حمدي رزق
لست خبيرًا اقتصاديًّا أو مصرفيًّا، لكن قلبيًّا رافض تمامًا حديث «التوريق»، الذى يؤذّن به فى الحكومة بحماسة الخبير الاقتصادى «هانى توفيق».
ابتداء، التوريق هو عملية مالية يتم فيها إصدار صكوك تحمل قيمة أصول تُدِرّ عائدًا، وتُباع بعد ذلك إلى المستثمرين، وترجمتها مصريًّا، بحسب «هانى توفيق»، الاقتراض بضمان نسبة من عوائد قناة السويس المضمونة سلفًا لتلبية الالتزامات العاجلة (خدمة الديون الخارجية)، فقط لنمر من عنق الزجاجة الخانق، ما يضمن فسحة للاقتصاد الوطنى لالتقاط الأنفاس المتسارعة، ومنح الحكومة وقتًا مستقطعًا لإعادة ترتيب الأوراق، التى بعثرتها الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها السالبة على الاقتصاد الوطنى.
قلبيًّا، مش مرتاح لمثل هذه المقترحات التى تقوم على الاستدانة مجددًا، وأُفضل الابتعاد عن مجرى القناة وعوائدها بالكلية، والعمل على حلحلة الأزمة (مرحليًّا) دون كلفة خارجية إضافية، دون ديون جديدة بضمان عوائد القناة.
المساس بعوائد قناة السويس، التى تشكل عصب الموازنة المصرية، (نحو ٧ مليارات دولار وتزيد سنويًّا)، جد مرفوض شعبيًّا ونخبويًّا، والدخول عليه من الكبائر الوطنية.
التوريق هو الحل السهل (فى المتناول)، ولكنه يمس واحدًا من المقدسات الوطنية، هكذا نعتقد فى قناة السويس، صحيح هذا ليس وقت العواطف والحماسة الوطنية، ولكنها حقيقة واقعة لا يمكن التغاضى عنها أو التهوين منها، فى ظل تربص كيانات اقتصادية دولية بالقناة، التى تشكل درة التاج مصريًّا.
لست مصرفيًّا ولا اقتصاديًّا، ولا أملك أفكارًا تصب فى حلحلة الأزمة، الأفكار لدى مَن يشتغلون بالاقتصاديات، ولن نهرف بتصورات خيالية، لكن وطنيًّا مستوجب البحث عن سبل بديلة لسداد الالتزامات الدولية، وكفى «وسوسة» شيطانية، عاقبتها الندم الوطنى.
ثقتى فى القيادة السياسية موفورة فى سياق رفض مثل هذه المقترحات البرَجماتية، التى تذهب إلى أسهل الحلول الوقتية دون إدراك عواقب مثل هذه الاجتراءات الاقتصادية على المقدسات الوطنية.
لا أُشكِّك فى النوايا، والإسهام فى إعانة الحكومة على تفكيك الأزمة (تفكيرًا) من الموجبات الوطنية، فرض عين على كل وطنى، فقد نتحسب لـ«المآلات السياسية».
الدخول على خط القناة تحت وطأة أزمة يُربك الحالة السياسية، ويُخلخل الثقة الوطنية المطلوبة فى سياق أزمة (طارئة)، ويُجهض أفكارًا وطنية وخططًا آنية لتفكيك طوق الأزمة من حول عنق الحكومة.
لم نعدم حلولًا وطنية، وسداد الديون على وقتها (حتى الشهر الماضى) محل تقدير من المؤسسات الدولية، (كشف البنك المركزى عن سداد فوائد وأقساط ديون خارجية بقيمة ٦.٢٦ مليار دولار خلال الربع الأخير من العام المالى ٢٠٢٢/٢٠٢١)، القروض فروض، ومصر تؤدى فروضها على وقتها، وتاريخيًّا لم تتأخر عن السداد يومًا.
الحكومة تملك العزم الأكيد وطنيًّا على المرور من الأزمة، متجسدًا فى خطط رشيدة تمثل روشتة متكاملة تنتهجها لمواجهة الأزمة.
خطة الحكومة المعلنة تُترجم إلى ما يمكن تسميته «اقتصاد حرب» تقشفًا وضغطًا للواردات وتنشيطًا للصادرات، وتنمية للموارد المتاحة، تحديدًا ثالوث (قناة السويس، والسياحة، والتصدير)، مثلث العمليات الذى يستوجب التركيز عليه، وتعظيم مدخلاته، التى لم تصل إلى حجم الطموح الوطنى لأسباب يطول شرحها.
أميل قلبيًّا (دون خبرة اقتصادية كافية) لوجهة نظر المحترم الدكتور «زياد بهاء الدين» فى سياق التفكير بعقل راشد لا يتجاهل ثوابت وطنية مرعية، ولا ينقض الوضوء الوطنى بـ«التوريق» ذى الرائحة الكريهة.
نقلا عن المصري اليوم