الأنبا إرميا
إذا أرادت أمة بناء نفسها فعليها أن تبنى الإنسان بها. ويُعد بناء الإنسان هو الطريق الأصعب نحو القمة التى يسعى الفرد أو المجتمع للوصول إليها. وربما صعوبة البناء تعود إلى طبيعة الإنسان المتمثلة فى الروح بما تحمله من جوهر عاقل، والنفس بما تحمله من فكر وعاطفة وإرادة، إلى جانب الجسد. ويُعتبر بناء «الوعى» أو «الإدراك» هو أحد الموضوعات المُلحة المطروحة اليوم على ساحة المؤتمرات واللقاءات والمناقشات من أجل العمل على البناء الإنسانى الداخلى لمنفعة الفرد نفسه ومجتمعه. وقد بدأت محاولات تعريف «الوعى» بين العلماء والفلاسفة منذ آلاف من السنين، ولاتزال موضع بحث حتى اليوم. إلا أننا لسنا بصدد العرض الجدلى بين التحليلات والتفسيرات المختلفة، بل الحديث عما نحتاجه اليوم من أجل بناء الإنسان والوطن والمستقبل.
وقد نتساءل: لماذا بناء الإنسان؟ لأن للإنسان قيمة عظمى عند الله، وهو ما عبّرت عنه الأديان بوضوح. ففى المسيحية، الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله فى صفات العدل والرحمة والمحبة و... إلخ، بمحدودية بشرية، «نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا...». وفى الإسلام، الإنسان هو خليفة الله فى الأرض: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَآئِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّى أَعلَمُ مَا لَا تَعلَمُونَ﴾. ولأن الإنسان أيضًا هو صاحب رسالة فى بناء الحياة، فقد وُضع فى الأرض ليعملها ويحفظها. ناهينا عن أن الإنسان هو صانع الحضارات والتطور، فمن دونه ما كانت حضارة ولا تطور ولا اختراعات يشهدها العالم على مر العصور وإلى اليوم، ابتكارات هى وليدة عقله الموهوب له من الخالق، العقل الأعظم، الله ـ تبارك اسمه.
الوعى'>بناء الوعى
تُعرّف كلمة «وعى» فى قاموس كامبرديچ بأنها: «حالة فَهم وإدراك شىء ما»، فى حين يقدم قاموس «أكسفورد» تعريفًا عن «الوعى» بأنه: «حالة إدراك أو دراية الإنسان بما يحيط به والاستجابة له». وهكذا يرتبط الوعى بقدرة الشخص على الدراية بنفسه وبالعالم من حوله. قرأت مرة أن المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية سنة 2009، ذكر، فى تقريره، أن أكثر من عشرة مليارات جنيه تُنفق على أعمال الدجل والسحر فى مصر!! وهو ما يشير إلى أهمية التوقف للدراسة والعمل من أجل بناء «وعى» المواطن، إلى جانب أنه يبرز الدور المهم والمسؤولية الملقاة على عاتق المجتمع المِصرى من أجل العمل على بناء وعى الفرد، فى عدة محاور منها:
■ الوعى بذاته وهُويته
يحتاج المواطن المصرى أن يعى ذاته وإمكاناته ومواهبه، إلى جانب العودة إلى الإدراك العميق لهُويته المصرية، فهو لديه من التاريخ والسمات الشخصية ما يجعله يحقق أعظم الإنجازات.
■ الوعى بالقيم المجتمعية
نحتاج إلى الوعى'>بناء الوعى بقيم المواطنة والسلام والتعايش السلمى، التى تظهر فى:
■ حرية الإنسان الفردية، وحريته فى التعبير والاعتقاد والإيمان، والحق فى العدالة.
■ الحق فى المشاركة فى الحياة السياسية من خلال مجلس النواب.
■ تمتع المواطن بالخدمات الاجتماعية كالتعليم والرعاية الصحية وغيرهما من الأساسيات المجتمعية.
■ الوعى بأهمية مشاركة المواطن فى المصالح العامة والمجتمع المدنى.
■ وعى الإنسان بالمواطنة الذى يكوِّن ويؤصل نظرته نحو نفسه ووطنه وشركاء وطنه من المواطنين، ما سيؤدى دون شك إلى بناء البلاد وتعميرها والأخذ بها واقتيادها إلى ريادتها الأولى بين الدول.
■ الوعى بحقوق الإنسان
وبحسب تعريف الأمم المتحدة، فإن حقوق الإنسان هى حقوق متأصلة فى جميع البشر ـ مهما كانت جنسياتهم، أو أماكن إقامتهم، أو أنواع أجناسهم، أو أصولهم الوطنية أو العرقية، أو ألوانهم، أو أديانهم، أو لغاتهم، أو أى أوضاع أخرى ـ وللكل الحق فى الحصول عليها بمساواة ودون تمييز. ومن تلك الحقوق، على سبيل المثال، الحق فى الحياة والحرية والعدالة والأمن والسلام والاحترام.
■ الوعى بقيم العمل والترابط المجتمعى
لا بد من بناء وعى المواطن بأهمية العمل والترابط المجتمعى، لأنه ببساطة متى سرى انقسام فى مجتمع فإنه حتمًا يتهدم، وعلى النقيض: فى وحدتنا نتكامل ونوفى بحاجاتنا كافةً، ونعمل لنبنى بلادنا ونؤمِّن مستقبل أولادنا. و... والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم