سامح فوزي
هناك إشكاليات بعيدة الجذور فى الخبرة المصرية، وتمر السنون والايام دون حل لها، تتراكم وتستفحل، ولم يعد أمامنا سوى التماس الزمن بحثا عن ضوء فى نهاية النفق.
القضية الأولى: التباين بين أصحاب الآراء العلمانية وأنصار التوجهات الدينية، سجال ممتد على مدى أكثر قرن من الزمن، لم ينتهِ، وواضح أنه مستمر، وأجزم أنه بات ينطوى على تدهور فى التفكير، وأسلوب النقاش، والغايات النهائية منه. يكفى أن نتأمل ما يثار بشأن هذا الموضوع على وسائل التواصل الاجتماعى. ويمثل التنابذ بين علمانيين ومتدينين إحدى الأزمات الفكرية الكبرى فى المجتمع بالإضافة إلى الإسلام السياسى، والذى جلب الصراع السياسى بين المواطنين الرافضين لتديين السياسة، والذين يوصفون أحيانا بأنصار الدولة المدنية، وبين فصائل الإسلام السياسى، الذين رغم ما بينهم من اختلافات يندرجون جميعا تحت لافتة أنصار الدولة الدينية. سجال، ولغط، واشتباك فكرى لم يحسمه كثير من قادة الفكر والأكاديميين وعلماء الدين فى ظل مناخ من المراوغة، وترديد الشىء ونقيضه، والتلاعب بعقول الناس.
القضية الثانية: بناء مؤسسات سياسية باختلاف أشكالها وأنماطها، حيث يعانى المجتمع من ضعف الاحزاب، رغم كثرتها، وضعف الإدارة المحلية، وتراجع الديمقراطية فى المؤسسات المدنية، وانخفاض معدلات المشاركة الشعبية، وهى مشكلة مزمنة تتراجع حينا، وتتطور أحيانا، لكنها ممتدة رغم كثرة الكلام السياسى، والبيانات الموقفية، دون مضمون جدى أو مبادرات مؤسسية فاعلة.
القضية الثالثة: غياب العدالة الثقافية، حيث نشكو منذ قرون من استئثار المدن والمراكز الحضارية بالخدمات الثقافية، القليلة جدا، فى حين ينعدم وصول أهل الريف إليها، مما أدى إلى انتشار التطرف وغياب التفكير العقلانى وحدوث أزمات طائفية، نشكو ثم نشكو، ونردد نفس الكلام من مناسبة لأخرى، وتظل الأمور على ما هى عليه، لا توجد مراكز ثقافية ولا دور سينما ولا مسارح ولا مكتبات عامة فى أماكن كثيرة.
القضية الرابعة: غياب الاصلاح الإدارى البيروقراطية أس الداء فى كثير من مشكلات التنمية، حيث نطالب منذ النصف الأول من القرن العشرين بإصلاح الجهاز الإدارى، وانجذبنا فى وقت من الأوقات إلى مصطلح الثورة الإدارية، ولكن لا يزال الجهاز الإدارى على مشاكله المتداولة منذ عقود طويلة، ولم يؤدِ انتقاد الرؤساء المتعاقبين له فى تغيير وجهته، أو تطوير أدائه، فقد انتقده الرئيس جمال عبدالناصر لإفشاله السياسات الاشتراكية، والرئيس أنور السادات لوقوفه ضد الانفتاح الاقتصادى، والرئيس حسنى مبارك لمقاومة الإصلاح الاقتصادى.
هذه أربع قضايا فقط تؤكد أن المشكلات متوارثة، وإرادة الحل مهتزة، وأفق التغيير غائم، والزمن لم يتكفل بعد بعلاج هذه المشكلات، وغيرها رغم أن الدولة تقود جهود تنموية كبرى فى السنوات الأخيرة.. عدم حل هذه المشكلات أضاع على المجتمع فرصا مهمة فى التنمية، والتغيير إلى الأفضل، وندفع كل يوم ثمن بقائها على ما هى عليه، والتيه فى نفق الزمن.
نقلا عن الشروق