اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار نياحة القديس انبا أغريغوريوس الارمنى (أغريغوريوس المنير - المضىء - المستنير) (١٥ كيهك) ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٢
في مثل هذا اليوم تنيح القديس انبا أغريغوريوس بطريرك الأرمن والشهيد بغير سفك دم. يسمى "القديس غريغوريوس المستنير ذلك لأنه قدم نور السيد المسيح لشعب الأرمن بطريقة فائقة، حتى دعي "رسول أرمينيا". تدعوه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية "الشهيد بغير سفك دم"، وتذكره في مجمع القداس الإلهي، اختاره شعب نابولي بإيطاليا عام 1636 م. شفيعًا عن مدينتهم. و هو قديس محبوب جدا فى روسيا وأرمينا. (محبو التقليد وهم قربين مننا).

وإذ يرى بعض الدارسين أنه المؤسس الحقيقي لكنيسة أرمينيا، وإن كان البعض يرى أنه قد سبقه آخرون لكنه هو قام بدور رئيسي إذ استطاع أن يحول الملك إلى المسيحية، ليجعل المسيحية هي الديانة الرسمية للبلاد، وهو بهذا جعل أرمينيا أول بلد في العالم يقبل ملكها المسيحية، لذا يلزمنا أن نقدم في سطور قليلة عن الكنيسة الأولى في أرمينيا، فيمكننا تتبع سيرة هذا القديس.

يرى البعض أن المسيحية قد انطلقت إلى أرمينيا على يدي القديسين برثلماوس وتداوس منذ القرن الأول، وآخرون يرون أن المسيحية قد بدأت خلال بعثات تبشيرية في القرن الثاني جاءت من أنطاكية وفارس، غير أن الكل لا يتجاهل الدور الرئيسي الذي قام به القديس غريغوريوس المستنير، الذي سيم أسقفًا على أرمينيا بواسطة رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك عام 294 م.، فجذب الملك تريداته الثالث للإيمان، وحول كثير من الوثنيين إلى الإيمان بالمسيحية، لذا حُسب مؤسس الإيبارشية الرئيسية بجوار جبل أراراط، وصار جاثليقًا على أرمينيا وقدم من نسله عددًا ممن نالوا هذا المركز، وكان رئيس أساقفة قيصرية يقوم بالسيامة حتى صارت كنيسة أرمينيا مستقلة عن قيصرية.

وفي عام 390 م. انقسمت أرمينيا بين البيزنطيين والفارسيين، تتقاسمها الإمبراطوريتان، وفي أيام الجاثليق إسحق الكبير تم استقلالها تمامًا عن قيصرية الكبادوك، وانطلقت حركة أرمنية قومية خاصة بظهور حركة ترجمة ضخمة للكتاب المقدس والتراث المسجل باليونانية إلى اللغة الأرمنية.

وُلد حوالي سنة 240 م. في مدينة فالارشياباط التي كانت أكبر مدن أرمينيا، عاصمة إقليم أراراط، من سلالة ملوكية. قام والده بتحريض البعض بقتل الملك خوسروف الأول الأرمني، فقبض عليه الجند وقتلوه، أما غريغوريوس فكان مع أخيه طفلين استطاعت مربيتهما صوفيا أن تهرب بهما إلى قيصرية الكبادوك (بتركيا)، حيث قامت بتربيتهما في حياة تقوية مقدسة. كان غريغوريوس يتحلى بالحياة الفاضلة مع نبوغه أيضًا في العلم والفلسفة.

وتحت ضغط مربيته تزوج وأنجب طفلين ثم اتفق مع زوجته على الحياة البتولية لتكريس طاقتهما للعبادة لله، فانضمت زوجته إلى إحدى أديرة النساء، أما غريغوريوس فقد أراد التكفير عن خطأ والده فتقدم لخدمة ابن الملك القتيل، "تريداته الثالث" يخدمه بأمانة فائقة.

ودخل تريداته في حرب مع سلطان الغوط فانتصر عليه وقبض عليه وسلمه للإمبراطور الروماني فأنعم عليه بعرش والده وعينه واليًا على بلاد أرمينيا، فعاد إليها كملك عام 287 م.

وأراد تريداته أن يقدم ذبيحة شكر للآلهة التي حسبها أنها هي التي ردت له مُلك والده، طلب من غريغوريوس أن ينوب عنه في تقديم القرابين... أما الأخير ففي لطف أخبره أنه مسيحي ولا يعتقد بالأوثان... فقام الوالي (الملك) بتعذيب غريغوريوس بعذابات مرة خاصة وأن بعض رجاله أخبروه أن والد غريغوريوس هو قاتل والده.

وقد أعيت الوالي الحيل في تعذيب إغريغوريوس إذ كان الرب في كل مرة يخلصه ويشفيه حتى ألقى رصاصًا مغليًا في فمه، وأخيرًا أمر بإلقائه في جب عميق يموت فيه جوعًا وعطشًا.

وفي طريقه إلى الجب، أمام مدينة فريزا تقدمت الجماهير ومعها المرضى يطلبون منه الصلاة، وكان الله يتمجد فيه، حتى آمنت زوجة الوالي وابنه فاستشهدا على يدي الوالي نفسه.

وتحول الجب إلى مقدس لله، فيه ينعم غريغوريوس بحياة تعبدية مفرحة وسط الضيق الخارجي، وقد أعد الله له سيدة عجوز أبصرت في رؤيا من يقول لها: "اصنعي خبزًا والقيه في ذلك الجب"، فكانت تفعل ذلك لمدة 14 عامًا.

وفي هذه الفترة هام الإمبراطور دقلديانوس بحب فتاة تدعى "أريبسما العذراء"، وإذ كانت قد نذرت البتولية هربت إلى أرمينيا، طلب الإمبراطور من الوالي تريداته أن يبحث له عنها في أديرة النساء، وبالفعل وجدها وإذ رآها سقط في حبها أراد الزواج بها لكنها رفضت. قام بحبسها مع امرأتين لتحاولا إغراءها فلم تفلحا بل قاومتهما وقاومت الوالي نفسه وهربت، فأرسل وراءها جلادين قبضوا عليها وأحرقوها بالنار، وقتلوا 32 عذراء كن معها.

فاشتد الحزن بالوالي تريداته على أريبسما العذراء حتى دخل في حالة اكتئاب نفسي شديد، ولم يعد قادرًا على ممارسة عمله، فأخذه بعض رجاله إلى خارج المدينة في رحلة صيد لعله يستطيع أن ينسى، وإذ انتابه روح شرير صار كخنزير بري ينهش جسده ويصارع مع من حوله، وانطلق في الأدغال هائمًا.

وإذ علمت أخته بما أصابه، وكانت إنسانة نقية القلب، تولت أعمال الولاية وهي تبكي بمرارة من أجل أخيها، فظهر لها ملاك في ليل يعلمها أن أخاها لن يبرأ ما لم يخرجوا أغريغوريوس من الجب.

في الصباح أخبرت رجال الدولة بما رأت فحسبوا أن ما رأته إنما من قبيل الهواجس لشعورها بالذنب لما حدث مع غريغوريوس منذ 14 عامًا، لكن تكرر الحلم أربع مرات في الليلة التالية، وإذ أصرت على طلبها أرسلت بعضًا من رجال الدولة يلقون حبلًا في الجب ليرفعوا دانيال الجديد من الجب حيًا.

فاستقبلت الجماهير هذا الأب باحتفال عظيم وانطلقت الأخت تطلب بدموع من القديس أن يصفح عنها وعن أخيها ويطلب من الله شفاءه.

فشفى القديس غريغوريوس الوالي تريداته باسم السيد المسيح مع ترك بعض علامات في جسده، لتذكره بالماضي إلى حين يتم شفاءه بالكامل، بعد قبول الإيمان المسيحي.

فتحولت حياته الباقية إلى عمل كرازي غير منقطع، وتحول الكثير من الوثنيين للإيمان المسيحي وبنيت الكنائس، ممارسًا أعمالًا فائقة باسم السيد المسيح. سامه رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك ليونتيوس أسقفًا على أرمينيا عام 294 م.، فسام كهنة للخدمة وتفرغ للكرازة بين الوثنيين في بلاد أرمينيا. وقد أطال الله عمره حتى بداية حكم قسطنطين الكبير حيث زاره القديس مع الملك يوحنا لتقديم التهنئة له.

ومال في نهاية أيامه إلى حياة الوحدة فاعتزل في جبل قريب وقد دُعي لحضور مجمع نيقية عام 325 م فأرسل ابنه أريسطاشه، الذي كان قد قام بالعمل كنائب عنه بناء على إلحاح الشعب، وخلفه كجاثليق أرمينا.

وقضى ستة أعوام في خلوته يمارس حياة النسك والتأمل، وإذ قربت لحظة انتقاله (حوالي عام 330 م) دخل جوف شجرة ضخمة وركع يصلي لينتقل، فدفنه بعض الرعاة دون أن يعرفوا شخصه. فظهر في رؤيا لأحد الأتقياء يدعى كارنيكوس وأخبره عن جسده لينقله إلى طردانوس بعد حوالي 60 عامًا من انتقاله.

والكنيسة الأرمنية تذكر له أربعة أعياد: طرحه في الجب، إخراجه من الجب، ظهور الرؤيا السماوية له، تذكار ظهور جسده؛ أما كنيستنا فتحتفل بإخراجه من الجب في ١٩ توت ونياحته في ١٥ كيهك.
بركه صلاته تكون معنا امين...
ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين...