عمرو الشوبكي
تشكلت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السودانى بعد مخاض عسير واحتجاجات ومواجهات دامية رفضت تشكيلها، واعتبرتها امتدادًا لما سبق، وتحديدًا لحكومة المالكى، كما اعتبر البعض الآخر أنها تنطبق عليها مقولة المرجعية الدينية «لا يجب تجريب المُجرّب».
ومع ذلك تحركت الحكومة على المستوى الخارجى بشكل جيد، وزار رئيسها الولايات المتحدة وعواصم أوروبية مهمة، كما اتخذ بعض الإجراءات في مواجهة الفساد وسوء الإدارة الداخلية، وهو مطلب رفعه المحتجون طوال السنوات الثلاث الماضية.
ومع ذلك يبقى التحدى الأساسى الذي ستواجهه هذه الحكومة هو في قدرتها على نزع سلاح الميليشيات المسلحة ووضعه في يد الدولة، وهو التحدى الذي فشل فيه سابقه مصطفى الكاظمى رغم أنه كان قادمًا من مؤسسات الدولة ولم ينتمِ إلى الأحزاب القائمة وميليشياتها.
إن هيمنة التنظيمات الدينية على العملية السياسية ومنظومة الحكم في العراق، وإجهاض المحاولات المدنية لتغيير هذه المعادلة، كما حدث مع الحراك الشعبى السلمى منذ عامين، الذي واجهته بكل الوسائل تنظيمات وميليشيات المحاصصة الطائفية، دليل على عمق أزمة منظومة الحكم في العراق.
وقد تكون تجربة مقتدى الصدر في العراق وتنظيمه الدينى/ السياسى لافتة في هذا الإطار، فالرجل لديه تنظيم منضبط وعقائدى دخل به المجال السياسى، وخاض الانتخابات البرلمانية التي جرت في أكتوبر 2021 وحصل على أغلبية برلمانية، ولكنه فشل في تشكيل الحكومة، واتخذ قرارًا غير مسبوق في تاريخ النظم السياسية، وهو استقالة كل نوابه من البرلمان، بدلًا من ترك منافسيهم يشكلون الحكومة ويعارضونها كما تفعل كل الأحزاب المدنية.
والحقيقة أن فكرة التنظيم الدينى النقى والمحصن، الذي يعد أنصاره بمجتمع مثالى على الأرض وجنة في السماء، وفى سبيل ذلك يرفض محاسبته أو نقده باعتباره ظل الله في الأرض فشلت، وكانت نتائجها كارثية على كل المجتمعات شرقًا وغربًا.
والحقيقة أن أزمة العراق منذ الغزو الأمريكى في ٢٠٠٣ مركبة، فلا يزال البلد يعانى من التدخلات الخارجية، خاصة من إيران، كما فشلت نخبة ما بعد الاحتلال الأمريكى في تحقيق إنجازات اقتصادية تُذكر رغم ثراء موارد البلد الطبيعية والبشرية، كما لم تتخلص مؤسسات الدولة من تأثير الأحزاب الطائفية التي فرضت نظام المحاصصة على حساب الكفاءة والمهنية.
مهمة الحكومة الجديدة صعبة رغم أن الرئيس الجديد لديه سمعه طيبة ونوايا حقيقية لمحاربة الفساد، وتبقى المشكلة أن الفساد في العراق مثل كثير من الدول العربية ليس مجرد فساد أفراد مطلوب محاسبتهم، إنما هو فساد منظومة كاملة يجب تفكيكها، وفى الحالة العراقية فإن هذه المنظومة تشكلت من أحزاب وميليشيات نافذة ومخترقة لمؤسسات الدولة بل مسيطرة على بعض مفاصلها، وهو ما يصعب من مهمة الرجل الذي جاء بدعم تحالف حزبى من داخل هذه المنظومة.
نقلا عن المصرى اليوم