وديع منصور (دياكون موريس)
و نشكر الله فقد حقق كثير من الأقباط و أبناءهم من الجيل الثاني و الثالث فى المهجر الكثير من النجاحات العملية و العلمية و الأكاديمية.
و لكن أكثر ما يؤرقنا و يؤلمنا ، أن كثير من أبناء الجيل الثاني و الثالث من الأقباط فى المهجر يتركون الكنيسة، بل و يرفضون الأسرة و المجتمع و الثقافة و الهوية المصرية / القبطية، و نشعر أنهم سُرقوا منا.
يجب أن نعترف و ندرك أن أبناءنا ينتمون بدرجة كبيرة ثقافيا و فكريا و أخلاقيا إلى مجتمعهم الجديد فى المهجر.
و يجب أن ندرك أن الحياة الكنسية القبطبة سواء فى مصر أو المهجر تتكون من محتوي عقيدي أيماني بالإضافة الى سلوك و أخلاق روحية مسيحية كل ذلك فى حاوية أو إطار ثقافى يتكون من اللغة (سواء العربية / القبطبة / لغة المهجر) و الألحان و الطقوس و الليتورجيات و الإتجاه الفكري و الإداري .... الخ.
و لذلك هدفنا هو الحفاظ على الإيمان و العقيدة كما استلمناها من الأباء ، كذلك الحفاظ على السلوك الروحي المسيحي بحسب حق الإنجيل ،و لكن من خلال التوافق مع الحاوية الثقافية للمجتمع الغربي فى المهجر.
و لذلك سأحاول أن أطرح تصوري للحفاظ على أبنائنا من الجيل الثاني و الثالث فى كنيستهم العريقة و عدم تسربهم منها ، بل يكون لهم دور كرازي و تبشيري فى مجتمعهم الجديد.
1.البعد العقيدي و الإيماني:
الإهتمام بتعليم أبنائنا أساسيات و مبادئ أيماننا المسيحي بلغة المهجر و ذلك من خلال المعلمين الكنسيين الذين يجيدون لغة المهجر. بل إعداد مستويات مختلفة العمق و التدرج من التعليم اللاهوتي يصل الى الدراسات الأكاديمية المتخصصة فى اللاهوت.
إن البعض يحاول أن يقدم المسيحية على أنها مجرد بعض الأخلاقيات و السلوكيات الطيبة و يتجنب الكلام نهائيا في العقيدة و الإيمان.إن هذا الإتجاه مدمر تماما للمسيحية فى المهجر، لأنه يجردها من جوهرها و يقدمها كأنها مجرد دعوة أخلاقية، مثلها مثل جميع الحركات و الفلسفات الأخلاقية، فرق شاسع أن تتعامل بشكل جيد أخلاقيا مع أخيك لأن هذا هو المعيار الأخلاقي للمجتمع (Ethical code) و بين أنه تعامله أخلاقيا بشكل جيد لأنك تحبه لأنه عضو فى جسد المسيح و أنه صورة الله. كذلك فكل عقيدة لها التطبيق الروحي و السلوكي ، و لكل سلوك روحي و خلقي العمق اللاهوتي.
2.البعد الروحي:
إن أكثر ما يمكن أن يدمر الكنيسة و يؤدي الى هجر أولادنا لها هو أن نقدم لهم الأخلاقيات و السلوك الروحي المسيحي و نحن لا نمارسه، فنقدم العظات و الوصايا الرنانة و نحن لا نمارسها أو نمارس عكسها، فيصاب الأبناء و المخدومين بالصدمة و يشعروا بالنفاق و الرياء و التمثيل، فيفقدوا الثقة فى الكنيسة و في الدين كله، و هذا للأسف ما حدث للمجتمع الغربي عندما صدم و أعثر في الكنيسة التي تنادي بعكس ما تفعل، فتركوا الدين و الإيمان و الكنيسة. و هناك الكثير من الآيات التي تطالبنا أن نفعل ما ننادي به.
و عندما نتكلم عن السلوك المسيحي فنحن لا نعني الممارسات الطقسية فقط من صلوات و أصوام و نسكيات فقط ، بل بالأكثر نعني المحبة و السلام و البذل و عدم النفاق و عدم الرياء.
3.البعد أو الإطار الثقافي:
ينتمي أبناءنا من الجيل الثاني و الثالث فى المهجر بنسبة كبيرة الى مجتمعهم الجديد من حيث اللغة و الثقافة الفنية و الحس الموسيقي و التعليم و التفكير العلمي المنطقي و الفكر الإداري و حرية التعبير عن الرأي و المساواة و احترام الشخصية و الكرامة الإنسانية ... الخ . و من حسن الحظ أن أغلب هذه القيم بالأساس هي قيم إنجيلية مسيحية نابعة من بنوتنا لله و عضويتنا جميعا فى جسد المسيح الواحد الذي هو رأسه و نحن أعضاؤه المتساوون فى الكرامة ، المختلفون فى الوظيفة.
اولا:اللغة: من المهم أن تكون لغة الصلاة و التعليم و الوعظ بلغة المهجر التي يجيدها الأبناء، و تبقي اللغة العربية والقبطية بشكل رمزي محدود جدا لتعبر عن البعد التاريخي و الهوية المصرية القبطية، و ذلك انطلاقا من المبدا الإنجيلي أن الإنسان يجب أن يفهم ما يصلي به.
ثانيا:اللحن أو ال Melody : بالطبع يجب نحافظ على الألحان القبطية في الصلوات و التسبحة، و لكن كنيستنا القبطية كنيسة منفتحة و قد قبلت و أدخلت الكثير من الألحان اليونانية مثل : تو ليثو ، أيبارثينوس و أسومين طو كيريو، بل استعارت طقس كامل من الكنيسة اليونانية و هو طقس تمثيلية القيامة ، فبالأولى كثيرا أن نستعير بعض الألحان الموجودة أساسا كنصوص فى كنيستنا و لكن نرتلهاباللحن الغربي أو اللاتيني حتي يشعر أبناءنا أنهم غير متغربين عن مجتمعهم. و نشكر الله أنه يوجد كثير من الألحان المشتركة مثل : ذوكسابتري، أجيوس ، قدوس قدوس قدوس ، المزمور ال 150 سبحوا الله و غيرها.
ثالثا:إشراك الفتيات و السيدات فى الخدمة و الترتيل:من أكثر الأشياء التي ممكن أن تبعد أبناءنا من الأجيال الجديدة فى المهجر عن الكنيسة هو تهميش الفتيات و السيدات فى الخدمة و اشعارهم بعدم القبول أو انهم بشكل أو آخر غير طاهرين أو أقل من الرجل، و هذاسيؤدي الى تركهم الكنيسة. و ربما الى ترك العائلة كلها للكنيسة. و لعل خطوة نيافة الأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس برسامة أكثر من 80 فتاة برتبة ابسالتس (مرتلة) ليقوموا بترتيل ألحان و مردات الشعب هي خطوة هامة فى الإتجاة الصحيح ، و قد سبقه في ذلك قداسة البابا شنودة الثالث برسامة شماسات كاملات "دياكونات"، و هي خطوة تتفق تماما مع الإنجيل الذي يعلن انه كانت هناك شماسات فى الكنيسة الأولى و كانت فيبي شماسة كنيسة كنخريا احداهن. و هو ايضا اتجاه سبفنا اليه أخوتنا فى الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة مثل السريان و الأرمن و الروم و غيرهم.
رابعا: الإفتقاد: و هدفه يجب أن يكون تقديم المسيح و فتح الكتاب المقدس و الصلاة و ليس مجرد زيارة إجتماعية و يجب أن يكون الإهتمام بالإنسان كقيمة و ليس كعدد. كما يجب أن يهتم الإفتقاد بمساعدة و مساندة أعضاء الكنيسة فى مشاكلهم مثل المرض أو حالات الوفاة... الخ
خامسا: المشاكل الإجتماعية و الأسرية فى المهجر على مستوي الزوج و الزوجة او الآباء و الأبناء: الحل الأمثل لهذه المشاكل هو تجنبها و الوقاية منها، لأن حل المشكلة اذا وقعت يكون فى منتهي الصعوبة و يكاد يكون مستحيل. و الحل الأمثل لهذه المشاكل هو الإعداد الروحي و النفسي و اللاهوتي و التعليمي للأسر (من محاضرات و اجتماعات و مؤتمرات للأسرة) ، لإرشادهم للسلوك السوي و المسيحي بين الزوج و الزوجة و لممارسة دورهم فى تربية و تعليم أبناهم.
سادسا: مناقشة الأفكار و الفلسفات المنتشرة فى الغرب و تقديم إجابات عليها و ليس رفضها و شيطنتهادون أسباب مقنعة ، و ذلك بعمل مؤتمرات منتظمة للشباب الجامعي او حديثي التخرج لمناقشة المشكلات المثارة فى الغرب مثل: الإلحاد (بمدارسه و توجهاته و أطيافه المختلفة) ، معضلة الألم و الشر و المرض و الموت و رفض الإله ، الجنس قبل الزواج، المثلية الجنسية، الهوية الجنسية، المخدرات ، الخمور، الديسكو ، الوشم ، احترام الآخر مع امكانية الإختلاف معه، التفريق بين محبتا للخاطئ و رفض الخطية .... الخ .
سابعا: تثبيت و ممارسة قيم مجتمع المهجر الإيجابية و التي تنبع أساسا من تعاليم الإنجيل: إن الشعوب المسيحية التي رفضت الدين في العصور الوسطي فى أوروبا، لم ترفض الدين فى حد ذاته ، بل رفضت الدين الذي قدمته و مارسته الكنيسة فى هذه العصور المظلمة و هذه الممارسات تتعارض بشدة مع المسيحية التي قدمها المسيح و قدمها الإنجيل.
- فهم رفضوا أن يعاملهم رجال الدين على أنهم أسياد و بقية الناس عبيد.
- هم رفضوا محاكم التفتيش الظالمة و محاكمة الضمائر و الآراء و مصادرة الحرية، حتي كانت الإكتشافات العلمية تحاكم دينيا.
- هم رفضوا الأحادية فى ادارة الكنيسة و التسلط و الديكتاتورية ، مع أن الإنجيل يأمر بعكس ذلك تماما، و الرسل لم يفعلوا ذلك نهائيا.
- هم رفضوا مظاهر البذخ و الفساد المالى للكنيسة.
- هم رفضوا الفاشية الدينية.
و لذلك ترك المسيحيون في أوروبا الدين كما قدمته الكنيسة، و صاغوا مبادئهم التي استقوها من الإنجيل بأنفسهم و لكن بعيدا عن الكنيسة للأسف. و كانت هذه المبادئ هي:
+ المساواة بين الجميع فى الكرامة و القيمة، المساواة بين الرئيس و المرؤوس، و بين الرجل و المرأة ....
+ قبول الجميع حتى في ظل الأختلاف مع أفكارهم.
+ الحرية في التعبير.
+ الديموقراطية فى الإدارة .
+ الشفافية و الوضوح و عدم التعتيم على المشاكل و الإعتراف بها و و الإعتذار عنها و العمل على حلها.
+ الإلتزام بالوعود و عدم التراجع عنها.
+ العدالة فى المحاكمات.
+ عدم إساءة استخدام السلطة.
+ الحفاظ على الكرامة الإنسانية.
+ رفض خطابات الكراهية و تشويه السمعة .
و لحسن الحظ فإن الكنيسة الكاثوليكية نفسها قادت إصلاح داخلى و تبنت كل المبادئ الإصلاحية السابقة.
و إننا ككنيسة قبطية أرثوذكسية يجب أن نمارس هذه القيم المسيحية التي يؤمن بها المجتمع الغربي في المهجر لكي نستطيع أن نحتفظ بأطفالنا فى الكنيسة القبطية، فأطفالنا ينتمون بكل تأكيد للمجتمع الغربي و ثقافته و قيمه و ليس لمجتمعنا الشرقي القائم على الخضوع و تنفيذ الأوامر بدون مناقشة. لذلك يجب وضع إطار قانوني قائم على حق الإنجيل و القانون الكنسي يحكم العلاقة بين الأشخاص سواء بين الإكليروس و بعضهم أو بين الإكليروس و الشعب. كما يجب اشراك شباب الجيل الثانى فى الخدمة والتبشير وادارة الكنيسة بشكل قوي.
ثامنا: تقوية العلاقات بالكنائس الأخري في المهجر و الإستفادة من خبراتهم و تجاربهم:
1.العلاقات بين الكنائس القبطية المختلفة فى الإيبارشية الواحدة و تنظيم لقاءات تعارف و زيارات
2.الكنائس القبطية فى الإيبارشيات القبطية المختلفة في المهجر.
4.العلاقات مع الطوائف الأخري فى المهجر سواء أرثوذكس أو كاثوليك و انجيليين، و بالأخص الأرثوذوكس و الكاثوليك لوجود كثير من الأساسيات المشتركة بيننا ككنائس رسولية.
نشكر الله ان بعض من الكنائس فى المهجر انتبهت الى أهمية بعض من هذه الأفكار و بدات فى تنفيذها، و لكن للأسف ليس كل الافكار و ليس كل الكنائس. نتمني أن يتم تنفيذ هذه الأفكار بشكل منهجي و عملى للحفاظ على ابنائنا فى الكنيسة و عدم إنفصالهم عنها.
يتبع مناقشة كل هذه العناصر و الأفكار بشكل تفصيلي و تقديم برنامج عملي و تنفيذي لكل فكرة.
ملحوظة: نرحب بكل الآراء التي تناقش أو تكمل هذه الأفكار، أو تنقدها نقد بناء.