سحر الجعارة
أنا أتفق تماماً مع رؤية السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مطالبته الدائمة لقوى المجتمع المختلفة بإعادة فهم المعتقد ونشر الوعى الدينى.. أتفق مع كل حرف نطق به فخامته فى دعوته للحوار الدينى.. مع مطالبته للفنانين والمبدعين والمفكرين بالمشاركة فى الإصلاح الدينى.
وحين أمر الرئيس بوضع خطة متكاملة لإنشاء مساجد تابعة لوزارة الأوقاف على مستوى محافظات الجمهورية، بحيث تكون جامعة لجميع الأنشطة الدعوية ومقارئ القرآن الكريم، ومنارة لنشر صحيح الدين على امتداد رقعة الجمهورية، مع مراعاة حسن انتقاء مواقعها وتخصيص مساحة مناسبة لها، وذلك إلى جانب رفع كفاءة المساجد الرئيسية الكبرى فى كل محافظة.. توقفت قليلاً لأسأل: هل نحن نعرف بالفعل «صحيح الدين»؟!
نحن غارقون فى بديهيات ومسلمات: ضرب الزوجات، الثعبان الأقرع، الهبة والوصية والمال الخاص، شهادة المرأة المنقوصة... إلخ الإشكاليات التى لم تحل حتى الآن!هل صحيح الدين هو الفتوى الرسمية: «التاتو الحلال».. أم أنه فى الحكم على غير المحجبة بأنها «عاصية».. أنا لست تافهة فهذه هى الفتاوى التى تطلقها المؤسسات الدينية الرسمية.. والتى تخرّج منها نفس الدعاة المنتمين لوزارة الأوقاف!
آخر تصريحات للدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، كان شن حملة للحرب على الإلحاد.. بينما رأس الدولة يطبق كلمة «حرية العقيدة» حرفياً ويطبق الدستور على «اللادينى».. ما هذا التناقض الحاد والصدام الفكرى فى الحكم على «مواطنين مصريين» أياً ما كان عددهم.. ألم يكن جديراً بنا أن نسرع بـ«الحوار الدينى» لنعرف نوعية الدعاة الذين سوف يتولون مهمة نشر «صحيح الدين»؟
بنص كلام السيد الرئيس: «لازم نعمل الحوار الدينى.. سواء الإسلام أو المسيحية.. كلنا مواطنين وكل واحد بعقيدته.. حتى اللى بيقول مفيش.. هو أنا هخاف حد يقول كده فحد يروح معاه».. ربنا قال هتيجى ناس تقول مفيش».. هل اللادينى مدعو للحوار أم لتطبيق حد الردة؟
فى كل المجتمعات المتحضرة هذا التنوع العقائدى والفكرى «ثراء وحرية».. إلا عندنا فى بلاد تتمزق بورقة الصراعات الدينية والمذهبية.. لقد عايشنا محاولة اغتيال الدكتور «على جمعة»، مفتى مصر سابقاً، لأنه يصلى فى «مسجد صوفى» هذا كل ذنبه!!
الرئيس يعلم أن الإرهاب لن ينتهى إلا بتجفيف منابعه من الفكر المتطرف وأنه لا سبيل للتعايش فى سلام بين المسلم والمسيحى إلا بثقافة «قبول الآخر».. وأزعم أنه لم يجد مسئولاً واحداً يسانده لتطبيق رؤاه.. أتصور أن الرئيس أيقن أن الفتنة لم تعد «مسيحى ومسلم» بل أصحبت (صوفى وسلفى وعلمانى وإسلام سياسى... إلخ الأطياف الفكرية).
وقد قال متحدث رئاسة الجمهورية إنه «استكمالاً لجهود الدولة لنشر الخطاب الوسطى المستنير لصحيح الدين، وترسيخ أسسه السليمة، والتى تجاوز صداها نطاق مصر المحلى، عرض وزير الأوقاف جهود الوزارة من خلال الدورات التدريبية لبعض الأئمة والوعاظ والقيادات الدينية فى القارة الأفريقية، وذلك بهدف نشر ثقافة لغة الحوار والإيمان بالتنوع وقبول الآخر».
هل دربنا هؤلاء على أن المرأة «بهيمة شاردة» يجب ضربها لتعود كما قالت إحدى الواعظات؟لقد كتبت من قبل -هنا فى جريدة «الوطن»- أن «كل ما أتمناه أن يدعو المؤتمر كل الأطياف العقائدية على اختلافها وتنوعها، شريطة أن يتقدم الرئيس بشخصه النبيل بـ«ورقة عمل» للمؤتمر تبلور أفكاره ورؤاه ويصوغها أحد معاونيه، وتكون هى بوصلة المناقشات والتى تحدد الأهداف.. هكذا نصل سريعاً بدلاً من مكلمة بلا جدوى.. فأنا أثق فى أن الرئيس «وحده» يدرك أبعاد الثورة الدينية المنشودة وخطوات تحقيقها «بأسلوبه الرصين».. كل المطلوب تنفيذ تصريحاته ورؤيته للإصلاح الدينى، التى تعهّد بها أمام ملايين الشعب المصرى».
سيادة الرئيس: نحن بحاجة إلى تشكيل «مجلس قومى للتنوير» يضم نخبة من خيرة العقول المصرية.. فهؤلاء الدعاة بحاجة إلى تثقيف ووعى، بحاجة إلى «اجتهاد» وتنقية للتراث المفخخ بالجهل والتغييب.. بحاجة إلى التفكير بنفس العقلية والرؤية التى تطرحونها.. وليس بشن الحرب المقدسة على «المختلف عنا».
نقلا عن الوطن