Giambattista Vico
( 1668- 1744 )


إعداد /ماجد كامل
يمثل الفيلسوف والمفكر الإيطالي الشهير جامباتيستا فيكو      Giambattista Vico  قيمة كبري في تاريخ الفكر الإنساني ؛ فهو من رواد الفلسفة  التي عرفت بفلسفة التاريخ Philosophy of History  وهي الفلسفة  التي تؤمن بأن التاريخ يسير وفق خطوات ودورات معينة  تحكم مساره وتخضع له  . ومن رواد هذه الفلسفة القديس والفيلسوف أوغسطينوس St .Augustine (354- 430 م) والفيلسوف العربي ابن خلدون ( 1332- 1406 ) والفيلسوف الالماني جورج  ولهلم هيجل George Wilhelm Hegel ( 1770- 1831 ) وغيرهم كثيرين . أما عن فيكو نفسه ؛ فلقد ولد في 23 يونية عام 1668 ؛وهو الأبن الخامس لأسرة من ثمانية أبناء ؛ في منزل فقير يقع في قلب مدينة نابلي ؛ ويروي فيكو في سيرته الذاتية أنه حينما كان في السابعة من عمره ؛سقط من علي السلم ؛ وأصطدمت رأسه بالأرض؛ وظل حوالي خمس ساعات في غيبوبة

ولقد تلقي تعليمه اولا عند مدارس اليسوعين ؛ ولكنه أضطر نظرا لظروفه الصحية المعتلة أن يترك المدرسة ويعلم نفسه بنفسه ؛ وفي عام 1684 أصبح معلما ومربيا لأبناء  أخ  أحد أساقفة  المدينة  ؛ ومكث هناك حوالي 9 سنين ؛عكف خلالها علي قراءة ودراسة كتب القانون والتاريخ والفلسفة ؛ خصوصا كتابات أفلاطون ( 427 ق .م – 347 ق .م  )  وابيقور (  341 ق .م – 270 م ) وميكافيلي (1469- 1527 ) وفرنسيس بيكون  (   1561- 1626 م ) ورينيه ديكارت ( 1596-  1650 ) وجروتيوس (    1583-  1645 )  . ونظرا لنبوغه في البلاغة ؛ تم تعيينه أستاذا لعلوم البلاغة في جامعة نابولي  ؛وكان ذلك خلال عام 1697 . ولقد استمر فيكو في الكتابة والتأليف والإبداع الفكري حتي توفي في 23 يناير 1744 عن عمر يناهز  77عاما تقريبا .

ولقد كتب فيكو العديد والمراجع القيمة نذكر  منها ( في حدود معلوماتي التي وصلتني وقدرتي المحدودة علي الترجمة من اللغة الانجليزية )  .
1- أهم حكم الايطالين القدامي المكتشفة من أصول اللغة اللاتينية  On the Most Wisdom of the Italians Unearthed from the Origin of the Latin Language  ولقد صدر عام 1710 .
2- فن الخطابة أو البلاغة The Art of Rhetoric  ؛ ولقد صدر خلال عام 1711 .
3- في دراسة طرق واساليب عصرنا On the Study Methods of Our Time ؛ غير مذكور السنة .
4-   الحق الدولي أو العالمي Universal Right  ؛ غير مذكور السنة .
5-  العلم الجديد The First New Science ؛ ولقد صدرت طبعته الأولي خلال عام  1725 ؛ وهو الكتاب العمدة له ؛ وسوف يكون لنا وقفة تفصيلية عنده .
6- قصة حياته جياماباتيستا فيكو The Autobiography of Giambattista Vico >
7- في التعليم الإنساني On Humanistic Education.

وتوجد مجموعة كتب أخري مكتوبة باللغة الإيطالية لم أتمكن من ترجمتها .
أما عن كتابه  الأهم العلم الجديد The First New Science  ؛ فهو الكتاب العمدة له  ؛ ولقد ظهرت الطبعة الأولي لهذا الكتاب  عام 1725 ؛ ثم توسع وأضاف إليه  في عام 1730  ؛ولقد أودع فيكو في هذا اكتاب خلاصة فكره ونظريته في تطور الحضارة البشرية .

 وملخص هذه النظرية باختصار شديد هو أن الحضارات الإنسانية  قد مرت بثلاث  عصور رئيسية هي :-
1- العصر الإلهي a ege divin  :- ,ولقد أعتبر هذا العصر هو عصر طفولة الأمة ؛ حيث يؤله كل شيء وتكون السلطة فيه لرجال الدين .
2- عصر البطولة L age herique :- وفيه تسود القوي المادية وتظهر الأرستقراطية السياسية وعبادة الأبطال .
3- العصر الإنساني L age humain  :- وهو عصر المدنية وظهور الحريات السياسية والمعرفة العلمية .

ويري فيكو أن التاريخ يعيد نفسه بعد المرحلة الثالثة ( لمزيد من اتفاصيل راجع : عبد الحميد لطفي ؛ علم الأجتماع ؛دار المعارف ؛ القاهرة ؛ صفحة 247 ) .

والكتاب ينقسم إلي خمسة أبواب وتفصيلها كالتالي :-
1- الباب الأول ينقسم إلي 13  فصلا قصيرا ؛ وفيه يعرض فيكو المباديء العامة  التي ينوي المؤلف أن يسير علي أساسها .

2- الباب الثاني ينقسم إلي67 فصلا ؛ وفيه يؤكد فيكو أن "المهندس الإلهي " يحكم الأمم الوثنية علي أساس   ما أسماه "الحكمة العامة " التي تعتبر غريزة  مشتركة للجنس البشري ؛وبواسطتها يكشف الله عن غرضه دون تدخل خارجي .

3-  الباب الثالث ينقسم إلي 41 فصلا ؛ وفيه يحاول فيكو أن يفحص تطور الجنس البشري عن طريق دراسة تطور اللغات ؛ وتحديدا دور الأدب ؛فهو (من وجهة نظر فيكو ) . يلقي ضؤا فاحصا علي أخطر الاراء  الأساسية . أنه فرع من الفلسفة وسلاح ذو قوة قاطعة .

4- الباب الرابع :- ويتكون من خلاصة موجزة للكتاب  تغطي ثلاث صفحات ونصف صفحة فقط .

5- الباب الخامس والأخير :- وينقسم إلي 11 فصلا ؛ يليه خاتمة قصيرة عن الكتاب بأكمله ؛ويعرض فيهم للتاريخ اليوناني والروماني ويثبت اتطابق بينهما ؛ كما يعرض لتاريخ مصر ولغتها وديانتها ؛ والأشوريين ؛والفينقين (لبنان حاليا) . ثم يقدم تحليل مطول لأساطير الأبطال ؛وفيها يثبت نظريته عن سيادة العصر البطولي . وهو في كل هذه العروض يريد أن يثبت التطور الحضاري للبشرية مستمد من العقوبات  التي فرضت علي البشرية بعد خروجها من الجنة وهي :-

 1- الاحساس بالخجل           
2- حب الاستطلاع  .

وفي نهاية الكتاب يعرض فيكو خلاصة نظريته كلها في التطور الحضاري للبشرية ويلخصها في العبارة الآتية " إن للاديان دون غيرها القوة علي جعل الناس يقومون بالأعمال الفاضلة ؛

و بدون العناية الإلهية ؛لن يسود العالم سوي الخطأ والوحشية والعنف والفساد وإراقة الدماء  " . ( لمن يريد الإطلاع علي مزيد من التفصيل حول نظرية وكتاب فيكو ؛ يمكنه الإطلاع علي كتاب :- الفكر السياسي الغربي ؛ تأليف جون باول ؛ ترجمة محمد خميس ؛مراجعة د . راشد البراوي ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ 1985 ؛ الصفحات من 414- 425 ) .

ولقد قدم الدكتور  اسحق عبيد دراسة متكاملة حول فكر " فيكو " في كتابه " معرفة الماضي بين هيرودت وتوينبي "  يمكن تلخيص بعض ملامحها في النقاط التالية :-
1-ان بعض الفترات التاريخية ؛ حتي لو كانت   متباعدة زمنيا ؛ تجتمع في طابع واحد مميز ؛ فتاريخ الأغريق في العصر الهوميري كبير  الشبه بالعصور الوسطي الأوربية . ويطلق فيكو علي الفترتين " عصر البطولة " والعوامل المشتركة بين الفترتين هي ( نظم الحكم بواسطة ارستقراطية المحاربين – الاقتصاد القائم علي الزراعة – الأدب المليء بالملاحم  - الأخلاق القائمة علي مفاهيم الشجاعة والولاء ) .

2-أن هذه الفترات التاريخية المتشابهة  يتكرر حدوثها كثيرا ؛ فكل عصر بطولة يلحقه عصر كلاسيكي ؛ يتغلب فيه الفكر علي الخيال ؛ النثر علي الشعر ؛ الصناعة علي الزراعة ؛ اخلاق السلم علي أخلاق الحرب  .

3- إن هذه المسيرة التاريخية ليست مجرد حركة دوران للتاريخ في حقب  ثابتة متكررة ؛ فالتاريخ لا يعيد نفسه ؛ وانما هو يلتف حول كل مرحلة   في شكل جديد متمايز عما سبقه حتي لو كان هناك تمايز .

ثم يقدم " فيكو " خمسة محاذير  يجب تجنبها عند  كتابة التاريخ هي :-
1-خطر تعظيم صفحات الماضي أو الفترة التي ينكب الباحث علي بحثها ؛ مع الحرص علي عدم المبالغة .

2-خطر غرور القوميات ؛ ومحاولة نسبة كل ما عو عظيم إلي هذه الأمة أو تلك ؛ مع إخفاء ما علي   القوميات من أوزار تاريخية .

3-خطر معالجة المؤرخ للعصور السابق بروح التعامل مع هيئات كبار العلماء ؛ومدرجات الأكاديمين . أن القيم التي تحكم الكاتب الحديث تختلف عن قيم الجماعات والأفراد الذي يتصدي هذا الباحث للكتابة عنهم .

4-خطر القول بتتلمذ حضارة  علي أخري ؛ ذلك لأن هذا القول ينطوي علي إنكار للمقدرة  الإنسانية الخلاقة  التي هي من لوازم العقل البشري الجمعي ؛ والذي في مقدوره الوصول إلي التقدم دون مساعدة .

5-خطر التسليم أن الكتاب المعاصرين كانوا يعلمون عن  أحوال مجتمعاتهم  أكثر مما نعلم .

( لمزيد من الشرح والإيضاح راجع :-اسحق عبيد :- معرفة الماضي من هيرودوت الي توينبي ؛ دار المعارف ؛الطبعة الأولي ؛ 1981 ؛ الصفحات من 46 – 50 ) .

وبالطبع لقد تعرضت نظرية فيكو – مثلها مثل أي نظرية – للعديد والعديد من أوجه النقد  . ومن بين الكتب التي تعرضت لهذه النظرية بالنحليل والنقد نذكر منها كتاب "فلسفة التاريخ عند فيكو ؛للدكتورة عطيات أبو السعود ؛دار الفارابي ؛2006 وهو كتاب متوسط الحجم يقع في حوالي 246 صفحة .وكتاب فيلسوف التاريخ الإيطالي جيامباتيستا فيكو واتجاهات فلسفة التاريخ بعده ؛للدكتور محمد جلوب الفرحان ؛ وجميع الكتب التي تعرض  للمدارس الفلسفية الكبري ونخص بالذكر منها  فلسفة التاريخ ومناهج البحث التاريخي وتاريخ علم الاجتماع والعلوم السياسية ....... ألخ .

والجدير بالذكر أن الفيلسوف الفرنسي الشهير مونتسكيو ( 1689- 1755 )  كان يحتفظ في مكتبته الشخصية بنسخة من كتاب فيكو ؛ولقد أعترف بفضله وتاثيره عليه في معظم  كتاباته .

أما الفيلسوف الذي كان له أكبر فضل في اكتشاف وتقديم فكر وفلسفة فيكو  ؛فهو مواطنه الفيلسوف الإيطالي الشهير بنديتو كروتشي Benedetto Croce  ( 1866 – 1952 ) . وسوف يكون لنا وقفة مع كلا الفيلسوفين الكبيرين إن أراد الرب وعشنا .

بعض مصادر ومراجع المقالة :-
1- عبد الحميد لطفي :- علم الاجتماع ؛ دار المعارف ؛  صفحة 247 .
2- جون باول :- الفكر السياسي الغربي ؛ ترجمة محمد رشاد خميس ؛مراجعة  د .راشد البراوي ؛الهيئة المصرية للكتاب ؛1985  الصفحات من 414- 425 .
3-اسحق عبيد :- معرفة الماضي من هيرودوت إلي توينبي ؛ دار المعارف ؛ الطبعة الأولي ؛ 1981 ؛ الصفحات  من  46 – 50 .
4- بعض المواقع المتفرقة علي شبكة الأنترنت حول ( فيكو- فلسفة التاريخ ؛ مناهج البحث التاريخي – المدارس الفلسفية – تاريخ علم الاجتماع ........ الخ ).