ياسر أيوب
لكل انتصار فرحته ولكل خسارة مرارتها.. ورغم ذلك لا تتشابه فى كرة القدم الانتصارات أو الخسائر.. فهناك انتصارات بفكر مدرب وأقدام لاعبين وأخرى تصنعها وجوه أتعبها الحزن واحتاجت للفرحة وعيون أوجعها البكاء وأرادت أن تبتسم.. وهناك هزائم يتحملها مدرب بسوء اختياراته وقراراته وأخرى لأن المواجهة لم تكن مع فريق ثان داخل الملعب، إنما أرض ونخيل وتاريخ يبقى جميلا رغم ما فيه من دماء وعذاب ومخاوف.. وبهذا القانون الكروى.. فاز منتخب العراق بكأس الخليج يوم الخميس الماضى ليس لأنه كان الأفضل والأقوى.. ولم يخسر منتخب سلطنة عمان المباراة النهائية نتيجة أخطاء مدرب ولاعبين.. ولم يكن العراقى مناف يونس هو الذى سجل هدف الفوز والكأس فى الوقت الضائع من الشوط الإضافى الثانى.. لكنهم كانوا آلاف العراقيين سواء الذين امتلأت بهم مدرجات استاد جذع النخلة أو الذين لم يجدوا مكانا داخل الاستاد فوقفوا خارجه يحلمون بانتصار يريدونه وفرحة يحتاجون إليها.. وجاء الانتصار وكانت الفرحة وأصبح العراق من جديد بطلا خليجيا بعد غياب طال 35 عاما، شهد العراق خلالها الكثير من الحروب والصراعات والمخاوف والأحزان..
ويتحقق ذلك فى استاد يحمل اسم جذع النخلة فى مدينة البصرة.. وكان ذلك يعنى الكثير جدا تاريخيا وإنسانيا للعراقيين قبل أى معان كروية.. فجنوب العراق كان أول أرض تزرع النخيل حسب شهادة العالم الإيطالى أوداردو بكارى.. واعتاد النخيل، منذ مئات السنين، أن يكبر فى البصرة حتى يكاد يلامس سماءها.. وعرف البابليون 365 فائدة لتمر نخيلهم وتضمنت قوانين حمورابى عقابا شديدا لكل من يقطع نخلة.. وقال الأصمعى إنه سمع هارون الرشيد يقول كثيرا إن كل ذهب وفضة الأرض لا يبلغان ثمن نخيل البصرة.. وأشهر بيت شعر عربى عن النخيل هو: كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا.. يرمى بصخر فيلقى أطيب الثمر.. ورغم الخلاف حول صاحب هذا البيت وهل هو على بن الجهم أم المتنبى أم لقمان الحكيم أو الإمام الشافعى.. فالمعنى الذى لا خلاف عليه أحد هو الاعتزاز بالنخيل وقوته وصلابته وكبريائه.. وإذا كانت البصرة حين بنت هذا الملعب فى 2013 وأطلقت عليه جذع النخلة اعتزازا بنخيلها.. فكرة القدم العراقية كانت دوما كالنخيل.. نفس الصلابة والإصرار على البقاء حتى أصبحت الكرة العراقية إحدى الحكايات الاستثنائية جدا والجميلة جدا فى كتاب تاريخ هذه اللعبة فى العالم كله.. فنادرا ما تنجح كرة القدم فى توحيد بلد أراد أعداؤها وبعض أهلها تمزيقها مثلما نجحت كرة القدم فى توحيد العراقيين.. ولم تتعرض كرة القدم فى بلدان كثيرة لما عاشته وعانت منه الكرة العراقية.. ولم يضطر منتخب كروى فى العالم للعب خارج أرضه وبلده مثل المنتخب العراقى.. ثم عاد هذا المنتخب ليفوز بكأس الخليج للمرة الرابعة ويفرح بها العراقيون جميعهم.. ويبقى فى المقابل التحية والاحترام والاعتزاز حقا للمنتخب العمانى الذى لعب وأجاد لكن انحازت كرة القدم للعراقيين وليس لمنتخبهم.
نقلا عن المصرى اليوم