اتفق خبراء تحدثوا مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على أن الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم هذا العام، هي ذاتها التي نتج عنها مكاسب غير متوقعة لمطاعم الوجبات الجاهزة وشركات التوصيل، بسبب إقبال الناس على مشاهدة مباريات كأس العالم بمنازلهم تماشيا مع ظروفهم المعيشية.
- استطلاعات للرأي أجرتها وكالات اقتصادية متخصصة منها سيتي بنك أكدت إقبال الملايين حول العالم وفي المملكة المتحدة على مشاهدة مباريات كأس العالم بمنازلهم تماشيا مع الظروف الاقتصادية التي أدت لارتفاع تكاليف المعيشة.
- استطلاع لوكالة "بلومبيرغ"، أكد أن أكثر من نصف من يشاهدون المباريات بالمنازل يفضلون طلب الوجبات الجاهزة والسريعة من المطاعم لتوفير الوقت للاستمتاع بالمشاهدة، وأن ذلك سيحقق دفعة لمطاعم الوجبات الجاهزة وشركات التوصيل، ولكن لن تنقذها من الركود الحادث بسبب الأزمة الاقتصادية.
مكاسب وقتية بالمملكة المتحدة
الخبير في الشأن البريطاني المقيم في لندن، محمد أبو العينين، قال لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه من المؤكد في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي نتج عنها ارتفاع الأسعار والتضخم، وكذلك توقف سلاسل التوريد، والأزمات التي لازمت جائحة كورونا ولا زالت مستمرة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، أدى لتراجع مكاسب مطاعم الوجبات السريعة وشركات التوصيل، لأن معظم العائلات أصبحوا يعتمدون أكثر على فكرة تناول الطعام في المنزل لأسباب صحية أو اقتصادية.
وتابع أنه بكل تأكيد أيضا فإن مشاهدة مباريات كرة القدم في المنازل وخاصة في الأحداث العالمية ككأس العالم، وبالنظر إلى أن المجتمع الإنجليزي متعلق بكرة القدم، ويريد تفريغ وقته لهذه المتعة فقط دون الانشغال بإعداد الوجبات، فبالتالي هذا الأمر عمل على تسريع وتيرة الطلبات من مطاعم الوجبات الجاهزة.
وأوضح أن هذا أدى كذلك لانتعاشة لم تكن متوقعة ولا في الحسبان لشركات التوصيل، وكل ذلك نتج عنه أرباحا عوضت خسائر مطاعم الوجبات الجاهزة وشركات التوصيل عن الفترة الماضية.
لكن أبو العينين يرى أن هذه مكاسب وقتية وبعد كأس العالم ستظهر أزمة هذه الشركات مرة أخرى، طالما استمرت الأزمة الاقتصادية وانخفاض الأجور والقوة الشرائية وارتفاع التضخم، مما سيحول من استمرارية اعتماد الأفراد والعائلات على هذه النوعية من الأطعمة.
انتعاشة مستمرة في أميركا
فيما قال الصحفي المقيم في الولايات المتحدة، مصطفى النجار، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الشعب الأميركي بطبيعته يعطي أولوية كبيرة للترفيه، وطوال الوقت يعتمد على مطاعم الوجبات السريعة وشركات التوصيل من أجل توفير الوقت الأكبر بعد العمل للترفيه والاستمتاع.
وأضاف أنه بالقطع فإن مشاهدة مباريات كأس العالم بالمنازل أو حتى بنوادي المشاهدة ستزيد من الطلب على مطاعم الوجبات السريعة وتنعش شركات التوصيل أكثر، ولكن مصطلح التيك أواي أو الوجبات السريعة هو مصطلح نشأ في الولايات المتحدة، ومن ثم فهذا القطاع متطابق مع طبيعة الشعب الأميركي.
وأشار إلى أن ما يجعل الانتعاشة محسوسة بعض الشيء في هذا القطاع حاليا أن الكثير من الأميركيين لم يتمكنوا من مرافقة منتخبهم لقطر، بسبب ارتفاع أسعار تذاكر الطيران بشكل كبير، أو ارتفاع فواتير الطاقة التي قضت على الكثير من ميزانيات الأسر الأميركية، وبالتالي فخيار المشاهدة من المنازل أو نوادي المشاهدة هو الأمثل، مما يعود بالنفع على قطاع الوجبات الجاهزة التوصيل.
وأوضح النجار أن قطاع قنوات المشاهدة أيضا من القطاعات التي شهدت انتعاشة خلال فترة كأس العالم، وخاصة بين مجتمعات المهاجرين في الولايات المتحدة، والذين يرغبون في متابعة منتخبات بلادهم الأصلية، أو حتى شركائهم في اللغة أو القارة.
طلبات اضطرارية في الصين
الباحث في جامعة ووهان بالصين، محمد فريشح، قال لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن متابعة مباريات كأس العالم حدث استثنائي، خاصة بين جيل الشباب، لذا يحرص الشباب على متابعة مباريات كأس العالم وتعديل جدول أوقاتهم طبقا للمباريات.
وأوضح أنه في الصين ومنذ بدء جائحة كورونا حرصت الحكومة الصينية على تشجيع ودعم خدمات التوصيل إلى المنازل، سواء الوجبات السريعة أو الخضروات والفاكهة، وساعد في التطبيق السلس لخدمات التوصيل للمنازل البنية التكنولوجية القوية في الصين، إضافة إل أنظمة الدفع الالكتروني المتعددة مثل ويشات We Chat وعلى بابا Ali Pay.
وأكد أنه علاوة على ذلك، فإن أنظمة الدفع الإلكتروني تسمح للمطاعم والمحلات بعمل تطبيقها الخاص للزبائن لحجز وشراء الاطعمة أو المنتجات المختلفة، وبالطبع الدفع الإلكتروني والذي سهل التعامل مع البائعين، خاصة للجاليات الأجنبية المقيمة بالصين، والتي لا تجيد التحدث باللغة الصينية.
فريشح أوضح أنه إلى جانب ذلك فهناك العديد من التطبيقات الشهيرة في الصين لشراء المنتجات والتسوق عبر الانترنت مثل تاو باو TaoBao وجي دي JD وبين دوا دوا Pindoudou، والتى تشهد رواجا كبيرا أخيرا، خاصة مع العروض والخصومات الكبيرة التي تقدمها المنصات المختلفة بمناسبة مهرجان 11-11 للتسوق اونلاين، وذلك طوال شهر نوفمبر والذي يتزامن هذا العام مع كأس العالم بقطر 2022.
واستطرد أنه مع بدء مباريات كأس العالم، وهو الوقت الذي شهد إغلاقا جزئيا أيضا لبعض المناطق في الصين ومنها مدينة ووهان، بسبب فيروس كورونا، فلذلك تشهد الصين رواجا كبيرا في الطلبات أونلاين، والذي يسبب أحيانا نفاذ الكميات المعروضة وتضطر المحلات لتوفير وعرض كميات إضافية لتلبية الإقبال الشديد على الشراء عبر الانترنت.
وأشار إلى أن الكثير من الشباب يفضلون الوجبات السريعة، خصوصا في وجبة العشاء التي تتزامن مع بدء مباريات كأس العالم، ورغم فرق التوقيت الكبير الذي يجعل أغلب المباريات في وقت متأخر طبقا للتوقيت المحلى للصين، إلا أن العديد من الشباب يتابعون العديد من مباريات كأس العالم في منازلهم مع الاستمتاع بالأطعمة والمسليات المختلفة، خاصة أن متعة مشاهدة مباريات كأس العالم تهون الكثير من إرهاق العمل أو إجراءات الإغلاق والحجر الصحي.
المونديال في لبنان والعالم
الخبيرة الاقتصادية اللبنانية المقيمة في قبرص، فيوليت غزال البلعة، قالت لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن متعة "المونديال" تكون عادة بارتفاع حماسة المشاهدة مع الجماهير، وهو ما يفسر عادة التجمهر في الحانات والمقاهي لمتابعة المباريات عبر شاشات كبيرة أو في حدائق المشجعين، وهي إحدى سمات نهائيات كأس العالم، فضلا عن إقبال آلاف المشجعين من كافة أقطار العالم على السفر إلى الدولة المضيفة لمتابعة تتيح التماس المباشر والتفاعل مع اللاعبين على أرض الملعب.
البلعة أشارت إلى تحول طرأ على هذا المشهد في هذه الدورة الرياضية من نهائيات كأس العالم، نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها الاقتصاد العالمي بفعل الركود التضخمي الناجم عن الحرب الروسية-الأوكرانية، موضحة أنه برغم توافد الآلاف إلى قطر لمشاهدات حية للمباريات، لكن الأحوال تبدلت بعض الشيء في سائر انحاء العالم، حيث حالت الأحوال الجوية الباردة، ولا سيما في النصف الشمالي من الكرة الارضية، دون توافد الجماهير على الحانات والساحات المفتوحة.
وتابعت أنه يضاف لذلك تدني القدرة الشرائية للمشجعين الذين باتوا يترددون في إنفاق المزيد من الدولارات أو اليوروهات على أنشطة مماثلة، إضافة إلى أنه لدى الفيفا عدد قليل من حدائق المشجعين الرسمية حول العالم، علما أن مهرجانات مشجعي "فيفا" تقام هذا العام في المكسيك والبرازيل وكوريا الجنوبية ودبي ولندن وقطر، حيث وضعت شاشات كبيرة.
أوضحت البلعة، أنه نتيجة العوامل السابقة فتحت المنازل أبوابها لاستضافة الأقرباء والأصدقاء في مشهد قد يضيف بعض أجواء المونديال، مما جعل هناك نشاطا موازيا للطلبات من مطاعم الوجبات الجاهزة وكذلك أنعش حركة شركات التوصيل.
واستطردت أن الأمر اختلف في لبنان، حيث عجزت الدولة - وبعد وعود أحيت الكثير من الآمال- عن شراء حقوق البث نتيجة لعوائق إدارية ومالية وسياسية فرضها الشغور الرئاسي، مما حرم اللبنانيين من خيار المتابعة من المنازل، وهو الأمر الذي لو تحقق يكون مناسبا لحجم التدني في قدراتهم الشرائية مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية بنحو 90 بالمئة. لذا، اكتفت الحانات والمقاهي في لبنان بفتح أبوابها أمام قلة من المشاهدين لاختبار متعة المتابعة الحية للمباريات.
طبيعة خاصة لمصر والسودان
بينما قال الخبير الاقتصادي المصري، حمدي الجمل، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الوضع في مصر مختلف بعض الشيء لأن الاقتصاد المصري في الأساس اقتصاد خدمي، يتمحور حول تقديم مجموعة من الخدمات سواء سياحية أو اجتماعية، وخاصة أن أكثر الخدمات المقدمة في مصر هي الطعام والشراب.
وتابع أكثر قطاع في مصر لم يتأثر بأزمة وباء كورونا هو قطاع الأغذية والمشروبات مع قطاع الأدوية، إذ شهدا نموا يتخطى 300 بالمئة، وبالتالي فمصر لها خصوصية كبيرة حيث أن عدد كبير من شبابها حاليا يركبون دراجات ويقومون بأعمال توصيل الطعام أو الأدوية.
وأوضح أنه بالقطع هناك انتعاشة لمطاعم الوجبات الجاهزة ولشركات التوصيل خلا ل مشاهدة مباريات كأس العالم، ولكن ليست بالقدر الكبير والمحسوس، لأن هذا القطاع منتعش طوال الوقت لأن المصريين دائما يهتمون بالطعام والشراب ودائما في الشوارع والمتنزهات، ولكن النهوض الأكبر هي للمقاهي والنوادي التي توفر مشاهدة مباريات كأس العالم.
فيما قال المحلل الاقتصادي السوداني، عبد الوهاب جمعة، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه بالرغم من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها السودان والمستمرة منذ عامين، إلا أن مشاهدة مباريات كأس العالم جعل الأسر والأفراد ينفقون المزيد من أموالهم على الاستمتاع بهذه المناسبة التي تتكرر كل 4 سنوات.
وأوضح أن معظم السودانيين يشاهدون مباريات كأس العالم، سواء في المنازل أو أندية المشاهدة التي استعدت خصيصا لهذه المناسبة، مما جعل بالتوازي هناك عودة قوية لقطاع الوجبات الخفيفة والمسليات، ومعها قطاع التوصيل.
وشدد على أن مشاهدة مباريات كأس العالم في المقاهي وأندية المشاهدة حرك قطاعا مهما آخر في السودان، وهو قطاع بيع الشاي، وهذا التعافي السريع للوجبات الخفيفة أو لبيع الشاي حدثت سواء في المناطق الغنية أو الفقيرة على حد سواء.