بقلم : الدكتور مجدى شحاته
تغير المناخ حقيقة لا ينكرها أحد ، والحقيقة أصبحت قضية حاسمة تهدد حياة البشر على كوكب الارض . ويشهد العالم خلال السنوات الاخيرة ظواهرمناخية عالمية كارثية واسعة النطاق لا مثيل لها من قبل . اخشى ما اخشاه ، ان أطفال ويافعى اليوم هم من سيواجهون صعاب غير مسبوقة جراء تلك التغيرات المناخية . يقينا .. بات التغير المناخى يهدد حياتنا بجميع ابعادها ، بنيتنا التحتية ، امننا الاقتصادى ، صحتنا الجسدية والنفسية ، امننا الغذائى ، البحر يزحف ويتسلل بلا خجل يبتلع شواطئونا وقُرانا ومدننا . ازمة التغير المناخى ليست بالازمة المستحدثة الجديدة ، فقد نبهت اليها الدول الصناعية الكبرى منذ عقود مضت . ان النشاط البشرى يتحمل العبء الاكبر من المشكلة ، حيث يتسبب فى انبعاث انواع مختلفة من الغازات ، تعرف بالغازات الدفيئة ، والتى تشكل غطاء يلتف حول الارض . هذا النوع من الغازات له القدرة على امتصاص اشعة الشمس وتحبسها بالقرب من سطح الارض ، تماما مثل الصوبة الزجاجية . مما يؤدى الى رفع درجة حرارة الهواء وتسخين او احترارالارض ، لذا تسمى بالغازات الدفيئة . ويطلق على هذه الظاهرة (الاحتباس الحرارى او الاحترار العالمى ). الاحتباس الحرارى عملية طبيعية تساعد فى الحفاظ على درجات حرارة مناسبة للحياة ، بدونها يمكن ان تتحول الارض الى كوكب متجمد وغير صالح للسكن . الا ان زيادة تركيز الغازات الدفيئة الناتجة من النشاط البشرى ، قد ضاعف من تاثير الاحتباس الحرارى الطبيعى بشكل كبير وخطير وضار . من بين تلك الغازات الدفيئة المنبعثة من الانشطة البشرية : غاز ثانى اكسيد الكربون الذى ينبعث نتيجة حرق الوقود الاحفورى ( الفحم والنفط والغاز ) والذى يمثل ما يقرب من 85 % من انتاج الطاقة فى العالم . ويستخدم لتشغيل المصانع وتوليد الكهرباء وكافة وسائل المواصلات . وغازات اكسيد النيتروجين الناتج من استخدام بعض الاسمدة الكيماوية فى الزراعة . كذلك غاز الميثان الذى يفوق قدرة غاز ثانى اكسيد الكربون 25 مرة . والذى ينبعث نتيجة عمليات هضم الاعلاف فى معدة الحيوانات المجترة مثل الماشية والاغنام والماعز. وايضا ينبعث من طمر القمامة . ويمثل غاز الميثان عامل مؤثر بدرجة عالية فى ظاهرة الاحتباس الحرارى . وأيضا غازات الكربون الهالوجينى المنبعثة من اجهزة مكيفات الهواء والثلاجات الكهربائية . أضف الى ذلك حرائق الغابات الضخمة التى تساهم بشكل كبير على زيادة نسبة غاز ثانى اكسيد الكربون فى الهواء . ومن الانشطة البشرية التى تساهم ايضا فى رفع معدل غاز ثانى اكسيد الكربون فى الجو ، ازالة الاشجار والغابات بغرض التوسع فى بناء القرى والمدن . والمعروف ان اشجار الغابات تعتبر صديقة للبيئة حيث تلعب دورا فعالا ومهما فى تنظيم المناخ من خلال قيامها بامتصاص غاز ثانى اكسيد الكربون من الهواء الجوى وانبعاث غاز الاكسجين . لذا تعتبر ازالة اشجار الغابات تساهم بدرجة كبيرة فى ظاهرة الاحتباس الحرارى .
تسببت الغازات الدفيئة فى الاحتباس الحرارى ورفع درجة حرارة الارض بحوالى 1.5 درجة مئوية على مدى سنوات قليلة . وترتب على ذلك حدوث التغيرات المناخية الكارثية التى يشهدها العالم بين الوقت والاخر . منها على سبيل المثال ذوبان الانهار والجبال الجليدية الضخمة فى القطبين الشمالى والجنوبى .ومنذ ايام معدودة ، اشارت تقارير صحفية عاجلة ، عن انفصال كتلة جليدية ضخمة تغطى مساحة تزيد عن 4300 كيلو متر مربع بطول 156 وعرض 28 كيلومتر ، وقد تم توصيفها بانها اضخم جبل جليدى فى العالم ، ويشكل الخطر الاكبر عند ذوبان تلك الكتلة الجليدية العملاقة . الامر الذى يؤدى بحياة الحيوانات البحرية وارتفاع منسوب مياه البحار ما قد يتسبب فى غرق مدن ساحلية باكملها ، فضلا عن حدوث فيضانات كارثية مثل التى نشهدها فى كثير من دول متفرقة فى مختلف قارات الارض . هناك 10 % من سكان العالم يعيشون فى مناطق ساحلية منخفضة ، ومن المتوقع ان يصل اعداد ساكنى تلك المناطق الى مليار نسمة بحلول عام 2050 . وهى الاماكن الاكثر تضررا نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحار وشدة الفيضانات المدمرة ، فضلا عن هبوب الاعاصير العاتية مصحوبة بهطول امطار غزيرة وسيول جارفة . ومن تداعيات التغيرات المناخية ، انتشار الجفاف والتصحروالقحط فى اماكن اخرى من العالم . وكذلك ارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق فى دول اوروبية . وتشير تقارير علمية بان هناك ترابط وثيق بين تغير المناخ وصحة الانسان الجسدية والنفسية نتيجة التغيرات الايكولوجية والبيلوجية التى تكشف عن فيروسات وبكتيريا وطفيليات مستجدة والتى تتسبب فى تفشى امراض وبعض الاوبئة ، منها الانفلونزا الاسيوية وانفلونزا الطيور والخنازير والملااريا وحمى الضنك . ان ما حدث ويحدث ليس بهول ما قد يأتى فى المستقبل .
فى نوفمبر / تشرين الثانى الماضى ، انطلقت فعاليات قمة المناخ COP27 بمدينة شرم الشيخ المطلة على البحر الاحمر بجمهورية مصرالعربية . القمة التى حضرها اكثر من 197 من قادة الدول وبمشاركة نحو 40 الف من النشطاء والمهتمين بشأن التغير المناخى . القمة التى وضعت المجتمع الدولى امام مسؤولياته التاريخية لمواجهه اخطار وفداحة كارثة التغير المناخى . والتكاتف على وجه السرعة وتاسيس تحالف عالمى للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الى المستوى ( صفر ) . على جانب اخر، ضرورة الالتزم بالحد من الاحتباس الحرارى الى 1.5 درجة مئوية من خلال التخلص من الوقود الاحفورى والاستعاضة بدلا منه بالطاقة المتجددة ( الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ) والهيدروجين الاخضر كمصادر للطاقة الصديقة للبيئة وهو الامر الذى يعتبر تحديا قويا للدول المنتجة للنفط والغاز فى الشرق الاوسط وشمال افريقيا . كذلك التزام الدول الكبرى بتعهداتها بالمساعدات النقدية المرجوة لمساعدة الدول النامية الاكثر تضررا ، بالرغم من انها الاقل اسهاما فى الازمة المناخية ، وذلك بغرض التكيف على الآثار الناجمة عن التغير المناخى . ان ما يشهده العالم من تغير مناخى غير مسبوق ، يؤكد على انه فى كل عام نفشل فى اتخاذ اجراءات جادة وحاسمة لمعالجة تداعيات التغير المناخى ، ترتفع مستويات الصعوبة والتكلفة اللازمة فيما بعد . ان كنا نحب ابنائنا اكثر من اى شئء .. فتغير المناخ وتداعياته ، يسرق مستقبلهم ويحطم أمالهم امام اعين التاريخ .
خلال فعالية رفيعة المستوى اطلقت الرئاسة المصرية من خلال قمة المناخ خطة شرم الشيخ للتكيف بهدف حشد العمل العالمى حول 30 نتيجة مطلوبة لمعالجة ما وصفه برنامج الآمم المتحدة للبيئة بانه "فجوة التكيف " مع المناخ . الخطة تهدف نحو الصمود لأربعة مليارات شخص يعيشون قى المجتمعات الاكثر عرضة للتغير المناخى بحلول عام 2030 وتعتبر أول خطة عالمية شاملة لحشد كل من الحكومات والجهات الفاعلة من غير الدول وراء مجموعة مشتركة من الاجراءات . تغطى الخطة القضايا المتعلقة بالأمن الغذائى والزراعة والمياه والطبيعة والمستوطنات البشرية والمحيطات والمدن وامور اخرى . والشعار هو " التنفيذ ، التنفيذ ، التنفيذ "