مدحت بشاي
قد يكون الاستخدام الأكثر شيوعًا لمصطلح «التعبئة» فى أزمنة الحرب والتى تشير إلى ضرورة الذهاب إلى «حشد» القوى العسكرية أو المدنية أو الإعلامية وفق مخطط علمى ووطنى لدعم الكفاءة البشرية لتحقيق أهداف الدخول فى أى معركة أو نزال تخوضه الجهة التى تحلم بتحقيق النصر أو الفوز العظيم.
ولعلنا ونحن نحلم بتحقيق ثورة ثقافية دعانا إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ اليوم الأول لتوليه حكم البلاد، لا يفوت فرصة حضور مناسبة يلتقى فيها الجماهير دون الإشارة لأهمية الذهاب لإنشاء خطاب إصلاحى ثقافى وإعلامى ودينى، وتأتى دعوته الأخيرة لاستنفار أهل الإبداع الدرامى لإنتاج دراما تعظم من قيم الوفاء والانتماء والولاء والوطنية أثناء مشاهدته عرضا فنيا فى إطار احتفال وزارة الداخلية بعيد 25 يناير امتدادًا ومواصلة لبث رسائله الموجهة لأهل الإبداع، قال «بشكر المجموعة كلها.. وعايز أقولكم إننا محتاجين اللى انتوا عملتوه ده.. لو طلع حتى مسلسلات كل مسلسل 5 حلقات لكل شخصية من الشخصيات اللى انتوا ذكرتوها هتعرفوا الناس إن البلد دى طول عمرها ولادة للأبطال والرجال اللى الظروف قدمتهم، بس الناس ما تعرفهومش، وإن كانت عرفتهم ساعتها ما تعرفهومش دلوقتى...».
أما التعبئة الثقافية التى أرى أهمية أن تحتشد لدعمها كل مؤسسات الدولة فى تلك المرحلة، فالمقصود بها تعبئة المجتمع فكريًا وتنويريًا، فتوسيع مساحات وفضاءات المعرفة فى زماننا وظروفنا الحالية يعد حاجة ضرورية ومستدامة، لاسيما عندما يتعرض أمن وسلام حاضر الدولة والشعب للخطر الخارجى أو الداخلى عند مواجهة من لديهم منظومات فكرية سلبية تتاجر بالأديان وترتدى بشكل خادع أقنعة التدين الشكلى..
تذهب الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فى كتابها «شخصية مصر»، الصادر عقب نكسة 1967، إلى أنه: «حين تقف آثار المجد المصرى مستقرة ثابتة، شامخة لا تنال منها الأحداث أو الناس أو الزمن نفسه، يتحايل نفر على قلب الحقائق حتى يجدوا ثغرة إلى النفس المصرية تهز ثقتها أو تشككها فى ذريتها، والمصريون يواجهون مثل هذه الحملات أو التحديات بالدفاع أو الصمت»..
سؤال افتراضى: هل من الممكن أن تقوم الدولة بدعوة نخبتها ومجموعة من الخبراء لاجتماع عاجل وجلسة عرب بالمفهوم الفولكلورى وذلك لاتخاذ القرارات وسن التشريعات بدعوة مجلس النواب أن يضع أطرًا ومحددات لسلوكيات المواطن وأخلاقياته، وتوزيع المهام على الوزارات والهيئات والأجهزة المعنية ليتشارك الجميع فى تلقين الناس بشكل فوقى سلوكيات وأخلاقيات وردود أفعال سابقة التجهيز؟!!!
الإجابة: بالطبع لا.. هناك ــ للأسف ــ أداء اجتماعى يصدر عن ثقافة اجتماعية تشكلت وتكلست أساسياتها حتى صارت مكونًا لعادات وتقاليد يومية تمارس ببساطة ودون إبداء أى حرج ملحوظ!!
اليوم تنتشر فى البلاد تداعيات ثقافة اجتماعية أنتجها المجتمع وتشكل متغيرات فى التركيبة الخاصة السابقة للمواطن المصرى.. والتى من بينها كأمثلة وعناوين:
■ السهر إلى ساعات متأخرة فى الليل وبداية يوم العمل فى وقت متأخر..
■ افتقاد روح العمل بإتقان وجودة وجماعية، حتى باتت هناك تخوفات لدى الجهات الساعية للحصول على علامات الجودة أن يذهب المشرفون على إدارة تلك المنظومة إلى اللجوء لحيل فهلوية لاستيفاء الأوراق واستكمال الإطار المظهرى للحصول على شهادة للجودة عن غير استحقاق..
■ انتشار جرائم الغش بكل نوعياتها ومجالات تفعيلها ووجودها وتعدد أعمار ممارسيها..
■ انتشار ممارسات العنف ضد المرأة وضد الطفل بأشكال وصور جديدة غير مسبوقة..
■ التعصب والتنمر والتمييز والكراهية والتطرف والعبث بالمال العام وإهدار الوقت والحرص على الإثراء السريع دون استحقاق وتفعيل علوم الفهلوة والدجل والتزييف وغيرها..
وفى النهاية تعد كل تلك الظواهر وتناميها مع وجود ظاهرة التناسل الهوجائى الذى يجتاح كل جهود دعم التنمية، فى تعبير عن الثقافة الاجتماعية السلبية المحفزة على الإنجاب دون إعمال معايير العقل التى تقيم إمكانيات البلد.
نقلا عن المصرى اليوم