هاني لبيب
عاد بنيامين نتنياهو للحكم مرة أخرى بعد نجاح تحالف المعسكر اليمينى بعدد 65 مقعدا فى الانتخابات الخامسة للكنيست خلال 4 سنوات والـ 25 منذ إقامة دولة إسرائيل. سعى نتنياهو خلال الفترة الماضية إلى استعادة شعبيته فى معاقل اليمين المتشدد وسط الأحزاب الدينية لتعزيز التحالف وضمان عدم تشتيت الأصوات.. باتهام الحكومة بأنها يسارية.. أضعفت إسرائيل أمنيا واقتصاديا. استغل نتنياهو حرمان الأحزاب المتدينة من الحقائب الوزارية.. فى تأجيج مسألة «يهودية» الدولة، وهو الأمر الذى زاد من رصيد نتنياهو والتصويت لصالح تحالف الليكود مع الأحزاب المتشددة التى طمحت فى العودة للحكم مرة أخرى. والتى يؤمن غالبيتها بضرورة استخدام القوة لطرد العرب من إسرائيل. ونجح تحالف اليمين الإسرائيلى المتشدد فى حصد 32 مقعدا لحزب الليكود اليمينى المتشدد، و14 مقعدا لحزب الصهيونية الدينية القومى، و11 مقعدا لحزب شاس، و8 مقاعد لحزب يهودوت هتوراه.
الطريف أن نتنياهو قد فوجئ بحملة ضخمة بعد ظهور نتائج الانتخابات، وقبل تشكيل الحكومة من الأحزاب الدينية المتشددة التى شاركته فى الائتلاف حيث طالبوه بتحقيق طلبات دينية من خلال فرض قوانين جديدة على الدولة، وذلك على غرار: إقامة وطن قومى يهودى على أساس دينى. فرض تجميد الأنشطة الاجتماعية والحياتية يوم السبت (مثل إلغاء المباريات). ووضع رقابة مشددة على البرامج التليفزيونية. وعدم تجنيد المرأة فى الجيش الإسرائيلى. وتقييد شروط منح تراخيص المحال الغذائية والسوبر ماركت التى لا تطبق الشريعة اليهودية. وإلغاء اعتراف الحكومة بحقوق المثليين. وإلغاء تراخيص العمال الفلسطينيين والعرب. وتحجيم الوظائف الرسمية لعرب إسرائيل (الدروز والبدو وعرب ٤٨). وفتح القدس لليهود.. خاصة منطقة المسجد الأقصى وحائط المبكى دون قيود أو تحديد مواعيد. والحد من العلاقات العربية الإسرائيلية، وعدم الاعتراف بالعرب وضرورة طردهم من إسرائيل والتمادى فى بناء
المستوطنات. والتراجع عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
من المتوقع، سعى نتنياهو لتشكيل ائتلاف الحكومة القادمة من الأحزاب المتدينة والصهيونية الدينية المتشددة.. بعد مطالبتهم بالحصول على حقائب وزارية مهمة من جهة، وحملة الطلبات الدينية المتشددة من جهة أخرى. وهو الأمر الذى يثير القلق لدى الإدارة الأمريكية لدرجة تسريب تصريحات لمسؤول أمريكى رفيع المستوى ينتمى للحزب الديمقراطى.. أكد فيها عدم تعامل الإدارة الأمريكية مع ايتمار بن غفير (مؤسس حزب عظمة اليهود والمنتمى لحركة كاخ المتطرفة) فى حالة توليه منصبا وزاريا.. كما سيواجه تننياهو ضغوطا من اليمين اليهودى المتشدد فيما يخص القضية الفلسطينية والملف الإيرانى.
أذكر هنا ملاحظة مرجعية، وهى أن الأصوليات تدعم بعضها. وأرى أن أحد أسباب وصول الأصولية الصهيونية للحكم هو المقابل الموضوعى لتحركات الأصولية الفلسطينية لحركتى حماس والجهاد.. من أعمال العنف التى سبقت فترة الانتخابات الإسرائيلية بشكل متعمد وممنهج فى نابلس والضفة الغربية والقدس والخليل وعلى حدود غزة. وهو ما أثر بشكل مباشر على توجهات الناخب الإسرائيلى الذى أصبح لا يشعر بالأمان فى حال استمرار حكومة وسطية، وفضل عنها حكومة متطرفة.. تضمن له أمنه وسلامته.
وهو لم يكن صدفة بكل الأحوال، بل مخطط فى تقديرى.. لأن غياب سيناريوهات الوصول للدولة الفلسطينية دائماً ما يكون فى ظل سلطة اليمين الإسرائيلى. وما يتبع ذلك من ضمانات بقاء دور حماس بغزة، واستمرار الصراع الفلسطينى- الفلسطينى، وغياب مشروع الدولة الفلسطينية. وهو ما يعتبر أهم أوراق بنيامين نتنياهو السياسية.
نقطة ومن أول السطر.
الخطر الداهم الحقيقى.. هو وصول الأصوليات الدينية المتشددة إلى السلطة.. فمن الواضح أن نكبة هذا العالم هم المتطرفون دينيا. ولقد أصبحت تلك الأصوليات مصدرا لعدم استقرار الدول ونشر ثقافة الكراهية والعنف والطائفية والتعصب. يهتمون بالشكليات (مثل تحجيم مكانة المرأة وحقوقها)، ولا يهتمون بمضمون إدارة الدولة وعملها، وهو تعبير عن مرجعيتهم وثقافتهم.
الخطر من الأصوليات الدينية التى تتحول لأصوليات سياسية بعد وصولها للحكم.
نقلا عن المصرى اليوم