سمير مرقص
(1) «المصريون والانتظام الطبقى فى الجسم الاجتماعى»
فى مستهل دراستنا عن مجلس شورى النواب الذى تأسس عام 1866 كان سؤالنا البحثى الرئيس: هل تشكل مجلس شورى النواب بناءً على رغبة الحاكم، أم نتيجة لحركة وإرادة المواطنين؟.. وكانت الإجابة وفق البحث التاريخى تشير إلى أن تبلور مجلس شورى النواب قد جاء نتيجة ممارسة النخبة المصرية ـ وتحديدا مُلاك الأرض ـ لحقوقهم السياسية والمدنية دفاعا عن المصالح الاقتصادية والسياسية المصرية، وهو ما تجلى فى جدول أعمال اجتماعات المجلس المتتالية من جهة، والدفاع عن استقلال مصر الاقتصادى ـ فى مرحلة لاحقة ـ فى مواجهة الرقابة الثنائية على مصر وقت حكم الخديو إسماعيل (1863 ـ 1879) من جهة أخرى. ومن ثم كان تشكيل المجلس حسب تعبير أستاذنا وليم سليمان قلادة: اختراقًا لحاجز سلطة الحكم من قبل المحكومين.. أو لنقل اختراقا تاريخيا للمواطنين ـ أو من وصفناهم بالطليعة البرلمانية ـ نحو الشراكة السياسية فى الحكم.. ولم يكن لهؤلاء أن يلعبوا هذا الدور ما لم يتح لهم أن يكون لهم نصيب فى: أولًا: تملك الأرض الزراعية. وثانيا: الانخراط فى جهاز الدولة. ومن ثم بات لهم مكان فى الجسم الاجتماعى المصرى كملاك أراضٍ زراعية فى الريف من جانب أو كـ«أفندية» فى مؤسسات الحداثة والمدنية البازغة من جانب آخر. وهذا الانتظام الطبقى فى الجسم الاجتماعى المصرى هو الذى فتح الطريق فى مسيرة المواطنة المصرية على المستويين السياسى والمدنى. أخذا فى الاعتبار أنه منذ البطالمة وحتى تأسيس الدولة الحديثة مع محمد على (1805) حكمت مصر أنظمة حكم وافدة من «إثنيات/ عرقيات» مختلفة اتسمت بالتعالى على/ والانفصال عن المصريين. والأهم أن ثروة البلاد كانت متمركزة فى يد الدولة وحكامها الوافدين.

(2) «التملك وانطلاق حركة المواطنة المصرية»
إذن، يمكن اعتبار ملكية الأرض للمصريين تحولا نوعيا فى بنيتى النظام الاقتصادى والجسم الاجتماعى/ الطبقى المصريين، ما أتاح الانطلاق الفعلي/ الميدانى لمسيرة المواطنة للمواطنين المصريين على اختلافهم. فلقد كان الاستحواذ السلطوى على الأرض الزراعية ـ أو الاحتكار حسب «جى فارجيت» فى كتابه: «محمد على: مؤسس مصر الحديثة؛ باعتبارها الثروة الأساسية لمصر ـ هو النظام السائد قبل «محمد على» ولم يكن لعامة الشعب من المصريين غير الفتات من هذه الثروة. إلا أن «محمد على» أحدث «انقلابا فى أوضاع حيازة الأراضى الزراعية» أتاحت للمصريين تملك الأرض الزراعية. بالطبع لم يحدث التملك مرة واحدة وإنما على مراحل شرحها بدقة العزيز الراحل المؤرخ الكبير الدكتور «رؤوف عباس» من خلال كتابه المرجعى المهم: «الملكيات الزراعية المصرية ودورها فى المجتمع المصرى» (2013). وشمل التملك كثيرا من الفئات والشرائح الاجتماعية المصرية، يصنفها عاصم الدسوقى ورؤوف عباس فى كتابهما المشترك: «كبار الملاك والفلاحين فى مصر» (1998) كما يلى: أولا: كبار الموظفين. وثانيا: أعيان الريف. وثالثا: شيوخ البدو. ورابعا: الأجانب. بالإضافة إلى أسرة محمد على. وكان الأقباط من ضمن من تملكوا الأرض الزراعية حيث تراوحت مواقعهم الاجتماعية بين شريحتى: «أعيان/ شيوخ القرى» و«كبار الموظفين»؛ إضافة إلى طبقة «التجار».

(3) «أعيان الريف وأفندية المدينة»
فى هذا السياق، تطور الحضور المواطنى المصرى على المستويات: العسكرية (الجيش الوطنى)، والاقتصادية (العملية الإنتاجية المستقلة)، والعمرانية (مؤسسات الحداثة السياسية والمدنية: التعليمية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية).. بلغة أخرى، أصبح للمصريين نصيب مستحق وفاعل فيما يتعلق بالشأن العام.. ومن ثم تأسس مجلس شورى النواب عام 1866، وقد كانت قاعدته الاجتماعية الأساسية من أعيان الريف. ولم تمر إلا ستة أعوام، تحديدا فى مطلع 1872، أى قبل 150 عاما بالتمام، حتى وجدنا عددًا من «أفندية» المدينة ـ مدنيين من خارج الهرمية الكهنوتية ـ يبادرون بمشاركة القائم مقام البطريركى ـ آنذاك ـ «الأنبا مرقس» مطران البحيرة، للمشاركة فى إدارة الشأن الداخلى للكنيسة: المالى والإدارى؛ وهو المجلس الذى عُرف تاريخيا ـ لاحقا ـ باسم: المجلس الملى، الذى تم تقنينه رسميا فى صورته المتعارف عليها عام 1874؛ وهو اسم تم استدعاؤه من ثقافة ما قبل الدولة الحديثة، بينما مضمونه كان ينتمى لمكتسبات الدولة الوطنية الحديثة من شراكة ومدنية ومؤسسية.. كيف؟..

نواصل..
نقلا عن المصرى اليوم