ولدت”أردينا مليكة يوسف” عام 1910 بقرية الشيخ علام مركز الكوامل التابعة بمحافظة سوهاج؛ وكانت من أسرة ثرية جداً تمتلك العديد من الأطيان والسواقى ، وماتت أمها بعد ولادتها بأربعين يوما فتولت رعايتها أختها الكبرى. أما والدها فكان رجلا بعيد عن الرب ذو سطوة ومهابة في بلدته وكلمته نافذة كالسيف على الجميع، كما كانت له هواية رديئة في إستحضار الجان والشياطين والسحر والتعامل معه، فزاد هذا الأمر من سطوته وجبروته حتى تحجر قلبه وتجمدت مشاعره تجاه وصايا الرب، فحاد عن طريق الرب. وكانت الطفلة أردينا غير راضية علي أفعال أبيها، وبالرغم من صغر سنها إلا أنها كانت تعيش حياة الصوم وتأكل القليل وحرمت الطفلة الصغيرة نفسها من أن تأكل ذبائح والدها لأنها ناتجة من مال حرام، وفضلت الأطعمة البسيطة القليلة عوض الأطعمة الفاخرة الدنسة.
وكان أبيها يجبرها على أكل اللحوم في الأصوام؛ لكنها كانت ترفض بشدة وذلك لحرصها الشديد علي الأصوام.كما كانت تحرص دائماًعلي الذهاب إلي الكنيسة التي كانت تبعد عن قريتها كثيراً .
الحروب شيطانية التي واجهت القديسة :
في عدة أحاديث روحية لأم عبد السيد أكدت بأنها مرت في طفولتها بإختبارات عميقة في سن الثالثة وحتى السابعة من عمرها، فقد كان الشيطان يأتيها علنا ليزعجها ويخيفها فكان الرب يسوع بنفسه يظهر لها بمجده النوراني ويحتضنها بين ذراعيه الحانيتين وعندما كان الشيطان يقترب منها بشكلة الأسود القبيح ويحاول أن ينتزعها؛ كان الرب ينتهره ويدفعه عنها. ويحوطها بقوة بين ذراعيه ثم يربت بيده الحانية عليها. و كانت تصف وجهه الجميل النوراني وكيف كانت تداعبه في ذقنه الصفراء المتوهجة كأشعة الشمس في براءة طفولية ثم تتحدث بإنبهار عن حنوه فتقول ” كان حنانه عجيب.
إشتياقها لحياة الرهبنة
اشتاقت أردينا لحياة الرهبة وذلك قبل أن تبلغ من العمر 14 عام فأقنعها أهلها إن دير الراهبات لا يقبل سوي البنات المكسحة أو الكفيفة، فذهبت من ورائهم وأخذت من تراب الفرن وكبست به عينيها لكي تفقد البصر وتقبل في الدير، لكن اللـه شفى عينيها ولم تكن إرادته أن تذهب إلى الدير لكن أراد لها خدمة من نوع أخر، و قام والدها بتزويجها رغم أنفها حتى يضمن عدم سيرها نحو طريق الرهبنة. فتزوجت وهي في الرابعة عشرمن عمرها؛ من إنسان شرير وقاس القلب بعيد عن طريق الرب المستقيم فتجرعت معه كأس المرارة سنين طويلة. ولأنها تيقنت أنه “بضيقات كثيرة ينبغى أن ندخل ملكوت اللـه ” “أع 14 : 22” فقد احتملت في سبيل ذلك معاملته الوحشية غير الآدمية؛ فكان يضرب رأسها بخشبة مملؤة بالمسامير. وظلت40 سنة تضرب منه بجريدة نخل تكتظ بالأشواك المسننة، فكانت مع كل ضربة يتدفق منها الدم بغزارة كجريان الماء، فتعطيه الجريدة مرة أخرى ليواصل تعذيبه لها، مستهينة بآلامها الجسدية والنفسية وبينما جراحاتها تدمى تقول له “مش مهم عندي آلامي وجراحي فكل إللي يهمني خلاص نفسك”، حتى أنها في إحدى المرات صعدت إلى سطح البيت والدم يتساقط منها وصارعت حبيبها يسوع وطلبت من أجل زوجها قائلة “شوف يا حبيبي، أنا النهارده ما أسيبكش، ده شريك حياتي، تخليه عايش في الخطية؟ يعنى أنا أروح السما وهو يروح جهنم؟ ده حرام، أوعى تكتب عليه خطية، أنا باقول لك أوعى يارب تكتب على جوزى خطية، وأنت اتألمت قبلنا وكل ده ياربى ما يجيش شكة من الآلام بتاعتك”.
وظلت القديسة تصلي من أجل زوجها 40 سنة حتى إستجاب الله لصلاتها فرجع زوجها عن الوحشية وتاب وندم على الخطية .وكشف الرب لها في رؤية عن قرب رحيله فاشترت أكفان وقامت بحياكتها، وأثناء ذلك وخزتها الإبرة في أصبعها فرسمت صليب بالدم على الأكفان ثم قالت لزوجها ” تعرف يا أبو عبد السيد، أنت ها تموت قبلي ودمى راح يروح معاك وهاتتكفن بهذه الأكفان”، وتمت نبؤتها؛ ومات زوجها وكفنته بهذه الأكفان.
خدمتها :
بدأت ” أم الغلابة ” خدمتها فى صعيد مصر عندما ظهر لها رب المجد ودعاها فى أحد النجوع الصغيرة فكانت نور لكل من يعيشون فى ظلمة الجهل الروحى فكانت تعاليمها بسيطة وعميقة وروحانية .
ثم إنتقلت إلى القاهرة فى حى شبرا مصر؛ فنقلت خدمتها إلى أهل هذا الحى الذى كانوا بعيدين عن الرب فكانت تجتمع بهم فى منزل أحد الإخوة المحبين لرب المجد، كما خدمت أيضا فى كنيسة مارمينا بشيرا مع الأب” أخنوخ سمعان ” راعى الكنيسة .
نياحتها أم الغلابة
في أخر فترة من حياتها ظلت طريحة الفراش شهر كامل دون أى مرض يذكر.
ولقد كشف لها الرب عن موعد إنتقالها من هذا العالم الفانى وأوجاعه؛ ففرحت فرح عظيم وأحضرت أكفانها بنفسها، وقبل نياحتها بأيام قليلة؛ كان أحد أولادها ينوي السفر إلي الصعيد؛ فقالت له يا ولدى مش هتمشى ورايا فقال لها يامى دول يومين وراجع فقالت له مش هتمشى ورايا”، وإنتقلت أم الغلابة عن عالمنا في 27 ديسمبر من سنة 1992.
جدير بالذكر أن جسدها لم يتحلل حتي الأن ، وتم إصدار كتاب جديد يحمل قصة حياة القديسة بإسم ” قديسة من الصعيد الجواني ..أم الغلابة شفيعة التعابي.
وجسدها موجود بكنيسة الشهيد العظيم مارمينا العجائبى أول الترعة البولاقية
شبرا مصر