محرر الأقباط متحدون
الصلاة، الجماعة، النزاهة، المغفرة، الخدمة. خمس نصائح وجهها البابا فرنسيس إلى الشباب الكونغوليين داعيا إياهم إلى ربطها بأصابع اليد الخمسة، وذلك من أجل المستقبل الذي يحلمون به والذي يمكن بناؤه بأيديهم. جاء هذا خلال لقاء الأب الأقدس صباح اليوم الخميس الشباب ومعلمي التعليم المسيحي في استاد الشهداء في كنشاسا.
في صباح ثالث أيام زيارته الرسولية إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية التقي قداسة البابا فرنسيس في استاد الشهداء في كنشاسا اليوم الخميس أعدادا كبيرة من الشباب ومعلمي التعليم المسيحي. وقد بدأ اللقاء بالترحيب بالأب الأقدس بالغناء والرقص ثم وجه رئيس لجنة العلمانيين في مجلس أساقفة الكونغو كلمة حيا فيها البابا وشكره، كما وتحدث عن الشباب وتطلعاتهم ومشاكلهم وشدد على أهمية عمل معلمي التعليم المسيحي في هذا البلد رغم ما يواجهه من تحديات ومصاعب. ثم قدم شاب ومعلم تعليم مسيحي شهادتيهما.
وفي كلمته إلى أكثر من ٦٥ ألف شخص أراد البابا فرنسيس التأكيد على الفرق بين شد الأيادي وإغلاقها لتصبح قبضة لتوجيه اللكمات، وفتحها ومدها لمساعدة الآخرين وخدمتهم. وأكد أن "هنا يكمن الخيار الأساسيّ، منذ العصور القدّيمة، منذ هابيل الذي قدّم ثمار عمله بسخاء، بينما "رفع قايِنُ يده على أَخيه فقَتَلَه" (تكوين 4، 8)". وفي حديثه إلى الشباب الذين يحلمون بمستقبل أفضل هو بأياديهم توقف البابا فرنسيس عند ما وصفها ببعض ”المكوِّنات للمستقبل“ وهي خمسة، يمكنكم أن تربطوها بعدد أصابع اليد، قال قداسته.
وبدأ البابا الحديث عن الإصبع الأول، الإبهام، فقال إنه "الإصبع الأقرب إلى القلب، تقابله الصّلاة، التي تجعل الحياة تنبض. وتابع أن الصلاة "قد تبدو شيئا مجردا، بعيدا كلّ البعد عن واقعيّة المشاكل. لكنها المكوّن الأوّل، ذلك الأساسيّ، لأنّنا وحدنا لا نستطيع أن نعمل شيئًا. لسنا قادرين على كلّ شيء، وإذا اعتقد أحدٌ أنّه كذلك فإنه يفشل فشلا ذريعا. إنّه يصبح مثل شجرة اقتُلعت من جذورها: حتّى لو كانت كبيرة وقويّة، لا يمكنها أن تقف وحدها. لهذا نحتاج إلى أن نتجذّر في الصّلاة، في الإصغاء إلى كلمة الله، التي تُمَكننا من النمو في العمق كلّ يوم، ونؤتي ثمرًا، ونحوّل التلوّث الذي نتنفسه إلى أكسجين مُحيِي". وواصل البابا: "للقيام بذلك، كلّ شجرة تحتاج إلى عنصر بسيط وأساسيّ: الماء. إذن، الصّلاة هي”ماء النّفس“: الصّلاة متواضِعة، لا تُرَى، لكنّها تعطي الحياة. مَن يُصلي ينضج في داخله ويعرف كيف يرفع نظره إلى الأعلى، متذكرا أنّه خُلِقُ من أجل السّماء". كما ودعا قداسته الشباب إلى التوجه إلى يسوع لا ككائن بعيد مثير للخوف، بل كالصديق الأكبر الذي قدّم حياته من أجلك. وقال: "هو يعرفك ويثق بك ويحبّك، دائمًا. حين تنظر إليه معلّقًا على صّليب ليُخلصك، ستفهم ما هي قيمتك بالنسبة له. يمكنك أن توكل إليه، ملقيا بها على صليبه، صلبانك، مخاوفك وهمومك. فهو سيعانقها. لقد فعَلَ ذلك قبل 2000 سنة، وهذا الصّليب، الذي تحمله اليوم، كان منذ ذلك الوقت جزءًا من صليبه. فلا تخَفْ أن تأخذ المصلوب بين يديك وتَشُدَّه إلى صدرك، وتسكب دموعك على يسوع. ولا تنسَ أن تنظر إلى وجهه، وجه إله شاب حيّ وقائم من بين الأموات". وأضاف البابا أن الله "يحبّ هذه الصّلاة الحيّة الملموسة النابعة من القلب، وهكذا يتدّخل، يدخل في ثنايا الحياة بطريقة خاصّة، يأتي ”بقوّة سلامه“ والتي لها اسم هو الرّوح القدس الذي يعزّي ويحيِي. فهو محرّك السّلام، قوّة السّلام الحقيقيّة. ولهذا فإنّ الصّلاة هي أقوى سلاح موجود. فهي تنقل إليك طمأنينة الله ورجاءه، تفتح أمامك دائمًا فرصا جديدة، وتساعدك على التّغلّب على المخاوف".
وفي حديثه عن الإصبع الثاني، السّبابة قال البابا إنه الإصبع الذي نشير به إلى شيء ما للآخرين. وتابع: "الآخرون، الجماعة، هذا هو المكوّن الثاني. أيّها الأصدقاء، لا تدعوا شبابكم تُفسده الوحدة والانغلاق. فكّروا دائمًا معًا فتكونوا سعداء، لأنّ الجماعة هي الطّريق كي تكون راضيًا وأمينًا لدعوتك. أمَّا الخيّارات الفردانية، فإنّها تبدو في البداية مغريّة، لكنّها تترك بعد ذلك فراغًا كبيرًا في داخلك". ودعا الأب الأقدس الشباب إلى تفادي الانخداع بجنَّات زائفة، مبنية على المظاهر والمكاسب السّهلة أو على تّدين مشوّه. كما وحذر البابا من تجربة توجيه أصبع الاتهام إلى أحد ما، وإقصاء أحد لأنّه من أصل مختلف عن أصولكم، قال قداسته، وتابع: "احذروا روح الإقليميّة، والقبليّة التي تبدو وكأنها تقويكم في مجموعتكم، ولكنّها إنكار للجماعة. تعرِفون كيف يحدث ذلك؟ أوّلًا نصدّق الأحكام المسبقة عن الآخرين، ثم تبرَّر الكراهية، وبالتالي العنف، وأخيرًا نجد أنفسنا في حرب. لكني - أتساءل - هل تكلّمتَ يومًا إلى أشخاص من مجموعات أخرى أم أنّك كنت دائمًا منغلقًا في مجموعتك؟ هل سبق لك أن استمعت إلى قصص الآخرين، وهل اقتربت من معاناتهم؟ بالتّأكيد، الحكم على شخص أسهل من فهمه. لكن الطّريق التي يشير إليها الله لبناء عالم أفضل، تمرّ بالآخر، بالجماعة. أن نكون كنيسة، أن نوسع الآفاق، أن نرى في كلّ واحد قريبنا، ونعتني بالآخر". وللشعور بالجماعة طلب البابا من الأعداد الكبيرة من الحاضرين أن يمسك أحدهم بيد الآخر ويشعر كلُّ بنفسه "جزءً من جماعة واحدة وكنيسة واحدة وشعب واحد، وأن خير كل منهم يعتمد على خير الآخرين وأن هناك مَن يحرسه، هناك أخ وأخت يعتني به ويقبله". كما ودعا إلى المسؤولية عن الآخرين ومعهم، وأضاف أن كل شخص مدعو إلى أن يكون "خالق شركة، وبطل أخوّة، وحالِمًا لا يُقهر بعالم أكثر وحدة".
ربط الأب الأقدس بعد ذلك الإصبع الثالث بالنزاهة والصدق وقال في هذا السياق: "أن نكون مسيحيّين هو أن نشهد للمسيح. الطّريقة الأولى لفعل ذلك هي أن نعيش باستقامة، كما يريد هو. هذا يعني ألّا نترك أنفسنا نَقَع في أشراك الفساد. لا يمكن للمسيحيّ إلّا أن يكون صادقًا، وإلّا فهو يخون هويّته". وتوقف البابا هنا عند آفة الفساد التي تتناقض مع الصدق والنزاهة ودعا الجميع إلى نبذه. ولهزيمة الفساد ذكَّر البابا فرنسيس بكلمات القديس بولس "لا تَدَعِ الشَّرَّ يَغلِبُكَ، بلِ اغلِبِ الشَّرَّ بِالخير".
ثم تابع قداسة البابا: "وصلنا إلى الإصبع الرابع، وهو البِنْصَر، فيه يوضع خاتم الزّواج. ولكن، إن فكّرتم في الأمر، البِنْصَر هو أيضًا الإصبع الأضعف، والذي يواجه صعوبة أكثر في أن يرتفع. يذكّرنا أنّ أهداف الحياة الكبيرة، وفي المقام الأول المحبّة، تمرّ عبْر الضّعف، والمتاعب والصّعوبات، لكن في ضعفنا، وفي أزماتنا، ما هي القوّة التي تجعلنا نمضي قدمًا؟ إنّها المغفرة. وأضاف أننا لكي نخلق مستقبلًا جديدًا، نحن في حاجة إلى أن نمنح المغفرة وأن نحصل عليها.
وأخيرا كان الحديث عن الإصبع الخامس وهو الأصغر، وقال البابا فرنسيس إن "الصِّغَر بالتّحديد، أن نكون صغارًا، هو الذي يجذب الله. هناك كلمة مفتاح في هذا المعنى، وهي: الخدمة. مَن يخدم يجعل نفسه صغيرًا مثل بذرة صغيرة، تبدو أنّها تختفي في الأرض، لكنّها تؤتي ثمارًا. بحسب يسوع، الخدمة هي القوّة التي تحوّل العالم". ودعا قداسته كل شاب وشابة إلى التساؤل ماذا يمكنني أن أفعل من أجل الآخرين؟ كيف يمكنني أن أخدم الكنيسة، وجماعتي، وبلدي؟ وقال للشباب: "لا تخافوا أن تتحرّكوا من أجل الخير، وأن تستثمروا في الخير، في إعلان الإنجيل، معدين أنفسكم بشغف وبشكل ملائم، أَحيُوا مشاريع منظّمة، وطويلة الأمد. لا تخافوا أن تُسمِعُوا صوتكم، لأنّه ليس المستقبل فقط بين أيديكم، بل اليوم أيضًا: كونوا في وسط الحاضر!".