مدحت بشاي
معلوم أن الثقافة '> الثقافة اﻹيجابية وانتشار تفعيلها تُمثل آلية رافعة وداعمة للأفكار النيرة المنتجة لا السوداوية العاجزة الفاشلة، كما أنها تؤسس وتدفع في اتجاه ازدهار ثقافة الجمال في اللغة والكلام والحوار ومهارات الاتصال وغيرها، وهى قادرة على تأمين سبل النجاح والعبور إلى مسارات التقدم.
وهنا، هل لنا أن نسأل سؤالًا افتراضيًّا: هل من الممكن أن تقوم الدولة بدعوة نخبتها ومجموعة من الخبراء إلى اجتماع عاجل وجلسة عرب بالمفهوم الفلكلورى وذلك لاتخاذ القرارات وسن التشريعات بدعوة مجلس النواب لأن يضع أطرًا ومحددات لسلوكيات المواطن وأخلاقياته؟!!!.
بالطبع لا يمكن الذهاب إلى مثل تلك الأشكال النظرية، فهناك- للأسف- أداء اجتماعى يصدر عن ثقافة اجتماعية تشكلت وتكلست أساسياتها حتى صارت مكونًا لعادات وتقاليد يومية تُمارس ببساطة ودون إبداء أي حرج ملحوظ!!.
وبالتأكيد للثقافة الاجتماعية ارتباط وثيق بالقيم الأخلاقية، وذلك عبر ممارسات تعارفنا عليها كعادات وسلوكيات مميزة لمجتمع عاش مواطنوه متغيرات مؤثرة على الجوانب النفسية والعاطفية والاجتماعية، ولم تفلح- في الغالب الأعم- المنظومات المُعَدة للتنشئة والتعليم والتربية السلوكية في التعامل الإيجابى معها بالتهذيب ووضع الأسس العلمية للتصدى لانتشار القيم المنحرفة وتفشى الجرائم المجتمعية.
لابد من خلخلة هذه الثقافة، إن حالة الانسداد المجتمعى باتت تنذر بمخاطر وتبعات مؤلمة.
لقد تأسست الخصوصية المصرية على مدى التاريخ الحديث في لعب المثقف دوره في بناء الدولة وأجهزتها وإدارتها، وفى ممارسة دوره النقدى للظواهر السياسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية السائدة، وهى خصوصية مصرية بامتياز ينبغى التأكيد على تفعيل استمراريتها بنجاح.
وقد تابعت بإعجاب الحلقة الأخيرة من برنامج «المشهد» الأسبوعى على فضائية «تن» والحوار البديع والمهم بقيادة المفكر والأكاديمى «عبدالمنعم سعيد» ونخبة رائعة من أهل الفكر المستنير حول دور المثقف والنخب المستنيرة في تكوين والتأسيس لما يمكن أن نطلق عليه «المناعة الثقافية» للوقاية من تداعيات جراثيم التخلف والفكر الرجعى والظلامى والوقوف على سبل نشر منصات إطلاق استضاءات التنوير والوعى بمعطيات واقع يحتاج منّا جميعًا حشد الجهود المتواصلة لتحقيق التقدم.
لقد بتنا نعانى افتقاد روح العمل بإتقان وجودة، وظلت هناك تخوفات لدى الجهات الساعية للحصول على علامات الجودة أن يذهب المشرفون على إدارة تلك المنظومة إلى اللجوء لحيل فهلوية لاستيفاء الأوراق واستكمال الإطار المظهرى للحصول على شهادة للجودة عن غير استحقاق.
أيضًا، هناك انتشار ملحوظ لممارسات الغش بكل نوعياته ومجالات تفعيله ووجوده وتعدد أعمار ممارسيه. في الشارع والبيت والنادى والمؤسسات بتنا نعانى ظاهرة العنف ضد المرأة والطفل بأشكال وصور جديدة غير مسبوقة.
نعانى مظاهر التعصب والتنمر والتمييز والكراهية والتطرف والعبث بالمال العام وإهدار الوقت والحرص على الإثراء السريع دون استحقاق وتفعيل علوم الفهلوة والدجل والتزييف وغيرها.
وفى النهاية تُعد كل تلك الظواهر وتناميها مع وجود ظاهرة التكاثر الهوجائى الذي يجتاح التنمية، في تعبير فاضح عن عدم اتساق الثقافة '> الثقافة الاجتماعية الداعمة لفكرة الإنجاب بأعداد غير محدودة مع معايير العقل التي تقيم إمكانيات الدولة، ويحقق فائض التخلف هذا في تشكيل مجتمع الممارسات الفاسدة، وليتحول الفساد نفسه إلى جزء من الثقافة '> الثقافة الاجتماعية، تدافع هذه الثقافة '> الثقافة عنه ساهية عن سلبياته وكوارثه البشعة.
يا نخبتنا المثقفة.. يا مؤسسات المجتمع المدنى.. يا أحزاب.. يا مراكز البحوث واستطلاع الرأى.. يا إعلام الوعى والتوعية.. يا شباب التواصل الاجتماعى.. يا مؤسساتنا الدينية.. يا مؤسسات الثقافة.. يا صناع الدراما.. يا كل أهل الإبداع.. أظنكم جميعًا تتابعون ازدياد مساحات القبح في الشارع المصرى.. أرجوكم وباسم الأجيال القادمة العمل الجاد وبتعاون منجز لتشكيل منظومة وطنية للدعوة إلى عودة القيم الإيجابية النبيلة.. إنها معركة مهمة ومشوار ضرورى ينبغى الوصول إلى نهايته بكل سرعة وحماس.
نقلا عن المصري اليوم