ماجد سوس
كلما حاولت الكتابة في موضوع آخر، أجد نفسي غير قادرٍ على فعل هذا. صورة الطفل شنودة لا تفارق ذهني. أراه وكأنه ينظر إليّ، زارفاً دموعا غاليةمترجياًمن ينتشله من براثن القهر والظلم، أراه وكأنه عصفور صغير حبيس، قتلت براءته حين انتزع من حضن أمه عنوة دون رحمة أو رأفة. لِمَ ترتكيني يا أمي، لمَ لمْ تحمني ياأبي من ظلم الناس وقسوة الحياة، هذا لسان حال شنودة الذي جفت عيناه من الدموع وبح صوته من الصراخ وبقي آنين آهاته حبيسة صدره الصغير.
لن أتحدث عن قريبة الأب التي نزعت قلبها من صدرها من أجل المال ولن أتحدث عن وزيرة التضامن وموظفيها الذين أماتوا إنسانياتهم وفقدوا احترامهم لأنفسهم،إنما أتحدث عن وطنٍ كاملٍ يعيشُ اختباراً دقيقاً وكأنه صراطاً مستقيما، إما أن يعبره ناجيا أو يسقط منه في هوة سحيقة يصعب النجاة منها.
لذا أهيب بالحكومة وبمجلس النواب المصري، ولا سيما أن قانون الأحوال الشخصية سيناقش قريبا، أن تضاف مواد خاصة باللقيط والتبني لدى الأديان التي تسمح به ولاسيما أن الفقيه الإسلامي الشهير أبو حنيفة والتي تتبع تعاليمه غالبية نصوص الأحوال الشخصية في مصر، قد قال نصا، "إن وجد – اللقيط - في كنيسة أو بيعة أو قرية من قرى أهل الذمة فهو ذمي". حتى ندرئ فتنة ونرفع ظلما قد يسبب شرخاً في بناء مجتمع كان آيلا للسقوط لولا مراحم الله وجيشه العظيم وقائده الذي لا نشك لحظة في اهتمامه المُلحّ بإعلاء مبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية التي ينشدها كل وطني حقيقي يعيش في المحروسة.
الأمر حالياً معروضاً أمام القضاء الإداري للطعن في القرار الصادر بإيداع الطفل في دار الأيتام وهناك تقرير من مفوضي الدولة تم إيداعه ملف الدعوى، على الأغلب كتبه أحد أعضاءها السلفيين او المخترقين من الإخوان، ضد عودة الطفل لأبويه، إلا وكونه تقريرا استشاريا، نأمل معه أن تلتفت عنه المحكمة الموقرة ولاسيما أنها أجابت المدعين لطلباتهم السبعة والتي كان من أهمها أخذ رأي الأزهر في ديانة الطفل والكنيسة في مكان وجوده وتحويل الطفل للطب الشرعي حيث تم إزالة الصليب من يده بالمواد الكاوية والتي تعتبر جريمة تعذيب طفل. واستخراج شهادة ميلاده المسيحية من الداخلية والتي قامت بتغيير اسمه بالكامل ليس كما ادعت في البداية أن التغيير لحق بالاسم الأول فقط وإنما قاموا بتسمية الطفل، بوسف عبد الوهاب محمد.
كنت أتصور من وزيرة التضامن الاجتماعي في بداية هذه القصة المؤلمة أن تعود للقانون وإذا لم تجد نصا فيه تتصل بالأزهر وتأخذ رأيه وتعيد الطفل إلى أبويه محصنة نفسها برأي الأزهر، ولكن بكل أسف قرارها اتصف إما بالعنصرية البغيضة وإما بالجهالة المقيتة والأمران مخيبان للآمال يستلزما استقالتها أو إقالتها.
مازال عندي أمل أخير في التدخل المباشر من السيد رئيس الجمهورية حتى يتسنى للطفل شنودة أن يحتفل بعيد الميلاد المجيد مع أسرته وخاصة أن جهة الإدارة التي أصدرت القرار هي المنوطة بإلغائه.
أخشى أن يغرق هذا الوطن بدموع هذا الطفل.