيعة واتي الي التابوت فوجد الثياب قد أخذت لانهم ظنوا أن في التابوت مالا فلما لم يجدوا شيئا أخذوا الثياب من علي جسد ماري مرقس وبقيت عظامه فبه فلما جعل رئيس المركب يده في التابوت وجد رأس القديس مرقس فأخذها وعاد الي مركبه سرا ولم يعلم به أحدا وخبأها في الخن في قماشه فلما ملك عمرو المدينة ورتب أمورها خاف الكافر والي الاسكندرية وهو كان واليها وبطركها من قبل الروم ان يقتله عمرو فمص خاتما مسموما فمات لوقته ...... فلما وصل الي المركب رأي عنده خلق كثير لا يحصي عددهم وهم لا يقدرون يحركونه فقال لهم أديروا مقدم هذا المركب الي المدينة ؛ فوقف ولم يتحرك ثم أعادوه الي داخل وعادوا جروه الي برا فوقفا هكذا ثلاث دقعات فعند ذلك لرئيس المركب اصعد الي بقماش النوتية افتشه لكي انظر واعرف السبب الذي أوجب وقوف هذا المركب دون جميع هذه المراكب كلها فخاف الرئيس الذي كان أخذ رأس القديس مرقس الانجيلي وفي الوقت الذي جاء فيه بنيامين البطرك الي المركب وأخذ الرأس الطاهرة وأطلقه فأقلع المركب لوقته اقلاعا مستقيما فعلم هو والتكس ( رئيس المركب ) و جميع الشعب بصحة الخبر وشاهدوا هذه الأعجوبة ومجدوا الله ودفع الوالي للبطرك مالا كثيرا وقال له ابن بيعة القديس ماري مرقس وأسأله السلامة لنا وعاد الأب البطرك الي المدينة والرأس في حضنه يحملها والكهنة قدامه بالقراءة والتسبيح كما يشاكل استقبال تلك الرأس الشريفة الجليلة وصنع تابوتا من خشب الساج وقفلا عليه وجعل الرأس فيه وكان ينتظر زمانا يجد فيه السبيل الي بناء بيعة وكان اهتمامه ليلا ونهارا في إعادة أعضاء البيعة التي تفرقت في أيام هرقل لا يشغله شيء عن ذلك وهو ممتليء من الأمانة ومن الروح القدس ونعمة الروح القدس التي كانت مع أثناسيوس الرسولي كانت معه في كلامه وأفعاله وبصلواته ترأف الرب علي شعبه وبطلبته بدأت عمارات ديارات وادي هبيب وكانت أعمال الأرثوذكسيين الصالحة تنمو ( تاريخ البطاركة :- بنيامين البطرك ؛ تحقيق وتقديم نيافة الأنبا صموئيل ؛ الصفحات من 87- 90 ).
ولقد كتب القصة بأكثر تفصيلا "يوحنا زكريا بن السباع " في موسوعة " الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة " في الباب السادس والثمانون حيث قال " وخبر هذه الرأس المقدسة أن القديس الطوباوي مرقس الانجيلي لما جرجر علي الشوك بظاهر ثغر الاسكندرية وكان حال تجرجره يجروه ويقولوا جروا التيتل دار البقر وعمل جسده في تابوة ؛وأقام مدة الي حيث عبره المسلمين الي الاسكندرية وفتحوها بالسيف .
وكان ذلك في البحيرة وكانو عدت مراكب . وان احد البحارة عبر الي كنيسة القديس مرقس الانجيلي التي هي علي ساحل البحر المالح المعروفة بالمغارة وكان ليلا فنزل الي المغارة فوجد تابوت القديس مرقس فظن ان فيه ذهب فحط يده في التابوة فوقعت يده علي الرأس فظن انها حق ذهب فاخذها في الليل واخفاها في خن المركب . ولما خرجوا بالمراكب بعد يومين فلم تخرج فوضعوا فيها كلاليب وجروها كلهم ؛ فما خرجت ؛ فامر عمرو بن العاص بتفتيشها فلما فتشوا المركب وجدوا تلك الراس مخباة ؛ فاطلعوها الي البر عند ذلك خرجت المركب وحدها . فعلم عمرو بن العاص وعلم ان سبب تأخير المركب الا تلك الراس وللوقت استحضر من خبا الراس فاعترف له بسرقتها وانه ضربه واهانه وسال عن بطرك النصاري في ذلك الوقت وكان البطريرك انبا بنيامين وهو هاربا منه في صعيد مصر فكتب له كتب بخط يده وهو يامنه فيها علي نفسه وساله الحضور فحضر وعندما حضر سلم له الراس المقدسة ؛ ودفع له عشرة آلاف دينار برسم بنا كنيسة علي اسم هذا الراس المرقسية ؛ فشكر الاب البطرك واطمانه نفسه وبنا هذه البيعة بالاسكندرية المعروفة بالمعلقة التي بالثغر الي يومنا هذا .واستقر الراس المقدسة المرقسية بيد الاقباط بثغر الاسكندرية الي يومنا هذا .وكلما حضر البطريرك الي ثغر الاسكندرية يجعل الراس المقدسة في حجره ويغير عليها الكسوة ويكسيها جديدا ؛ ولذلك تتم بطركيته كونه جالس علي كرسي مرقس الرسول . ثم بعد ذلك علي البطرك المتولي جديدا ان يعرض اولا كهنته ويفحص عن العدول بينهم ليس القسانية بالاسم هي العدالة لكن بالعمل المرضي ( يوحنا بن ابي زكريا بن سباع ؛ الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة ؛ حققه ونقله الي اللاتينية الأب فيكتور منصور مستريح الفرنسيسي ؛ المركز الفرنسيكاني للدراسات الشرقية المسيحية ؛ القاهرة ؛ 1966 ؛ ؛ الباب السادس والثمانون ؛ الصفحات من 284 - 287 ) .
كما ورد عنها خبر في كتاب "تاريخ الكنائس والأديرة " لابي المكارم ؛ تحت عنوان "بيعة ماري مرقس علي البحر " حيث ذكر عنها أن هذه البيعة أحرقها المسلمون وما يجاورها من الأديرة بالنار ...... حيث دخل بعض المراكب وعبث بالتابوت فوجد العظام والرأس فاخدها أعني الرأ س خاصة وأخفاها في قماشة في مركبه .ولما حضر وقت الاقلاع لم تقلع مركبه دون جميع المراكب حينئذ اظهر الرئيس المذكور وسأل الصفح عنه ؛ فاعلم بنيامين بذلك فحضر الي المركب وسلم الرأ س وجعلها في حضنه وشيعت بالقراءة الي حيث مكانه " ( تاريخ أبو المكارم ؛ الجزء الأول ؛ الوجه البحري ؛ صفحة 122 ) .
وكتب عنها الانبا يوساب فوه في الفصل الخاص بالبابا بنيامين حيث قال " وجاءوا إسكندرية غلقوها في وجوهم وأحرقوها بالنار وأحرقوا بيعة مرقس التي كانت علي البحر ؛ وأخذوا الثياب الذي كانت علي القديس؛ وقيل أنهم أخذوا رأ س القديس مرقس ....... أما رأس الإنجيلي فإن إنسانا صاحب مركب جابها في قماش فانعاقت مركبه ولم تتزحزح من مكانها بأعجوبة ظهرت حتي أعاد الرأس مكانها وكثرت فيها الرهبان ؛ وكان مجيء الأب بنيامين إلي الإسكندرية بعد ثلاث عشر سنة منها عشر في مملكة هرقل وثلاث للمسلمين ؛ وأقام في البطريركية تسع وثلاثين سنة .,.... الخ ( الأنبا يوساب أسقف فوه :- المرجع السابق ذكره ؛ صفحتي 111 و112 ) .
أما عن المراجع الحديثة ؛ فيأتي علي قمتها كتاب قداسة شنودة الثالث ؛ ففي الفصل التاسع من الكتاب تحت عنوان "رأس مارمرقس وجسده " حيث يروي قداسته قصة السنكسار في 8 طوبة ؛ حيث ييذكر دخول رئيس المركب الي كنيسة مارمرقس ووضع يده في التا بوت . فوجد جسم القديس مرقس ؛ فعلم أنه عظيم ؛ فأخذ الرأس وخبأها في مركبه . بينما يروي بن السباع القصة بطريقة أخري فيقول } أحد البحارة عبر ليلا الي كنيسة القديس مرقس الانجيلي التي علي ساحل البحر المالح المعروفة بالمغارة ؛ فنزل إليها فوجد تابوت القديس مرقس ؛فتوهم أن فيه ذهبا ؛ فوضع يده في التابوت فوقعت علي الرأس فأخذها في الليل وأخفاها في خن المركب { . ويتفق المرجعان معا علي انه عندما عزم عمرو بن العاص علي المسير ؛ تقدمت المراكب كلها وخرجت من الميناء ؛ ما عدا المركب التي كان يوجد بها الرأس المقدس مخبأ فيها ؛فأن هذه المركب لم تستطع مغادرة الميناء إطلاقا .
ويتابع بن السباع روايته فيذكر ان عمرو بن العاص أمر بتفتيش المركب ؛ فوجدوا الرأس في تلك المركب مخبأة فأخرجوه ؛ فخرجت المركب حالا وحدها ؛فقهم عمرو بن العاص وكل من معه و للوقت استحضروا من كان السبب في تخبئة تلك الرأس ؛ فاعترف بعد وقت بسرقتها ؛فضربه وأهانه .
ثم سال عمرو بن العاص عن بابا الأقباط - وكان في حالة هروبه الي الصعيد – فكتب له عمرو بن العاص خطابا بخط بده يطمئنه ؛فحضر البابا وأستلم منه الرأس بعد ما قص عليه ما حصل من الآية المعجزة ؛ فجله عمرو وعظمه ؛ وأعطاه عشرة آلاف دينار برسم بناء كنيسة علي صاحب هذه الرأس . ( قداسة البابا شنودة الثالث :- ناظر الإله الإنجيلي مرقس الرسول القديس والشهيد ؛ الفصل الخاص بالرأس والجسد معا ) .
وأخيرا نذكر كتاب " مارمرقس الإنجيلي " لإبراهيم صبري معوض " حيث يذكر نفس القصص السابقة ؛ ويذكر الأثر الذي تركه عودة رأس القديس مرقس الرسول ؛ فيقول " وقد كان لحادث تسلم الانبا بنيامين رأس القديس مرقس من عمرو بن العاص اعجوبة عظيمة خلدت الكنيسة ذكرها ؛ وذكر الأمير عمرو فأقامت احتفالا سنويا منذ ذلك التاريخ لهذا الحادث العجيب في 30 بابه . ودونت القصة في السنكسار .
ويضيف إبراهيم صبري معوض أن الراس ظل محفوظا في كنيسته حتي الجيل الحادي عشر الميلادي . ووللخوف من ضياعها استلمها أولاد السكري يالثغر السكندري وحفظوها في مكان أمين بدارهم فصار بذلك تقليد يقضي أن يقوم البابا بعد اعتلائه العرش في اليوم الثالث محاطا بالأساقفة والشعب . ومرت الرأس بعد ذلك برحلة طويلة حتي أستقرت في مكانها الحالي في الكنيسة المرقسية بالاسكندرية محاطة بمجموعة أخري من جماجم القديسين حتي لا يتمكن أحد من سرقتها مرة أخري ؛ ولكن هذا موضوع بحث آخر . ( إبراهيم صبري معوض :- القديس الشهيد مارمرقس الانجيلي في ذكري اليوبيل العالمي علي مرور تسعة عشر قرنا علي تأسيس كنيسة الإسكندرية ؛ الصفحات من 236- 242 )
بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1-السنكسار القبطي تحت يوم 30 بابة .
2-ساويرس بن المقفع :- تاريخ البطاركة ؛ الجزء الأول من القديس مارمرقس حتي البابا يوساب ( 52 ) ؛ إعداد نيافة الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر ؛ الصفحات من 87- 90
3-يوحنا بن زكريا بن سباع :- الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة ؛ حققه ونقله الي اللاتينية الأب فيكتور منصور مستريح الفرنسييسي ؛ مؤلفات المركز الفرنسيكاني للدراسات الشرقية المسيحية ؛ القاهرة ؛ 1966 ؛ الصفحات من 284- 287 .
4- أبو المكارم :- تاريخ الكنائس والأديرة في القرن " 12 " بالوجه البحري ؛ إعداد الأنبا صموئيل ؛ صفحة 122 .
5- الأنبا يوساب أسقف فوه :- تاريخ الآباء البطاركة ؛ تحقيق جمال أبو زيد ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ 2018 ؛ صفحتي 111 و112 .
6-قداسة البابا شنودة الثالث :- ناظر الإله الإنجيلي مرقس الرسول القديس والشهيد ؛ الفصل الخاص بالرأس والجسد معا .
7-إبراهيم صبري معوض :- تاريخ حياة القديس الشهيد مارمرقس الانجيلي في ذكري اليوبيل العالمي علي مرور تسعة عشر قرنا علي تأسيس كنيسة الاسكندرية ؛ الصفحات من 236- 242 .