بقلم: ندى الحايك
في العدد قبل الماضي تطرقت الى موضوع الاعتداءات على المسيحيين، وبالتحديد على مجمع اسكان مسيحي في منطقة الشياح، جبل الطور، وحذرت من مغبة التساهل مع المعتدين لأنهم بذلك سيستمرون في اعتداءاتهم ما دام لا يوجد من يوقفهم عند حدهم، بل وسيشجع الاهمال في مثل هذه القضايا الحساسة آخرين على القيام بمثل هذه الأعمال المرفوضة من مجتمعنا المقدسي بصفة خاصة، والمجتمع الفلسطيني بصفة عامة. وقلت \"كفاكم طبطبة على الأخطاء والاعتداءات، واعملوا بحق من أجل حلها جذرياً والى الأبد، ومن أجل زرع ثقافة المحبة والتعايش والتآخي بين أبناء شعبنا\".. ولأننا وباسم التآخي والتسامح والمحبة و.. رفض تحويل الحادثة والتي قبلها وقبلها وقبلها الى فتنة طائفية أو تفسيرها تفسيراً طائفياً، تم حل الموضوع بشكل شبه عشائري وبالتخجيل، وبالتالي فان عدم الحسم في الموضوع أدى الى استمرار مسلسل الاعتداءات وهذه المرة على راهبة، والتي ورغم أنها ايطالية الأصل الا انها كرست كل حياتها من أجل خدمة أطفالنا ومجتمعنا المقدسي على مدى عشرات السنوات .

ففي الساعة الخامسة من مساء يوم الخميس 27/9/2012، وعندما كانت الأخت الراهبة جراتسيا من راهبات دير وروضة افريا تسير قرب الدير في شارع الحريري في القدس قام شاب في حوالي الثامنة عشر من عمره بالاعتداء عليها بالضرب وسحب الصليب المعلق على صدرها وفر هارباً، ولولا رحمة الله وعنايته لارتطم رأسها بحجر كان بالقرب منها . علمت أنه تم ابلاغ العديد من المؤسسات والأفراد حول الاعتداء على الراهبة، ولكن رغم ذلك ولغاية لحظة كتابة هذا الموضوع، الا أنه لم يعر أحد اهتماماً لهذه الحادثة الخطيرة، ولم نسمع ولا حتى أي استنكار أو شجب لها، وكأنه أمر عادي لا يستحق أن يقف عنده أحدهم ليستنكر أو حتى أن يقوم بزيارة تضامنية للراهبة. لقد عرفت عن هذا الأمر عبر الفيسبوك لإحدى المربيات الفاضلات التي أشارت الى الحادثة بحرقة قلب، ولكن رغم ذلك استمر الصمت ولا أحد حرك ساكناً للوقوف مع الراهبة ومؤازرتها بعد هذه الحادثة الأليمة. وللعلم فان دير وروضة راهبات افريا هو دير عريق ومن أقدم المؤسسات في القدس.. يشرف عليها معهد \"العذراوات البريئات\" في ايطاليا.

وقد تأسست عام 1945 في حي القطمون كمدرسة ثانوية بالإضافة إلى إعطاء دورات في الخياطة والموسيقى . وفي حرب 1948 استولت السلطات الإسرائيلية على مبنى المدرسة واعتقلت الراهبات . فانتقلت المدرسة إلى باب الخليل لفترة قصيرة، ومن ثم إلى المبنى الحالي، وقد كان عبارة عن بيت تم تطويره إلى روضة والتي تتكون حالياً من خمسة صفوف : صفان روضة ، صفان تحضير للتمهيدي وصف تمهيدي.وتضم 220 طالباً وطالبة. تركز المدرسة على النواحي التربوية، بالإضافة إلى النواحي التعليمية، وتهيئة الأطفال للمستقبل من خلال تعويدهم على العمل الجماعي والاندماج في المجتمع خارج البيت . ولسمعة المؤسسة الممتازة فهناك اقبال كبير عليها نظراً لمستواها التربوي والتعليمي الممتاز ، وتقبل الطلاب والطالبات من دون تمييز بما يتناسب مع قدرة الاستيعاب. وعدا عن الروضة فان الراهبات يقمن بعمل اجتماعي من زيارة للمرضى وتقديم الخدمات الاجتماعية. وبعد ورغم هذه الخدمات الجليلة التي تقدمها الراهبات، هل هذا جزاءهن أن يتم الاعتداء على احداهن ولا أحد يحرك ساكناً .. وأين مؤسساتنا المسيحية فلماذا لم نسمع صوت اعتراض واحد على ما حدث..

وأين قياداتنا في القدس ، ربما سيقولون أنهم لم يسمعوا بالحادثة ، سنفترض ذلك والآن سمعتم فماذا ستفعلون .. هل ستتم الطبطبة على الموضوع كما هي العادة في كل مرة، هل سنسمع ولو شجب واستنكار لهذه الحادثة البشعة؟! فمتى سنُوقف هذه الظاهرة الخطيرة جذرياً وبصورة حاسمة لئلا تتكرر وتؤدي حينها شئنا أم أبينا الى فتنة دينية؟!وهذا ما يرفضه الجميع ويرددونه باستمرار، ولكن ما من عمل جدي وحاسم لوقف هذه الظاهرة الخطيرة.. أفلا يكفينا الاعتداءات الاسرائيلية على مقدساتنا المسيحية والاسلامية المستمرة والمتواصلة ، فتسمحون لاستمرار الاعتداءات على المسيحيين من دون أي عقاب رادع أو حتى نبذ لمن يقومون بمثل هذه الاعتداءات ليعرفوا – أي المعتدين- أن هناك عيوناً ساهرة توقف كل مثير للفتنة، وكل معتد عند حده، فيتم بذلك ردع كل من تسول له نفسه اثارة الفتن والنعرات الدينية بمثل هذه الأعمال البربرية ..

 ربما ستقولون ان المتعدي كان يقصد السرقة، وهنا أقول وماذا يريد المعتدي من صليب ليس له قيمة مادية وانما كان يسعى لأن يدنس القيمة المعنوية والمقدسة له .. وأخيراً .. الفتنة الدينية في طريقها الينا وستحرق الأخضر واليابس ان لم نقم باجراءات فورية وحاسمة، وان لم نسع الى توعية جماعية لمثل هذه الظواهر الخطيرة.. كونوا حاسمين حازمين في هذا الموضوع، والا فسنعض أصابع الندم بعد أن تقع الفأس في الرأس بعد اشعال نيران الفتنة الطائفية في وقت نحن بأمس الحاجة فيه الى الوحدة والتعاضد والأخوة لصد الهجمات المتواصلة على مقدساتنا وقدسنا ومواطنيها.. اللهم اني بلغت..  الله فاشهد.

 (البيادر السياسي العدد 1026)