الانبا موسى

تحدثنا فى الأعداد الماضية عن المصادر الثنائية كمصدر للمشاكل الأسرية وذكرنا منها: 1- عقل وقلب 2- التعلق العاطفى بالأم 3- إهمال البيت وعدم مشاركة الزوج 4- فرق السن.. ونستكمل حديثنا..

 
5- الفارق الثقافى:
امتدادًا لحديثنا عن «الهرم المقلوب» فى مصر: وكيف صارت اليد العاملة والفنية والمدربة شحيحة جدًّا، بينما صار أصحاب الدرجات العلمية بالملايين، نقول إن الفارق الثقافى نقطة خطر مهمة فى الحياة الزوجية، فالملاحظ الآن أن خريج الجامعة لا يملك أسباب الزواج، بينما يستطيع العامل الفنى أن (يفتح بيتًا) ويصرف بسخاء.
 
والذى يحدث الآن أنه يتقدم العامل إلى فتاة جامعية مع فارق ثقافى كبير، إذ يكون حاصلًا على الابتدائية أو الإعدادية، وتبدأ الضغوط على الفتاة حتى لا يتركها القطار.. وحين تضطر إلى الموافقة تكتشف فارقًا هائلًا فى الفكر والنفسية، والسلوكيات اليومية فى النظافة والطعام والكلام والنشاط الاجتماعى... إلخ. فتبدأ المشاكل وربما لا تنتهى، أو تنتهى بالطلاق.
 
ولنا هنا ملاحظتان: ..
1- يمكن أن تقبل الفارق الثقافى والتعليمى المعقول: «جامعة مع دبلوم أو معهد فنى أو ثانوية عامة» خصوصًا إذا كان الشاب مثقفًا فعلًا، ومتحضرًا، ومن بيئة تتوافق مع بيئة العروس، اجتماعيًّا وماديًّا وحضاريًّا. فحقائق العصر تدفعنا إلى مباركة هذا الزواج الذى كثيرًا ما ينجح، إذ يحس الزوج بإمكانيات أخرى غير العلم، يمكن أن تعوض هذا الفارق التعليمى، فلا يكون معقدًا أو شاعرًا بالنقص، الأمر الذى يدفع أمثاله إلى العنف والسخرية بالزوجة وتعليمها وبالمتعلمين جميعًا.
 
2- لا شك أن الكبار فى الأسرة هم سبب أساسى فى متاعب الشباب، حيث يختار الشاب الجامعى شريكته الجامعية عن قناعة وارتياح، ولكنه يصطدم (بالطلبات) الرهيبة، من شبكة، إلى شقة إلى أثاث، إلى احتفالات مكلفة (بنتى لازم أفرح بيها ومتقلش عن حد)... إلخ.
 
متى يترك الكبار الشباب يختارون المنزل الصغير، والأثاث البسيط والاحتفال غير المكلف؟!!
 
متى يقبل الشباب- فى جرأة وعدم تقليد- شقة صغيرة من حجرتين، ومائدة طعام عبارة عن صورة معلقة على الحائط تنزل لتصير مائدة عند اللزوم، وسريرًا غير فاخر، ودولابًا عمليًّا بسيطًا، وأنتريه خفيفًا سهل التنظيف، وسريرًا من دورين للأطفال... وبعد سنوات كثيرة، إذا احتاج الأمر يأخذون شقة أكبر، وهذه تصلح لعروسين جديدين؟!
 
متى؟ متى؟ متى؟ أحلام تحتاج إلى رواد!
6- إدارة ميزانية البيت:
كانت هذه الإدارة سهلة، حينما كان الرجل وحده هو الذى يعمل ويصرف على البيت. أما الآن فقد تعقدت هذه المهمة، بسبب الدخل الخاص بالمرأة، إذ صار لها راتبها المستقل. وتبدأ المشاكل حين يحس كل طرف أنه مستقل عن شريك حياته، مع أن كلمة (شريك) تحمل بين طياتها معنى (الشركة) والمعاونة والاتحاد. كما تبدأ المشاكل حين يكون أحد الطرفين أنانيًّا لا يريد أن يساهم مما يأخذ، بل يريد أن يختزن مبلغًا لنفسه (للزمن).
 
إن الاتحاد الحقيقى للزوجين اتحاد الروحين فى روح واحدة والجسدين فى جسد واحد، والفكرين فى فكر واحد، يستحيل أن يسمح لمثل هذا النوع من المشاكل، إذ يهتم كل طرف بشريك حياته كما يهتم بنفسه إن لم يكن أكثر.
 
ينبغى أن يحب كل شريك شريك حياته ويبذل نفسه من أجله، حبًّا، ومالًا، وصحة، وجهدًا.
لكن المشكلة الحقيقية تكمن فى:
1- قلب علمانى مادى.
2- قلب أنانى ذاتى.
 
- فإذا كان قلب الإنسان علمانيًّا ماديًّا، ترابى النزعة، وأرضى الاهتمامات، نجده يرى فى المادة كل شىء، وينسى الجوانب الروحية والمعنوية فى الحياة، بل ينسى بركة الرب التى «تُغْنِى وَلاَ يَزِيدُ الرَّبُّ مَعَهَا تَعَبًا» (أمثال 22:10)، بل إنه ينسى الأبدية والخلود طمعًا فى حفنة تراب، سواء كان هذا التراب قروشًا أو ذهبًا أو أطيانًا أو بيوتًا.
 
- أما القلب الروحانى، فكنزه فى السماء، والرب هو نصيبه فى الزمن والأبدية، لذلك فهو لا يفرح بمجىء المادة ولا يحزن لذهابها، بل يسلم كل شىء للرب، الذى يعطى ويأخذ، فما دام الإنسان لم يفقد الكنز اللانهائى، والخلود، والحياة الأبدية، فهو لم يفقد شيئًا، فهذا كله تراب فى تراب، يأتى اليوم ليذهب غدًا، ولا يتكل عليه إلا الأحمق المسكين، الذى يرى فى الذهب عمدته، وفى الفضة سنده، ويكون «قَدْ جَحَد اللهَ مِنْ فَوْقُ» (أيوب 28:31).
 
- أما القلب الأنانى الذاتى، فهو المتمركز حول نفسه، لا يهتم بمشاعر شريك حياته، ولا باحتياجاته، بل يهتم بشهواته الخاصة، لذلك فهو لا يكف عن الصراخ: (فلوسى وفلوسك).. وينسى أن ذاته كان يجب أن تتحد بالرب المعطى والمانح كل الخيرات، ويكون الرب هو مركز حياتنا، وشهوة قلوبنا، وسندنا الوحيد فى الكون. فالمال لا يُشبع من جوع، ولا يمنح سعادة ولا يعطى صحة.. واسألوا المليونيرات!.
 
* الأسقف العام للشباب
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم