عمرو الشوبكي
تتعرض حركة طالبان إلى نوعين من الضغوط: الأول ضغوط المجتمع الدولى التى لا تخلو فى بعض الأحيان من حسابات السياسة، ورسائل المؤسسات الدينية الإسلامية النزيهة مثل الأزهر لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الدين والقيم الإنسانية.
والحقيقة أن حركة طالبان لديها بنية عقائدية فيها كثير من الدين وقليل من السياسة، والمقصود هنا التفسيرات المغلوطة والمتشددة للدين، فالحركة مقارنة بنماذج دينية كثيرة تنطلق مما تتصور أنه يمثل صحيح الدين حتى لو أضرها سياسيًا فى حين أن إيران مثلًا تنطلق من تحقيق مصالح الأمة الإيرانية حتى لو جاءت على حساب بعض قناعتها الدينية، أما طالبان فأصبحت بعد فض تحالفها مع جماعات التطرف العنيف تمثل نموذجًا «للسذاجة الدينية» حتى لو جاءت على حساب مصالحها السياسية، وتسعى لتأسيس إمارة محلية ترفع شعارات إسلامية وسيكون مصيرها فشلًا كبيرًا.
وقد يكون قرار الحركة الأخير بمنع تعليم الفتيات فى المراحل الثانوية ثم الجامعية، وأعقبته بقرار آخر بمنع النساء من العمل فى القطاع الخاص، يمثل سابقة غير متكررة فى تاريخ النظم والجماعات المتشددة، فجميعها لم تمنع تعليم النساء إنما منعت الاختلاط فى فصول الدراسة، وسمحت للنساء بالتعلم فى كليات تضم فقط السيدات ومنعت الرجال، طلابًا ومدرسين، من دخول أى مؤسسة تعليمية تخصهن.
وقد رفض الأزهر الشريف قرار طالبان، وأعلن شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب أن «قرار طالبان منع النساء الأفغانيات من التعليم الجامعى يتعارض مع الشريعة الإسلامية».
وأوضح أن الشريعة تدعو الرجال والنساء إلى السعى وراء التعليم «من المهد إلى اللحد». ووصف الحظر بأنه صادم للمسلمين وغير المسلمين، وما كان ينبغى ولا يليق أن يصدر عن أى مسلم، فضلًا عن أن يتمسَّك به ويزهو بإصداره. وحث قادة طالبان على التراجع عن القرار.
وقال: «أحيلهم إلى كتاب الإمام الحافظ ابن حجر (تهذيب التهذيب) ليعلموا- إن كانوا لا يعلمون- أنه ذكر نحو 130 امرأة ما بين راوية للحديث وفقيهة ومؤرِّخة وأديبة من الصحابيات والتابعيات وممَّن أتى بعدهن. وكذلك كتاب (معجم أعلام النِّساء) لزينب العاملى». واعتبر الطيب القرار لا يُمثِّلُ شريعة الإسلام، ويتناقض جذريًّا مع دعوة القرآن. وحذر فى ختام رسالته من تحريم تعليم النساء والفتيات، وسلب المرأة حقها الشرعى، فالإسلام فرض طلب العلم على كل مسلمٍ ومسلمةٍ، «قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُون».
موقف الأزهر من منع تعليم المرأة مُشرف ويستحق الإشادة، ومطلوب أن يفتح قنوات اتصالات مع شيوخ طالبان الذين يُفتون فى الدين بعيدًا عن السياسة، خاصة أن العالم كله لديه قنوات اتصال مع الحركة فى المجالات الأمنية والاقتصادية والإنسانية، وترك مجال التفسيرات الدينية لرجال دين لا يعرفون صحيح الدين، ولا توجد مؤسسة قادرة على تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة مثل الأزهر.
نقلا عن المصرى اليوم