د. سامح فوزى
يعيش السودان حالة من الترقب حول آفاق التسوية الشاملة التى تُخرجها من الأزمة الممتدة منذ شهور طويلة. فقد تبين خلال الأسابيع الماضية أن الاتفاق الاطارى الذى وقع بين المكون العسكرى وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزى) فى 5 ديسمبر 2022 بهدف الخروج من الحالة الاستثنائية التى تمر بها البلاد منذ 25 أكتوبر 2021، لا يزال  ينقصه توافق أوسع، حيث ظلت قوى عديدة مؤثرة خارج الاتفاق مثل قوى الحرية  والتغيير (الكتلة الديمقراطية)، وبعض لجان المقاومة، وغيرها. أكدت ذلك تصريحات الفريق شمس الدين الكباشى عضو مجلس السيادة أمام حشد شعبى فى كردفان ـ منذ أيام ـ أن الاتفاق وقعته بعض القوى السياسية، ولا يمثل ذلك الحد الأدنى المعقول والمقبول لتحقيق الاستقرار السياسى والاقتصادى والأمنى، وأضاف أن الجيش لن يحمى دستورًا غير متوافق عليه، داعيًا الموقعين على الاتفاق إلى توسيع صدورهم، وقبول دخول أطراف أخرى حتى يحدث توافق. وتتفق هذه التصريحات مع ما سبق أن أكده الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة من أن الاتفاق الاطارى يصب فى مصلحة السودانيين دون إقصاء لأحد، وذكر أن «الاقصاء لن يبنى دولة».

يعانى السودان منذ فترة تشرذم القوى السياسية، وتعدد مواقفها تجاه المستقبل السياسى للبلاد. ويُعد ذلك أحد التحديات التى تصيب السياسة فى الدول التى تمر بمراحل انتقالية، وتحتاج دائما إلى التوافق العام. ويمثل الاستيعاب شرطًا أساسيًا لبناء نظام سياسى مستقر، فى حين أن النقيض، أى الاستبعاد، يجعل النظام السياسى  يعانى  دائما غياب التوافق الذى هو شرط جوهرى لتحقيق التنمية، والنمو الاقتصادى، وتطوير نوعية الحياة. وبالمناسبة، لم  يعد الاستيعاب  مصطلحًا  سياسيًا حصريًا، بل صار حاضرًا فى سياقات أخرى. هناك حديث عن النمو الاستيعابى، الذى يوزع ثمار النمو الاقتصادى على قطاعات عريضة من السكان، وهناك التنمية الاستيعابية التى تتصدى لكل مظاهر عدم المساواة فى المجتمعات، وإلى جوارهما يأتى الإعلام الاستيعابى الذى يوفر منصة لجميع الآراء والاتجاهات، ولاسيما الأصوات المهمشة.

وإدراكًا لأهمية تحقيق الاستقرار والتنمية فى السودان من منظور استيعابى شامل، دعت القاهرة الأسبوع الماضى الفصائل والقوى السودانية إلى حوار سودانى  ـــ سودانى تحت عنوان آفاق التحول الديمقراطي.. نحو سودان يستوعب الجميع، شارك فيه نحو 85 شخصية سودانية فاعلة، تنتمى إلى 35 حزبًا وقوى سياسية ومنظمات  مجتمع  مدنى.

 يأتى هذا الحوار تعبيرًا عن العلاقات الخاصة التى تربط مصر بالسودان، وما تحمله من وشائج حضارية وثقافية وإنسانية، ومصالح اقتصادية وأمنية متبادلة، حوار يجمع السودانيين، دون تدخل من أى جهة، بحثا عن توافق يضمن أمن واستقرار السودان الذى تحيط به تحديات سياسية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة. ناقش المجتمعون العديد من القضايا الأساسية التى تتصل بالمرحلة الانتقالية، وانتهوا إلى توافق سياسى بشأن اعتماد الوثيقة الدستورية الموقعة فى أغسطس 2019، والمعدلة عام 2020 مع إجراء بعض التعديلات التى تتوافق مع مقتضيات المرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة محايدة تضم ذوى الكفاءة والمقدرة، وتأكيد وجود جيش وطنى واحد وما يتطلبه ذلك من دمج قوات الدعم السريع وقوات حركات الكفاح المسلح فى القوات المسلحة طبقا لجداول زمنية محددة، ومتفق عليها، والأخذ بالعدالة الانتقالية القائمة على مبدءى الحقيقة والمصالحة، وتفكيك بنية نظام الثلاثين من يونيو 1989م، وذلك ضمن عملية التأسيس  لحكم القانون، مما يستلزم التقيد بالقانون والسلطات الدستورية، وإنشاء مفوضية للشباب تهتم بقضاياهم، وأخرى مستقلة للانتخابات على أن تجرى الانتخابات فى فترة أقصاها عامان من تاريخ تعيين رئيس الوزراء، والنظر بعين الاعتبار إلى الأوضاع الاقتصادية، والتصدى لمشكلات شرق السودان بواسطة منبر تفاوضى متفق عليه ومقبول لأهل الشرق. واتفق المجتمعون فى ورشة الحوار السودانى  السودانى بالقاهرة على أن فصيلا واحدا، أو كتلة واحدة من الجسم السياسى السودانى لا يمكنها أن تقود الفترة الانتقالية بمفردها، لأن هذه الفترة تتطلب تكاتف جميع القوى الداعمة للتحول الديمقراطي. وتمثل مخرجات حوار القوى والفصائل السودانية بالقاهرة خطوة مهمة على طريق بناء التوافق السياسى، ويتضح منها أن المشاركين فى الحوار تلاقوا مع الاتفاق الإطارى فى قضايا، ولديهم وجهة نظر مختلفة  فى قضايا أخرى، وهو ما يعنى أن الحوار والتوافق واستيعاب مختلف مكونات المجتمع والقوى السياسية هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة فى السودان، بعيدًا عن أى تجاذبات إقليمية  ودولية.
نقلا عن الاهرام