د. وسيم السيسي
أنا ماعت ربة العدالة فى مصر القديمة، أنا التى نسجت قانونى من خيوط الفضيلة حتى أكسو جسم البشرية بالحق والعدل، ذلك لأن العدالة هى هدية الإله للإنسان على الأرض.
كان قانونى مثاليًّا فى قواعده، عالميًّا فى مراميه، عادلًا فى أحكامه، نقيًّا فى مبادئه، صافيًا فى مواده، بنيته على العدل، والأخلاق،
وشتى الفضائل.
وكان يصاغ فى دار حوريس الكبرى فى عبارات واضحة سليمة ومختصرة، وفى صيغة بلاغية فى منتهى الإتقان، حتى أصبح علامة من علامات الحضارة المصرية، كما كان دهشة للمؤرخين قاطبة، لعظمته وسبقه الحضارى.
أنا ماعت ربة العدالة، كنت أحتم على الملك أن يزورنى فى معبدى كل سنة ويقدم لى تمثالًا صغيرًا على شكلى تذكيرًا له بما فرضته عليه: العدل أساس الملك، كما فرضت على كل قاضٍ أن يضع على صدره تمثالًا لى تذكيرًا له بالمساواة بين الحاكم والمحكوم، الرجل والمرأة، رجال الدين والشعب، بين الناس جميعًا.
أنا ماعت وريشة النعامة رمز لى؛ وذلك لمساواة ريشها على الجانبين، وقفت إلى جانب المرأة، أعطيتها إرادة كاملة فى قبول أو رفض زوج المستقبل، كما أعطيتها حق الخلع على شرط أن ترد للزوج مهره ونصف ما جمعاه فى حياتهما الزوجية، كما وضعت لها فى القانون أن ترث زوجها بالكامل، كما تقوم الابنة الصغرى «فوق سن ١٦ سنة» بتوزيع الميراث إذا مات الأب.
كما منحت المرأة حق امتلاك الأراضى والعقارات، كما منحتها الحق فى البيع، والشراء، بل الهبة! كما منحتها الحق فى الدفاع عن حقوقها فى المحاكم سواء كانت مدعية أو مدعى عليها، كما كانت تشكو زوجها إذا صدرت منه قسوة باليد أو اللسان، فكان ينذر أول مرة، ويُجلد ثانى مرة،
ويُخلع ثالث مرة.
جدير بالذكر أننا لم نعرف المحاماة التى دخلت مصر ٣١ ق. م، مع الغزو الرومانى. كنت أحتم على القاضى أن تكون أحكامه علانية فى وجود عامة الناس، وألا يعبأ بمن يأتيه بثياب ثمينة، وأن يتنحى فورًا إذا أحس بالميل لامرأة جميلة، وأن يعلم أنه يحاسب الناس فى الدنيا، وسوف يحاسبه الله فى الآخرة.
كنت أحتم على الملك أن يختار بطانته؛ لأن الملك العادل ليس له تأثير على شعبه وحوله بطانة فاسدة، لذا كان خطاب العرش لعظيم الوزراء: اعلم أن احترام الناس لك لن يكون إلا بإقامتك العدل، إياك أن تقرب إنسانًا منك لأنه قريب منى، بل ليكن القرب منك أو البعد عنك بسبب الكفاءة وليس لأى سبب آخر.
أعطيت الشعب الحق عند موت الملك فى الهتاف له أو ضده فلا يُدفن فى مقابر الملوك، فكانت الملوك تعمل ألف حساب لهذا اليوم الرهيب، تجدون وصية الملك خيتى الرابع «الأسرة العاشرة» لابنه ولى العهد: هدئ من روع الباكى، قرب إليك الإنسان حسب كفاءته، لا تجرد أحدًا مما يملك، ولا تطرد موظفًا دون وجه حق، ولا ترفع ابن العظيم على ابن المتواضع.
كما أعطيت الحق لأى مواطن أن يخاطب أى مسؤول بحرية كاملة، هوذا الفلاح الفصيح «خون أنبو» يخاطب محافظ إقليم وادى النطرون «رنسى ابن ميرو» حين هاجمه اللصوص وسرقوا بضاعته، فأرسل له رسائل جميلة ولم يستجب «عن عمد لجمال رسائله» فهاجمه بداية من الرسالة الثالثة حتى التاسعة منها: اعدل فما أنت بعادل، أسرع لأنك بطىء فى إقامة العدل، لماذا تحيد عن الحق وأنت الاستقامة.
هل عيّنك الملك محافظًا حتى تكون ملاذًا للصوص وقطاع الطرق؟ احذر اقتراب الأبدية، سوف أغادر لأن ماعت غادرت هذا الإقليم بسببك! أعلن المحافظ الحقيقة واسترضاه! ونقول: فراعنة.. وثنية.. ظلم! ما أشد حيائى منك يا مصر!.
نقلا عن المصري اليوم