أوسم وصفى
أغلب الاضطرابات النفسية ليها خلفية بيولوجية (وراثية) وفي نفس الوقت خلفيات نفسية واجتماعية (علاقاتية). يعني باختصار، استعداد وراثي، وبعدين عوامل بيئية في أسرة المنشأ وأحداث الحياة المبكرةـ، زي التعرُّض للإساءات والأُسَر المضطربة والمفككة. دراسات كتيرة أشارت إلى أن حادثة إساءة واحدة من النادر أن تتسبب في اضطراب شخصية، لكن أحداث الإساءة المتكررة والمــُركبة واللي غالبًا بتبقى موجودة في الأسَر شديدة الاضطراب، زي الإهمال والفوضى والإساءات النفسية والجنسية المتكررة والحرمان من الأم أو الأب وصراعات الزوجين وإنفصالهم في سن مُبكرة للأولاد. السؤال المتكرر: ’’هل كل اللي أبوهم وأمهم بينفصلوا بتحصللهم اضطرابات شخصية؟‘‘ لأ طبعًا الأمر يتطلب استعداد وراثي. أشارت ’’مارشا لينيهان‘‘(Marsha Linehan) (1993) لثلاثة أنواع من أُسَر المنشأ(Family of Origin) للمُصابين باضطراب الشخصية الحدّي. 1) الأسر الفوضوية: يعني اللي فيها أحد الوالدين أو كلاهما بيستخدم مخدرات، فبتكون فيه مشاكل مادِّية متكررة وصعبة، وأحد الوالدين أو كلاهما غائب أغلب الوقت بالإضافة إلى عدم الاهتمام باحتياجات الطفل والتسفيه منها، وعدم الانتباه ليه. 2) الأُسَر المثالية. يمكن تستغرب إن الأُسر المثالية مُمكن تنتج أشخاص مُصابين باضطراب الشخصية! المقصود بالأسرة’’المثالية‘‘الأسرة اللي مش بتستحمل إن الطفل أو الطفلة يُظهروا أي مشاعر’’سلبية.‘‘يعني التعبير عن المشاعر (وبالذات الحزن أو الغضب) في الأُسَر دي بيعَرَّض الطفل للعقاب أو اللوم. الأُسَر دي دائمة الانتقاد لأطفالها لأنهم عايزينهم يبقوا ’’مثاليين‘‘ في كل حاجة في الدراسة والأخلاقيات وخلافه. الأسر’’المثالية‘‘ دي مش أُسَر’’صحّية‘‘ 3) الأسر التقليدية وهي برضه الأسر اللي بتهتم بالأفكار (الصح والغلط) أكتر كتير من المشاعر، وتركز على إنجازات الأطفال أكتر من مشاعرهم واحتياجاتهم النفسية. الأسر دي كمان فقيرة في التواصل الوجداني. الأنواع التلاتة دول بيوصَفوا بإنهم مش بيشجعوا الطفل إنه يِقبَل تقلبات مشاعره ويتعامل معاها بالكلام وبطُرُق صحية، فتكون النتيجة إن الطفل/المراهق مش بيتعلم يعمل ’’ضبط‘‘ لمشاعره (Emotional Regulation) وبالتالي سلوكه، وهي دي المشكلة المـــَرَضِية الرئيسية في اضطراب الشخصية الحدّي.
بالنسبة لنظرية التَعَلُّق بتاعة ’’بولبي‘‘ (Bowlby, 1980, 1988, 1989) دراسات كتير أرجعت اضطراب الشخصية الحدّي لمشاكل في علاقات التعلق الأولى بمقدم الرعاية الأساسي (الأم). علاقة الطفل بالأم في الحالات ديه بتتميز بعدم أمان وتقلب، يعني الأم ساعات موجودة وساعات مش موجودة. ساعات حِنَينة وساعات قاسية. يعني الأم تبقى مش مُتوَقَّعة (Un-predictable) الأم نفسها مش بتكون مثال جيد للقدرة على ضبط المشاعر. لما تكون الأم ثابتة ومستقرة إلى حد كبير وقادرة على ضبط مشاعرها، زي ما تكون، بتنقل القُدرة دي لابنها أو بنتها عن طريق علاقة التَعَلُّق المبدئية بالطفل. لكن لما ما بتكونش عندها القدرة دي، من الصَّعب على الطفل يعمل ’’تعَلَّق آمن‘‘(Secure Attachment) معاها، إللي هو حجر الأساس للقدرة على عمل علاقات مُستقرة فيما بعد.
الدفاع الأساسي في الاضطراب ده هو دفاع ’’الفَصل‘‘ (Splitting). عالم الشخص الحَدّي يُشبه عالم الأطفال متقسم إلى ’’أشرار‘‘ و’’أخيار‘‘ أبيض، وأسود. المـُصاب بالاضطراب ده مش بيستحمل وجود النقيضين معًا (راجع ’’من إما أو إلى الاثنين معًا، في باب ’’نكبر حبّة حبّة‘‘ (الشخص الحدّي مش بيقدر يستحمل وجود الخير والشر في نفس الوقت ونفس الإنسان. لما بيُعجب بحدّ بيعتبره ملاك، ولما يشوف فيه نقص أو عيب، أو لما الشخص ده ما يحققش التوقعات المُنتظرة منه، ينقله على طول من خانة الملاك إلى خانة الشيطان. مش بيستحملوا وجود المشاعر المــُتضادة في نفس الوقت، ويتعايشوا معاها. أفتكر إن فيه مرة واحدة مُصابة بالاضطراب ده، كانت عندي في العيادة بتحضر ’’جروب‘‘ في الجروب عبرّت إني مبسوط وحزين، فجِريت على مطبخ العيادة تحاول تجيب سكينة تموت بيها نفسها. لما هِديِت وسألناها، ليه عَمَلت كده؟ قالت: ’’إذا كان الدكتور اللي جاياله يعالجني مجنون، يبقى أنا حاعمل إيه؟!‘‘
باب #الناس_الصعبة من كتاب #مشوار_الحُب_والنُضج