د. رامي عطا
من بين السمات الجيدة التي يتمتع بها المجتمع المصري سمة الوحدة الحاضنة للتعددية والتنوع'>التنوع، أو بعبارة أخرى حالة التعددية والتنوع'>التنوع في إطار الوحدة، وهي ظاهرة صحية، لا غنى عنها في المجتمعات الحديثة، الناهضة والمتمدنة، إذ إنها تُمثل حالة من الغنى والثراء تؤثر إيجابًا على الإنتاج الثقافي والفكري للشعوب بشقه المادي/ الحضاري وشقه المعنوي/ الروحي، خاصة وأن التعددية ترتبط بالإبداع والابتكار والقدرة على التطوير والتجديد، حيث يزخر المجتمع البشري- الإنساني بالتنوع'>التنوعات ويموج بالاختلافات، من حيث الاختلاف الطبيعي بين البشر، في الدين والمذهب واللون والنوع الاجتماعي والمستوى الاقتصادي- الاجتماعي والانتماء الفكري والأيديولوجي..، بالإضافة إلى تنوع العادات والتقاليد والقيم، حتى أن البعض يذهب إلى التنوع'>التنوع الثقافي مثل التنوع'>التنوع البيولوجي، سمة أساسية من سمات الحياة.
وتجدر الإشارة هنا إلى مجموعة من الأسس والمبادئ والأفكار، أولًا: تأتي سمة التعددية والتنوع'>التنوع التي يتمتع بها المجتمع المصري في إطار من الوحدة، فنحن نملك ثقافة واحدة ترسخ حالة التماسك بين المصريين، بالإضافة إلى مجموعة ثقافات فرعية، دونن يكون أن يكون هناك تعارض بين العام والخاص، ما يعني أن ثقافة التعددية والتنوع'>التنوع ليست مناهضة لوحدة المجتمع وتماسكه وقدرة أبنائه على العيش المشترك وتحقيق السلم الاجتماعي، فالتعددية لا تعني الفرقة والانقسام، وإنما التنوع'>التنوع الخلّاق الذي يشبه لوحة فسيفساء جميلة وجذابة نتمتع بالنظر إليها، أو هي مثل اللوحة الفنية التي لا تقوم على لون واحد وإنما تحتاج لعدة ألوان حتى يبرز جمالها، ومثل فرقة موسيقية متناغمة بها عدة آلات موسيقية لكنها تعزف في النهاية لحنًا واحدًا.
ثانيًا: إذا كانت التعددية- التنوع'>التنوع سمة أساسية من سمات الحياة، ونتيجة منطقية للاختلاف كأمر طبيعي، وقد تكون تعددية سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو دينية، فمن علامات التحضر إدارتها على أساس مشروعيتها كلها، طالما لا يمارس أي من مكونات الجماعة الوطنية التعدي على مشروعية غيره، وطالما أن الاختلاف لا يتحول إلى مشكلة وخلاف، وهنا تكون التعددية أمرًا إيجابيًا إذا أحسن المسئولون إدارة هذا التنوع'>التنوع، ومتى آمن المواطنون بقبول الاختلاف، ولعل في أمثالنا الشعبية الكثير من الحكم والأمثال التي تدعم التنوع'>التنوع في إطار الوحدة، ومن ذلك "القفة أم ودنين يشيلوها اتنين"، "الاتحاد قوة والتفرقة ضعف"، "إيد لوحدها ما تسأفش".
ثالثًا: يساعد الإيمان بثقافة التعددية والتنوع'>التنوع، سواء في الانتماءات أو في الأفكار، على تحقيق مساحة أكبر من قبول الآخر واحترامه وتقديره، ولا يعني قبول الآخر أن تتخلى عن آرائك ومعتقداتك، وإنما هو إيمان حقيقي واعتقاد صادق بحق الآخر في الوجود والتعبير عن ذاته وطرح آرائه وأفكاره، دون اتهامه بالجهل والعمالة والتخوين، وبالطبع دون تكفيره، ومن ثم محاربة التعصب والعنف والإرهاب وكل دعوة لكراهية ورفض الآخر المختلف.
رابعًا: نسعى جميعًا ونجتهد، ولا أحد منّا يمتلك الحقيقة المطلقة، كما أن الحقائق التي نصل إليها هي حقائق نسبية ترتبط بما يتوفر لدينا من معلومات ومعطيات، ولكن يبقى لكل واحد فينا إسهامه دون تهميش للبعض أو استبعاد من طرف لطرف آخر.
خامسًا: ثمة حاجة إلى تربية الأطفال والنشء والشباب على احترام قيمة التعددية والتنوع'>التنوع، من خلال مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ونقصد بها الأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والفنية والرياضية والإعلامية والتشريعية، ومنظمات المجتمع المدني.
يقول الشاعر الكبير صلاح جاهين (1930-1986م) شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، في واحدة من رباعياته الشهيرة: "لولا اختلاف الرأي يا محترم.. لولا الزلطتين ما الوقود إنضرم.. ولولا فرعين ليف سوا مخاليف.. كان بينا حبل الود كيف إتبرم؟ عجبي!!!!"، ويذهب المفكر المصري والمصلح الاجتماعي قاسم أمين في كتابه (كلمات) الصادر بالقاهرة سنة 1908م إلى أن "الحرية الحقيقية تحتمل إبداء كل رأي ونشر كل مذهب وترويج كل فكر"، ومن الأقوال المتوارثة بيننا "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود للقضية".
نقلا عن جريدة (الأهرام)