زهير دعيم
صُدمْتُ ، صُعقْتُ ، تزعزعتُ فالحَدَث عنصريٌّ وأكثر ؛ موجع ، مؤلم ، يتسربل بالحقارة والتكبّر الاجوف والنّظرة الاستعلائية المقيتة.
كلّ هذا حدث في مستشفى " هعيمِك " في مدينة العفولة يوم الثلاثاء الفائت ، حيث وضعت أمّ نصراوية زوجة طبيب مولودها الثالث وادخلوها توًّا الى غرفة هناك ، حيث تواجدت سيدة يهودية ، فما أن سمعت تلك السّيّدة أن الامّ القادمة بعد الولادة تتحدّث مع زوجها باللغة العربية ، حتى " قامت قيامتها ولم وتقعد" فانتفضت وبدأت تصرخ وتطالب وتقول أنّها لا تريد أن تتقاسم غرفتها !!! مع امرأة عربية، فراحت تصرخ وتصرخ حتى ملأت المشفى صراخًا فجاءت إدارة المشفى لائمة ورافضةً طلبها قائلة :
هنا يا سيدتي مستشفى وليس فندقًا !
والعائلة العربية ذاهلة وصامتة..
ولم ترض تلك " المستورة" واستمرت بالصّراخ والليل في منتصفه، ناسية انها ولدت على ايدي أطباء وممرضين اكثرهم عربًا ، فقرّر الطبيب وزوجته أن يتركا الغرفة طوعًا لينتقلا الى غرفة أخرى .
ما أحلاه من طبيب ... اسمعوه يقول لوسائل الاعلام التي تناقلت الخبر :
كُنّا سنكون فرحين وسعيدين بوجودنا مع أناس آخَرين في غرفة واحدة. موقف المستشفى كان رائعًا .
وتابع قائلًا : لا نحمل في قلوبنا ضغينة أو شيئًا سيئًا ضد هذه المرأة بل نتمنّى لها ولغيرها صحةً وسلامًا.
واستطرد قائلًا : إنّه حَدَث صغير ولكنه ترك صرخة صارخة مُدوّية في القلب.
إنّه ليس الحادث الوحيد في البلاد ، فقد فعلتها في عام 2016 امرأة وزير المالية سموتريتش الذي كان آنذاك عضوًا في الكنيست ، فرفضت التواجد بالغرفة مع امرأة عربية .
وعلّل آنذاك عضو الكنيست سموتريتش على ذلك قائلًا : امرأتي ليست عنصرية ولكنها تريد أن ترتاح فالأمهات العربيات يحتفلن بولادتهن مع عائلاتهنّ احتفالًا ، ثم استدرك قائلًا في الحقيقة لا يتوقف الامر هنا، فالكل يعلم أن هناك حرب بيننا وبينهم، ومن الطبيعيّ ان ترفض زوجتي ، فمن يدري فقد يقتل بعد عشرين سنة الطفل العربيّ هذا ابننا !
تخيّلوا معي لو أنّ سيّدة يهودية وضعت مولودها في مستشفى في مدينة لشبونة البرتغالية او في أمستردام الهولندية ورفضت امرأة مسيحية هناك ان تشاركها المرأة اليهوديّة غرفة المشفى ، لقامت الدنيا ولمّا تقعد حتى الآن ولهدرت وسائل الاعلام الاسرائيلية هدرًا ملأ الآفاق .
ثمّ تخيّلوا معي لو أن عضوًا في الكونغرس الأمريكي او في أي مكان في أوروبا او العالم ، صرخ وتلفّظ وعبّرَ كما عبّر وزير ماليتنا سموتريتش حين كان عضوًا في البرلمان الاسرائيليّ.
اشفق على هؤلاء البَّشَر وأُصلّي من اجلهم لعلّ ربّ السّماء يفتح عيون قلوبهم ، فيعرفوا أنّ الانسان أيًّا كان لونه وقوميته ودينه ورأيه هو أخ وخليقة الله .. نعم ولن تقنعنني يا هذا بأنّك تحبّ ربّ السماء ولا تحبّ أخاك الانسان الذي يسكن بجانبك حتى ولو كان يعبد الحجر!
وأمّا للدكتور الجميل وسيم روك – والذي لا أعرفه شخصيًّا – فأزفّ له ولزوجته اضمامة فلّ ونسرين بمناسبة قدوم المولود الثالث كما وأزفّ مثلها للمولود اليهودي .
ولا يسعني إلّا أن أزجي للدكتور وسام قصيدة جميلة حُبلى بالمحبة ، عابقة بشذا التقدير ، مُتسربلة بسربال الإنسانية الزّاهي وأقول :
رفعْتَ رأسنا يا رجل ... رفعْتَ رأس الإنسانية عاليًا وقزّمْتَ من حيث لا تريد ولا ترغب أولئك المُتعالين والناظرين من علٍ على البشر ؛ هؤلاء المُتعالين الذين يذكر التاريخ قبل ألفيْن ونيّف من السّنين كيف أن اجدادهم أكلوا وشربوا وشفوا وصرخوا بعد يومين : ليُصلَب ... ليصُلب .