د.ماجد عزت إسرائيل
الملك هيرودوس الأول(74-4 ق.م)هو ابن الدبلوماسي انتيباتر الإدومي من زوجته النبطية، قد عين حاكماً على منطقة الجليل وهي منطقة جغرافية تقع في شرق البحر المتوسط في شمال إسرائيل، ومن أكبر مدنها الناصرة وصفد وعكا، من الناحية الإدارية تقع أغلب أراضي الجليل حاليًا ضمن إسرائيل أى لواء الشمال الذي يضم أيضا هضبة الجولان ولواء حيفا.وبعد فترة وجيزة من حكمه أصبح ملك اليهودية.
ومن الجدير بالذكر أن الملك هيرودوس الأول بسط نفوذه على المنطقة الممتدة من هضبة الجولان شمالا إلى البحر الميت جنوبا، وكانت أيام حكمه تمثل ازدهاراً ثقافياً واقتصادياً، وقد كان حليفاً أميناً للإمبراطورية الرومانية، وتعرض لمعارضة شديدة من قبل بعض المجموعات اليهودية، واتخذ مدينة أورشليم(القدس) مقراً لحكمه، وقد اشتهر الملك هيرودس بتشد المؤسسات الدينية والاجتماعية نذكر منها على سبيل المثال بناء معبد القدس الكبير المسمى(هيكل سليمان )، وأيضًا إعادة بناء مدينة السامرة وتسميتها سبسطية نسبة إلى اسم أغسطس قيصر باليونانية.
ويشير الكتاب المقدس إلى الملك هيرودوس الأول على أنه من دبر مذبحة الأطفال الأبرياء حيث أمر بذبح كل مواليد بيت لحم عندما علم أن المسيح قد وُلد فيها. واضطرب، لأنه أعطي السلطة بغير حق من أوغسطس قيصر لذلك لما سمع خبر ميلاد المسيح أضطرب وخاف لأنه ظن أن المولود الجديد يملك على الأرض مثله ويقتله ويأخذ الملك منه. وقد ورد بالكتاب المقدس قائلاً: "حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ." (مت 2: 16). حينئذ تم ما قبل بأرميا النبي القائل: "«صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ»." (مت 2: 18).
وبعد أن تولى هيرودس أنتيباس وهو ابن الملك هيرودس الأول قطع رأس القديس يوحنا المعمدان،لأنه عارضه معارضة شديدة لعلمه أنه تزوج هيروديا، زوجة فيلبس أخي الملك هيرودس والي الربع حينذاك بعد تطليقها من زوجها فعارضه المعمدان بقوة وأمره بتطليقها وهذه خطيئة عظمى بالطبع عند كل البشر،ولما لم يحرك أحد من رجال الدين اليهودي ساكنا، اضطر القديس يوحنا المعمدان أن يحذره وبلهجة حادة من هذا الخطأ الذي كان مزمعا أن يرتكبه، فكان يقول له دوما لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لَهُ: «لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ»." (مت 14: 4). "لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لِهِيرُودُسَ: «لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِيكَ»" (مر 6: 18).
وفي إحدى الحفلات التي كان ينظمها الملك في قصره، وعلى نغمات الموسيقى التي كانت تتراقص عليها سالومي ابنة هيروديا؛ " رَقَصَتِ ابْنَةُ هِيرُودِيَّا فِي الْوَسْطِ فَسَرَّتْ هِيرُودُسَ.مِنْ ثَمَّ وَعَدَ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبَتْ يُعْطِيهَا. فَهِيَ إِذْ كَانَتْ قَدْ تَلَقَّنَتْ مِنْ أُمِّهَا قَالَتْ: «أَعْطِني ههُنَا عَلَى طَبَق رَأْسَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ». فَاغْتَمَّ الْمَلِكُ. وَلكِنْ مِنْ أَجْلِ الأَقْسَامِ وَالْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ أَمَرَ أَنْ يُعْطَى. فَأَرْسَلَ وَقَطَعَ رَأْسَ يُوحَنَّا فِي السِّجْنِ. فَأُحْضِرَ رَأْسُهُ عَلَى طَبَق وَدُفِعَ إِلَى الصَّبِيَّةِ، فَجَاءَتْ بِهِ إِلَى أُمِّهَا"(إنجيل متى 14: 6-11). وقدمها لها على طبق وذهب الصوت الصارخ في البرية كما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: "صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلًا لإِلَهِنَا." (إش 40: 3).كان يوحنا المعمدان كما قال الرب يسوع قائلاً: "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ، وَلكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ." (مت 11: 11).
على أية حال،بعد أن دخلت مدينة بيت لحم تحت الحكم الروماني، بنى فيها الملك هيرودوس الأول (74- 4 ق.م) قلعة يلجأ إليها في وقت الحروب. وقد زارت الملكة كيلوباترا السابعة ملكة مصر مدينة أورشليم(القدس) وبيت لحم اليهودية عام (34 ق.م) بناء على دعوة من الملك هيرودس الأول (74- 4 ق .م). الذي عاش في فترة حكمه زكريا ويوحنا المعمدان وفي أواخر عهده (أي 4 ق.م) ولد مخلص العالم السيد المسيح في مدينة بيت لحم اليهودية، وفي ذات العام توفي الملك هيرودس.
هنا لابد لنا أن نشير إلى أن الملكة كليوباترا السابعة هي ابنة بطليموس الثاني عشر،وآخر ملوك الأسرة المقدونية، التي حكمت مصر ما بين( عام 323 - 30 ق.م) وكليوباترا حكمت مناصفة مع أخاها بطليموس الثالث عشر. وقد ورد وصفها بأنها كانت جميلة وساحرة. ودائمة النزاع مع شقيقها الذي طردها من مصر. وكانت البلاد في ذلك الوقت مملكة تحت الحماية الرومانية. وأقبل قيصر إلى مصر عقب هزيمة بومباي في فارسالوس عام(48 ق.م) ، فوجد الحـرب الأهلية ماتزال قائمة فيها. وكانت كليوباترا تحاول العودة إلى مصر، فساعدها وحكمت كليوباترا بضع سنوات وفي عام(40 ق. م). وفي أثناء الصراع بين أوكتافيوس وأنطونيوس عقب مصـرع يوليوس قيصر. تعلق أنطونيوس بحب كليوباترا،وكلّفته علاقته الغرامية هذه فقدان حظوته في روما وانتهى أمر أنطونيوس بالانتحار إثر الهزيمة التي أنزلها به أوكتافيوس في معركة أكتيوم عام(31 ق.م) فلما سمعت كليوباترا بالنبأ انتحـرت هي الأخرى. وقد زارت بيت لحم اليهودية في عام (34 ق.م) أى قبل مولد السيد المسيح بنحو 30 عاماً.