محرر الأقباط متحدون
"يحثُّنا الرعاة اليوم لكي نذهب، ونتأثَّر بما يحدث في العالم، ونلتزم بفعل الخير، ونتخلّى عن الكثير من العادات ووسائل الراحة لكي ننفتح على حداثات الله، الموجودة في تواضع الخدمة وشجاعة الاعتناء بالآخرين. أيها الإخوة والأخوات، لنقتدِ بالرعاة: لنذهب!" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي احتفالا بعيد القديسة مريم أم الله، ولمناسبة اليوم العالمي السادس والخمسين للسلام.
ترأس البابا فرنسيس عند العاشرة من صباح اليوم الأحد الأول من كانون الثاني يناير ٢٠٢٣، القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس، احتفالا بعيد القديسة مريم أم الله، ولمناسبة اليوم العالمي السادس والخمسين للسلام تحت عنوان "لا أحد يمكنه أن يخلص بمفرده. الانطلاق مجدّدًا من فيروس الكورونا لكي نرسم معًا دروب سلام". وللمناسبة ألقى الحبر الأعظم عظة استهلها بالقول: يا والدة الله القديسة! إنّه الهتاف الفرح لشعب الله المقدس، والذي كان يتردَّد صداه في شوارع أفسس في عام أربعمائة وواحد وأربعين، عندما أعلن آباء المجمع مريم والدة الإله. إنها حقيقة أساسية من حقائق الإيمان، ولكنّها بشكل خاص بشرى جميلة: الله لديه أم، وبالتالي فقد ارتبط إلى الأبد ببشريّتنا، كما يرتبط الابن بأمِّه، لدرجة أن بشريّتنا أصبحت بشريّته. إنها حقيقة صاعقة ومعزية في الوقت عينه، لدرجة أن المجمع الأخير الذي تمَّ الاحتفال به هنا، أكد: "بتجسُّدِهِ إتَّحَدَ إبن الله نوعاً ما بكلِّ إنسان. لقد إشتغل بيدي إنسانٍ وفكر كما يُفكر الإنسان وعمل بإرادة إنسانٍ وأحبَّ بقلبِ الإنسان. لقد وُلِدَ من العذراء مريم وصار حقاً واحداً منا شبيهاً بنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة". هذا ما فعله الله بولادته من مريم: أظهر محبته الملموسة لبشريّتنا، وعانقها حقًا وبشكل كامل. أيها الإخوة والأخوات إن الله لا يحبنا بالكلام وإنما بالأفعال، لا يحبّنا "من فوق" ومن بعيد، وإنما "عن قرب" ومن داخل جسدنا، لأن الكلمة في مريم صار جسدًا، لكي يواصل نبضه في صدر المسيح قلبٌ من لحم ينبض لكل فرد منا!
تابع البابا فرنسيس يقول يا والدة الله القديسة! حول هذا اللقب تمت كتابة العديد من الكتب والأطروحات الرائعة. ولكنَّ هذه الكلمات قد دخلت بشكل خاص في قلب شعب الله المقدس، في الصلاة الأكثر شيوعًا والبيتيّة، التي تصاحب إيقاع الأيام، واللحظات الأكثر إرهاقًا والآمال الأكثر جرأة: السلام عليكِ يا مريم. بعد بضع جمل مأخوذة من كلمة الله، يُفتتح الجزء الثاني من الصلاة على هذا النحو: "يا قديسة مريم، يا والدة الله، صلّي لأجلنا نحن الخطأة". غالبًا ما رافق هذا الدعاء أيامنا وسمح لله بأن يقترب، من خلال مريم، من حياتنا وتاريخنا. يا والدة الله، صلي لأجلنا نحن الخطأة: إنها صلاة تتلى بلغات عديدة، على حبات مسبحة الورديّة وفي أوقات العوز والحاجة، أمام صورة مقدسة أو في الشارع، ووالدة الإله تجيب دائمًا على هذا الدعاء، وتُصغي إلى طلباتنا، وتباركنا مع ابنها بين ذراعيها، وتحمل لنا حنان الله المتجسد. بكلمة واحدة هي تعطينا الرجاء. ونحن، في بداية هذا العام، نحتاج للرجاء كما تحتاج الأرض للمطر. ويقول لنا العام، الذي يبدأ تحت شعار أمَّ الله وأمنا، أن مفتاح الرجاء هو مريم، وأن أنتيفونة الرجاء هو التضرع: يا والدة الله القديسة! واليوم نوكل إلى الأم الكلية القداسة البابا الفخري الحبيب بندكتس السادس عشر لكي ترافقه في عبوره من هذا العالم إلى الله.
أضاف الأب الأقدس يقول لنرفع صلاتنا إلى الأمِّ بطريقة خاصة من أجل الأبناء الذين يتألَّمون ولم يعد لديهم القوة لكي يصلّوا، ومن أجل العديد من الإخوة والأخوات الذين تعذِّبهم الحرب في مناطق عديدة من العالم، والذين يعيشون أيام العيد هذه في الظلام والبرد، في البؤس والخوف، منغمسين في العنف واللامبالاة! من أجل الذين ليس لديهم سلام لنرفع صلاتنا إلى مريم المرأة التي حملت رئيس السلام إلى العالم. فيها، هي سلطانة السلام، تتحقّق البركة التي سمعناها في القراءة الأولى: "يَرْفَعُ الرَّبُّ وَجهَهُ نَحوَك، وَيَمنَحُكَ السَّلام". من خلال يدي أمٍّ، يريد سلام الله أن يدخل بيوتنا وقلوبنا وعالمنا. لكن ماذا علينا أن نفعل لكي نقبله؟
تابع الحبر الأعظم يقول لنسمح بأن ينصحنا أبطال إنجيل اليوم، أول من رأى الأم مع الطفل: رعاة بيت لحم. كانوا فقراء وربما قساة أيضًا، وكانوا يعملون في تلك الليلة. وقد كانوا هم بالتحديد، وليس الحكماء ولا حتى الأقوياء، أول من تعرّف على الله القريب، الإله الذي جاء فقيرًا ويحب أن يكون مع الفقراء. حول الرعاة، يُسلِّط الإنجيل الضوء أولاً على تصرُّفَين بسيطَين، لكنهما ليسا سهلين على الدوام. ذهب الرعاة ورأوا. الذهاب والرؤية.
أضاف الأب الأقدس يقول أولًا الذهاب. يقول النص أن الرعاة "جَاؤوا مُسرعين". لم يقفوا مكتوفي الأيدي. كان ليل، وكان لديهم قطعانهم التي عليهم أن يعتنوا بها وقد كانوا بالتأكيد متعبين: كان بإمكانهم أن ينتظروا الفجر، وينتظروا شروق الشمس لكي يذهبوا لرؤية طفل مُضجع في مذود. ولكنّهم ذهبوا مُسرعين، لأنه أمام الأشياء المهمة علينا أن نتصرف على الفور، وألا نؤجِّل؛ لأن "نعمة الروح لا تتضمن البطء". وهكذا وجدوا المسيح، المنتظر منذ الدهور، والذي كان كثيرون يبحثون عنه. أيها الإخوة والأخوات لكي نقبل الله وسلامه، لا يمكننا أن نقف ساكنًين ومرتاحين منتظرين إلى أن تتحسن الأمور. علينا أن ننهض، ونغتنم فرص النعمة، ونذهب، ونخاطر. اليوم، وفي بداية العام، بدلاً من أن نفكّر ونرجو في أن تتغير الأمور، سيساعدنا أن نسأل أنفسنا: "إلى أين أريد أن أذهب هذا العام؟ لمن سأصنع الخير؟". كثيرون، في الكنيسة والمجتمع، ينتظرون الخير الذي يمكنك أنت وحدك أن تقدّمه، أي خدمتك. وإزاء الكسل الذي يُخدِّر واللامبالاة التي تشل، وإزاء خطر أن نُحِدَّ أنفسنا ونبقى جالسين أمام الشاشة وأيدينا على لوحة المفاتيح، يحثُّنا الرعاة اليوم لكي نذهب، ونتأثَّر بما يحدث في العالم، ونلتزم بفعل الخير، ونتخلّى عن الكثير من العادات ووسائل الراحة لكي ننفتح على حداثات الله، الموجودة في تواضع الخدمة وشجاعة الاعتناء بالآخرين. أيها الإخوة والأخوات، لنقتدِ بالرعاة: لنذهب!
تابع البابا يقول وصل الرعاة، يقول الإنجيل، "فوَجَدوا مريمَ ويوسُف، والطِّفلَ مُضْجَعًا في المِذوَد". ثم يشير إلى أنهم فقط بعد أن رأوا، جعَلوا يُخبِرونَ بِما قيلَ لَهم في يسوع وراحوا يُمَجِّدونَ الله ويُسَبِّحونَه على كُلِّ ما سَمِعوا ورَأَوا كَما قيلَ لَهم. لقد شكّلت رؤية الطفل بالنسبة لهم نقطة التحول. من المهم أن نرى، وأن نعانق بنظرنا وأن نمثل، مثل الرعاة، أمام الطفل الذي في حضنِ أمِّه. بدون أن نقول شيئًا، بدون أن نطلب شيئًا، وبدون أن نفعل شيئًا. فننظر بصمت، ونعبد، ونقبل بأعيننا الحنان المعزّي لله الذي صار إنسانًا، وحنان أمه وأمّنا. في بداية العام، من بين العديد من الأشياء الجديدة التي قد نرغب في أن نختبرها والأشياء العديدة التي قد نرغب في القيام بها، لنكرِّس وقتًا لكي نرى، أي لكي نفتح أعيننا ونبقيها مفتوحة على ما هو مهم: الله والآخرين. كم من مرة، إذ تأخُذنا العجلة، لا يكون لدينا حتى الوقت لكي نتوقف لدقيقة في صحبة الرب لكي نُصغي إلى كلمته ونصلّي ونعبد ونسبِّح... والشيء نفسه يحدث تجاه الآخرين: إذ تأخُذنا العجلة أو حب الظهور لا يكون لدينا وقت لكي نصغي إلى الزوجة أو إلى الزوج، أو لكي نتحدّث مع الأبناء لكي نسألهم عن حياتهم الداخلية، وليس فقط عن دراستهم وصحتهم. وكم سيساعدنا أن نصغي إلى المسنين، وإلى الجد والجدة، لكي ننظر في أعماق الحياة ونعيد اكتشاف الجذور. لذا لنسأل أنفسنا إذا كنا قادرين على رؤية الأشخاص الذين يعيشون بقربنا والذين يعيشون في بنايتنا، والذين نلتقي بهم كل يوم في الشوارع. أيها الإخوة والأخوات لنقتدِ بالرعاة: لنتعلم أن نرى!
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول الذهاب والرؤية. اليوم جاء الرب بيننا ووالدة الله القديسة تضعه أمام أعيننا. لنكتشف مُجدّدًا في زخم الانطلاق وفي دهشة الرؤية الأسرار لكي نجعل هذا العام جديدًا حقًا. ولنهتف لها جميعًا ثلاث مرات: يا والدة الله القديسة! يا والدة الله القديسة! يا والدة الله القديسة!