محمد أبو الغار
كل مصرى داخل الوطن أو خارجه يُكِنّ تقديرًا كبيرًا ومحبة خاصة للسير مجدى يعقوب، ليس فقط لتفوقه المهنى الكبير عالميًّا، وإنما أيضًا لإنسانيته، التي فاضت على البشرية في مصر وفى الكثير من بلاد العالم بالعمل تطوعًا لخدمة الفقراء وإنقاذ حياتهم.
مجدى يعقوب من مواليد بلبيس بالشرقية في 15 نوفمبر 1935، وكان أبوه طبيبًا يعمل بالصحة العامة، وينتقل من مكان إلى آخر في وزارة الصحة. وانتقل مجدى يعقوب الطفل والشاب مع أبيه في أنحاء مصر. وقد تستغرب أن مجدى يعقوب قد قرر أن يصبح طبيبًا للقلب وهو طفل حين تُوفيت عمته الشابة، التي كانت تبلغ من العمر 22 عامًا بسبب ضيق في صمام القلب، ولم يستطع أحد أن ينقذها لأن جراحة القلب لم تكن متوفرة آنذاك.
دخل كلية طب قصر العينى وهو في سن السادسة عشرة من العمر وتخرج عام 1957 وتسلم جائزة التفوق في عيد العلم من الرئيس جمال عبدالناصر، وبعد أن أمضى عامًا طبيب امتياز، أصبح نائبًا للجراحة في قسم الدكتور أبوذكرى، وفى أثناء حديثه في مؤتمر الجامعة الأمريكية، تذكر رئيس قسم الجراحة، وقال: «كان هناك أساتذة عظام مثل محرز بك». وبعد إنهاء النيابة، سافر إلى إنجلترا عام 1961، وبعد فترة قصيرة بدأ العمل مع الأستاذ دونالد روس في عمليات إصلاح صمامات القلب جراحيًّا من عام 1965. وفى هذه الفترة بدأت إنجلترا إجراء جراحات نقل القلب، ونظرًا لسوء النتائج، قررت إنجلترا وقف هذه العمليات، فسافر مجدى يعقوب إلى جامعة ستانفورد، التي كانت قد بدأت جراحات القلب، وشاهد عن قرب ما يحدث من تقنية جديدة، وعندما عاد إلى إنجلترا كانت إنجلترا قد بدأت مرة أخرى في إجراء جراحات القلب. وفى عام 1973 أصبح مستشارًا لجراحة القلب والصدر بمستشفى هارفيلد.
وفى مرحلة لاحقة، غادر إلى جامعة شيكاجو في أمريكا، حيث عمل نصف الوقت في العمل الإكلينيكى والجراحى والنصف الآخر في المعمل. وفى نهاية العام، عرض المستشفى على مجدى يعقوب منصبًا متميزًا بأجر ضخم، ولكنه رفض وعاد إلى إنجلترا للعمل هناك، وعندما سُئل أجاب أن النظام الأمريكى لا يناسبه لأن العلاقة بين المريض والطبيب يغلب عليها الطابع المادى، وأنه شاهد فقراء لا يستطيعون العلاج، وشاهد أناسًا فقدوا كل ثروتهم بعد صرفها على تكاليف العلاج، وأنه يود أن يعود إلى لندن حيث نظام التأمين الصحى، الذي طبقته حكومة العمال بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، وهو يعطى كل مواطن الحق في العلاج المجانى، وقال إن هذه هي الطريقة الإنسانية التي تنظم العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض.
وفى عام 1980 بدأ في عمليات زراعة القلب، ونجحت العمليات، ومنها مريض عاش 22 عامًا بعد العملية، وهى أطول مدة عاشها مريض بعد هذه الجراحات. وفى عام 1983 أجرى عملية نقل رئة وقلب، لأول مرة في المملكة المتحدة.
وفى عام 1986 حتى عام 2006، أصبح أستاذ جراحة القلب في معهد القلب البريطانى والإمبيريال كولدج، وأجرى عمليات لشخصيات عالمية مهمة، منها باباندريوس، رئيس وزراء اليونان، والنجم السينمائى عمر الشريف. وفى هذه الفترة أجرى عملية لبليونير أمريكى معروف، وبعد شفائه حاول البليونير أن يدفع له مبلغًا كبيرًا، ولكنه رفض وأخبره أنه يتقاضى راتبه من المستشفى. وفى النهاية دعا البليونير مجدى يعقوب لزيارته في أمريكا وأقام له حفل تكريم، وسأله عما إذا كان يطلب شيئًا، فقال: أريد 20 مليون دولار، فانزعج الرجل، فقال مجدى يعقوب إنها لإقامة معمل لأبحاث جراحات القلب، وأجاب الرجل بأنه سوف يسأل زوجته أولًا، وفى اليوم التالى وافقت الزوجة، وتم إنشاء المعمل في مستشفاه في لندن.
ويقول مجدى يعقوب إن طريقة العمل في جراحات القلب لا بد أن تكون جماعية، وإنه قام بتعليم وتدريب كل مَن يعمل معه حتى يستطيع الفريق أن يحقق نجاحًا.
وبعد تقاعده عن العمل الحكومى، بدأ في إجراء عمليات تطوعية في عدة أماكن. وخلال عمله نال العشرات من الشهادات الفخرية والزمالات المختلفة والتقدير من كل الدنيا، ولكن أهم تقديرين كانا إعطاءه لقب سير من ملكة بريطانيا، ومن مصر حصل على قلادة النيل عام 2010 وهى أعلى تكريم مصرى، وهو ثانى طبيب يحصل عليها بعد الدكتور نجيب محفوظ باشا، أستاذ أمراض النساء بقصر العينى.
وأنشأ مجدى يعقوب مؤسسة مجدى يعقوب الخيرية، التي قامت بدور كبير في إفريقيا، وكان لها دور عظيم في مصر، فقد أنشأ مركز القلب في أسوان لإجراء جراحات القلب على أعلى مستوى في العالم، وقام بخدمة الآلاف من المرضى، وركز على علاج الأمراض الوراثية في القلب، واستطاع أن يقدم خدمة جليلة لآلاف الأطفال، وبالرغم من أن هذه العمليات باهظة التكلفة، فإن المرضى الفقراء أُجريت لهم العمليات مجانًا.
ويتم حاليًا إنشاء مركز مجدى يعقوب العالمى في القاهرة، ومن المتوقع أن يتم افتتاحه قريبًا، وهو مركز ضخم على أعلى مستوى عالمى، وتم تدريب طاقم كبير من الأطباء المصريين للعمل في هذا الصرح الكبير، الذي يقوم على التبرعات ومعظمها تأتى من المصريين في الداخل والخارج.
وأثناء الاحتفال بنشر كتاب عن حياة مجدى يعقوب في قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية، والذى سوف يصدر بالإنجليزية في صيف 2023، ومن المتوقع أن يُترجم إلى العربية، كان الحضور ضخمًا وكثيفًا من جميع الأعمار وعدد كبير من الشخصيات العامة، وفى النهاية سأل الجمهور مجدى يعقوب عن أسباب اهتمامه بالعمل في البلاد الفقيرة، فقال إن 20% فقط من سكان العالم يستفيدون من الاكتشافات العلمية الحديثة، وقد قابل البابا فرنسيس في روما، ووقع معه اتفاقًا للعمل الخيرى. وسُئل عن علاقة الحالة النفسية بالقلب، فقال إن الاكتئاب يمكن أن يؤدى إلى مشاكل ضخمة في القلب، وحذر من استخدام الخلايا الجذعية في العلاج الإكلينيكى لأنها لا تزال تحت التجربة، ويجب الانتظار حتى تثبت فاعليتها.
تحية كبيرة من القلب إلى كبير أطباء القلب في العالم، وليعلم أن ما يقدمه لمصر هو محل تقدير كبير وحب عارم من جموع الشعب له.
قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك.
نقلا عن المصرى اليوم