حمدي رزق
من حسنات معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام الاحتفال بمئوية البابا «شنودة الثالث»، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية في مصر وسائر بلاد المهجر.
مفتتح معتبر لمئوية بابا العرب، نطلب لاحقًا احتفالية وطنية معتبرة، نحتفى بمَن أخلص لوطنه وفى القلب منه كنيسته الوطنية، البابا شنودة من عناوين مصر الكبيرة.
وُلِد باسم «نظير جيد روفائيل» في ٣ أغسطس ١٩٢٣، ورحل في ١٧ مارس ٢٠١٢، تاركًا كنيسة مصر عظيمة في عهدة راهب صالح، بابا مصر قداسة البابا «تواضروس الثانى». الكنيسة المصرية ولّادة لأنها بطن من بطون مصر الولود.
«مصر وطن يعيش فينا، ليس وطنًا نعيش فيه»، رحل قداسة البابا «شنودة الثالث» وظلت أيقونته الوطنية التي ورثها عن العظيم «مكرم عبيد» خالدة، ترددها أجيال المصريين من بعد رحيله جيلًا بعد جيل.
ما تبقى من سيرة «بابا العرب» كثير، أكثر من أن تُحصيه الأقلام أو الأفلام، حياة عريضة حافلة بالمواقف والأحداث الكنسية والوطنية جميعها تشير إلى «بابا استثنائى» في تاريخ الكنيسة المصرية.
خلال فترة توليه البابوية واجه «البابا شنودة» الكثير من الأحداث الجسام، التي كادت تعصف بالوطن، بدأت بعد توليه البطريركية بشهور فيما عُرف بأزمة «كنيسة الخانكة»، وأعقبها في السنوات التالية العديد من الأحداث الطائفية، كانت ذروتها حادث «الزاوية الحمراء»، التي شهدت هجومًا علنيًّا لأول مرة من الرئيس «السادات» ضد البابا في محفل عام.
وزاد من غضب «السادات» رفض «البابا شنودة» السفر معه إلى القدس عام ١٩٧٧، وإعلانه رفض الزيارة إلا بعد حل المشكلة الفلسطينية، وقال إنه لن يذهب إلى هناك إلا بصحبة شيخ الأزهر، وهو الموقف الذي كان محل تقدير من الجماعة الوطنية المصرية التي لقبته «بابا العرب»، وهو اللقب الذي كان يستملحه كثيرًا ويعتز به كثيرًا.
لعل عام ١٩٨١ كان فارقًا في حياة المصريين، اغتال الإرهابيون الرئيس الشهيد «السادات» في السادس من أكتوبر، كما كان فارقًا في حياة «البابا شنودة» وتاريخه عندما قرر عدم الاحتفال بعيد القيامة احتجاجًا على أحداث طائفية مروعة، ما أغضب السادات، الذي نقم على البابا، وعزله، وتحفظ عليه في دير الأنبا بيشوى، وتم تعيين لجنة من خمسة أساقفة لإدارة الكنيسة، وكان ذلك ضمن حملة اعتُقل خلالها أكثر من ١٥٠٠ من القادة الدينيين والسياسيين ضمن ما عُرف في توصيف طيب الذكر الأستاذ هيكل بـ«خريف الغضب».
لم يعترف المسيحيون ولا المسلمون بقرار الرئيس السادات، وظل في أعماقهم ووجدانهم أن البطرك «شنودة الثالث» هو البابا الشرعى للكنيسة، وبابا المصريين والعرب.
وبعد وفاة الرئيس «السادات»، أصدر الرئيس الراحل «مبارك» في عام ١٩٨٥ قرارًا وطنيًّا بعودة «البابا شنودة» إلى موقعه الكنسى مُكرَّمًا مُعزَّزًا، وكانت خطوة وطنية مُوفَّقة ترتبت عليها عقود من التفاهم والتناغم بين البابا والرئيس، وتحسنت العلاقة بين الكنيسة والدولة، وزادها «البابا تواضروس» عمقًا ورسوخًا.
وظل البابا شنودة، قدّس الله روحه، طوال عمره، حريصًا على مواقفه الوطنية والدفاع عن حقوق المسيحيين في قلب الجماعة المصرية حتى اللحظات الأخيرة في حياته، وعند وفاته انتحب الأقباط، وبكى المصريون جميعًا، كان الفقد عظيمًا، ورغم مرور عشر سنوات على رحيله الحزين، فإنه مازال حاضرًا رغم الغياب، واحتفالية معرض الكتاب خير شاهد على حب عموم المصريين لبابا العرب.
نقلا عن المصرى اليوم