د. سامح فوزى
ليست الحياة أيديولوجية جامدة، أو أفكارا ثابتة تتناقلها الأجيال، لكنها أسلوب حياة، طريقة فى التفكير، خبرات ومهارات ترفع مستوى تكيف الناس مع التحديات التى تواجههم، دون تفريط فى السلام النفسى الذى ينبغى أن يحتفظوا به. هناك كتابات كثيرة تتناول الجوانب الإنسانية فى الحياة، وتحرص على تقديم طرق أفضل فى التفكير، وتتمتع بمساحات واسعة من الاهتمام، وتُرجم بعضها إلى عدة لغات. نذكر منها كتابات الكاتب الأمريكى ديل كارنيجى (1888-1955) الذى كتب وقدم مؤلفات مهمة فى تحسين الذات، والبعد عن القلق، وكسب الأصدقاء، والتأثير فى الآخرين، وغيرها، ونورمان فينسنت عن التفكير الإيجابى، وستيفن كوفى عن العادات السبع، وروبرت أنتونى عن الثقة بالنفس، ودالاى لاما الذى وضع مؤلفات مهمة فى طريقة التفكير الهادئ، وفن السعادة. بالطبع لم تقتصر المجتمعات المتقدمة على هذه الأسماء فقط، التى نعرفها من أعمالها المترجمة، ولكن لديها أجيال متلاحقة من المبدعين الذين يمضون على نفس الدرب، ويواجهون بكتاباتهم تحديات الإنسان المعاصر المتغيرة بين العزلة والاستهلاك والعولمة والعنف. فى الواقع لا تجد هذه النوعية من الكتابات اهتمامًا عريضًا فى المجتمع المصرى، وربما فى العالم العربى، بخلاف بعض الاستثناءات مثل مؤلفات الدكتور إبراهيم الفقى. ويمكن تصنيف غالبية المؤلفات المنشورة من دور النشر إلى عدة مجالات: السرد، مثل الرواية والقصة، والسير الذاتية، والكتابات التاريخية، والأعمال الأكاديمية، باختلاف ألوانها، والكتب الدينية. ويبدو أن النظرة الدينية غلبت على النظرة الإنسانية فى كثير من الأحيان، واختزلت الحياة الروحية للإنسان فى التفسيرات والشروح والتعليقات والتأملات الدينية، وهى بالتأكيد أحد مجالات بناء الإنسان، لكنها لا يجب أن تستغرق وحدها كل مشتملات التفكير الروحى الإنسانى، بل يتعين أن تأتى إلى جوارها كتب إنسانية، تستند إلى العلم والحكمة البشرية فى التفكير، وبناء الاتجاهات، وأساليب التصرف، ومواجهة التحديات، والخروج من أسر النظرة الضيقة للعلاقات الاجتماعية المحيطة.
فى المجتمعات الغربية هناك وفرة فى هذه النوعية من الكتابات، وعليها طلب من جانب جمهور عريض من القراء، غالبيتهم من الشباب، الذين يبحثون عمن يأخذ بأيديهم لفهم الحياة، وبناء تصورات إيجابية عن الذات والآخر، والمجتمع الذى يعيشون فيه، والتطلع بانفتاح إلى الحياة المتغيرة. وعادة ما نجد جمهور المواصلات العامة يطالعون خلال رحلاتهم اليومية هذه النوعية من الكتابات الإنسانية، والأعمال الروائية، بل إن الصحف ذاتها تهتم بالتحقيقات المطولة عن قضايا نفسية واجتماعية، يظهر فيها اهتمام المجتمع بالحس الإنسانى فى تناول تقلبات الحياة. وتعود هذه الكتابات الإنسانية المرء على كسر حاجز الصمت، والبوح بالأزمات الشخصية التى يمر بها، والتماس المشورة فى مواجهتها. ورغم شح الكتابات التى تٌبسط قضايا النفس الشائكة فى مجتمعنا، نجد على شبكات التواصل الاجتماعى تزايدا فى عدد المواقع التى تهتم بحوارات الحياة، ومشكلات الحياة الزوجية، والأحاديث الإنسانية، وينهمر عليها تعليقات المتابعين التى تظهر المستوى الثقافى فى المجتمع. وتتمتع هذه المواقع بكثافة المتابعة، وهو ما يثبت حاجة المجتمع إلى من يتناول قضاياه النفسية والسلوكية والاجتماعية.
لا أعرف لماذا لم يظهر لدينا كٌتاب لديهم القدرة على الخوض فى موضوعات تطوير النفس التى ينتظرها الشباب فى مجتمعنا؟ السبب- فى رأيي- يعود إلى أن من يخوض فى هذه النوعية من الموضوعات ينبغى أن يكون متعلما تعليما جيدا، واعيًا بأحوال المجتمع، ولديه القدرة على تناول موضوعات معقدة بأسلوب بسيط، يجمع بين تقديم المعلومة والخبرة، وبين الطرح الثقافى ومهارات التدريب، بحيث يقدم للقارئ خلطة ثقافية تسهم فى رفع وعيه من ناحية، وتقدم له خطوات عملية لتطوير النفس من ناحية أخرى.
بالتأكيد تشكل الكتابة فى الحياة الإنسانية مجالا واسعًا أمام المثقف الذى يريد أن يؤثر فى المجتمع، ويطرح على الناس طرائق تفكير متغيرة، وأساليب مبتكرة فى التعامل مع الواقع، وذلك بعيدا عن الكتابات النظرية التى يغلب عليها اللغة الأكاديمية الخشنة، والتى تفصل المثقف عن الجمهور، وتجعل قضايا الفكر فوقية، بينما يتشكل وعى الناس من خلال أدوات غير ثقافية أو غير حداثية مثل أحاديث الفضاء الالكترونى العشوائية والغاضبة فى بعض الأحيان، والآراء الدينية الخاطئة وربما المتطرفة المنغلقة، وقصص العوام، والحرص على نفاق الممارسات الاجتماعية السلبية.
ويظل السؤال: هل يتحمس الناشرون لهذه الكتابات فى ظل ارتفاع تكلفة النشر، واتباع سياسة النشر مضمون التوزيع، وعنوانه الأساسى الروايات والسير الذاتية؟
نقلا عن الاهرام