ياسر أيوب
فى 19 أغسطس 1974 .. وبعد سباحة فى بحر المانش بدون توقف دامت 12 ساعة و30 دقيقة .. نجحت عبلة خيرى فى الوصول إلى الشاطىء الفرنسى عند منطقة اشتهرت باسم صخور الدم .. ولم تتوقع عبلة التى كانت لا تزال فى الثالثة عشر من عمرها كل هذا الصخب والضجيج والكاميرات والصحفيين الذين كانوا فى انتظارها .. ولم تعرف لحظة وقوفها على الشاطىء أنها أصبحت أصغر سباحة فى العالم تعبر المانش .. وعادت عبلة بالمركب إلى شاطىء دوفر الإنجليزية مرهقة وخائفة وسعيدة أيضا .. ولن تنسى بعد ذلك مطلقا كيف كانت رحلتها الطويلة فى الماء حافلة بالمخاوف خاصة وهى تواصل السباحة فى ظلام الليل .. وكيف أصرت بالعناد المصرى الجميل أن تستكمل رحلة التحدى مهما كان التعب وأيا كان الثمن .. وعند الشاطىء الإنجليزى .. حاصرت الصحافة البريطانية الفتاة المصرية الصغيرة تلتقط لها الصور وتسألها عن دوافعها ومشاعرها وأين تعلمت السباحة ومتى قررت عبور المانش وهل كانت تحلم أو تتوقع يوما يأتى ستصبح فيه أصغر سباحة فى العالم تعبر المانش ..
فقبل عبلة كانت الأصغر هى السباحة الأمريكية ليونورو موديل التى عبرت المانش فى 1964 وهى فى الرابعة عشر من عمرها وثلاثة أشهر .. ونجحت عبلة وهى أصغر بأكثر من عام وفى زمن أقل بثلاث ساعات أيضا وظلت عبلة هى الأصغر حتى 1983 .. ووسط ذلك كله .. فوجئت عبلة أيضا بتهنئة من الرئيس أنور السادات الذى استقبلها أيضا حين عادت إلى مصر فى استراحة المعمورة مؤكدا أنها رفعت رأس مصر عاليا فى عالم الرياضة وتمنى لها المزيد من الانتصارات .. ومنحها الرئيس أيضا وسام الرياضة من الطبقة الأولى لتصبح أصغر الفائزين بهذا الوسام فى تاريخ مصر .. وإذا كانت عبارة .. دى مصر عبلة .. التى قالها محمود ياسين لمديحة كامل فى نهاية فيلم الصعود إلى الهاوية قد أصبحت من أشهر عبارات السينما المصرية والواقع الاجتماعى المصرى .. فلابد من تغيير معنى هذه العبارة والقصد منها أيضا .. وبدلا من أن تبقى جملة قيلت لإمرأة مصرية خانت بلادها أصبح من الضرورى أن تقال عن فتاة كانت وستبقى هى وحكايتها اختصارا لمعان كثيرة فى مصر ..
ففى هذه الحكاية عبلة خيرى كفتاة مصرية صغيرة وجميلة وعنيدة تعلمت السباحة فى نادى الجزيرة وأصبحت تحلم بعبور المانش .. وإيناس حقى كأم مصرية عظيمة وسباحة عالمية أيضا منحت حياتها وتفرغت لرعاية بناتها الثلاثة بعد وفاة الزوج والأب الذى كان الفنان الكبير عادل خيرى .. وعبد اللطيف أبو هيف صاحب لقب سباح العالم فى القرن العشرين الذى كان أول من وقف بجوار عبلة وشجعها حين لم يصدق آخرون أنها تستطيع تحقيق هذا الحلم .. ومصطفى أمين كصحفى مصرى كبير تعاطف مع فتاة مصرية حالمة فقرر أن تتحمل أخبار اليوم كل نفقات رحلة تحقيق الحلم .. ومن أجل ذلك كله .. باتت عبلة خيرى هى الأولى والأحق بعبارة .. دى مصر يا عبلة.
نقلا عن المصرى اليوم