د. أمير فهمى زخارى
يحتلّ موضوع الخمر جانباً هاماً وسط المواضيع التي يهتم بطرحها نُقّاد الإيمان المسيحي، وحجّتهم بذلك عن سوء فهم أو عن سوء نيّة، أن الكتاب المقدس يشجع على شرب الخمر وعلى السُّكر، فيقومون بطرح موضوع الخمر بصيغة تجميلية كالسؤال المطروح أعلاه.
إن الكتاب المقدس يتكلم كثيرا ضد السكر. فقد جاءت هذه الآيات في العهد القديم:
1-كَلَّمَ الرَّبُّ هَارُونَ قَائِلاً: «خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى». (لاويين 10 :9-11)
2- كما نقرأ: وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا انْفَرَزَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ لِيَنْذُرَ نَذْرَ النَّذِيرِ، لِيَنْتَذِرَ لِلرَّبِّ، فَعَنِ الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ يَفْتَرِزُ، وَلاَ يَشْرَبْ خَلَّ الْخَمْرِ وَلاَ خَلَّ الْمُسْكِرِ، وَلاَ يَشْرَبْ مِنْ نَقِيعِ الْعِنَبِ، وَلاَ يَأْكُلْ عِنَبًا رَطْبًا وَلاَ يَابِسًا. كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِهِ لاَ يَأْكُلْ مِنْ كُلِّ مَا يُعْمَلُ مِنْ جَفْنَةِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَجَمِ حَتَّى الْقِشْرِ. (عدد 6 :1-4)
3- كما نقرأ أيضا: “وَالآنَ فَاحْذَرِي وَلاَ تَشْرَبِي خَمْرًا وَلاَ مُسْكِرًا، وَلاَ تَأْكُلِي شَيْئًا نَجِسًا”. (قضاة 4:13)، “وَقَالَ لِي: هَا أَنْتِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا. وَالآنَ فَلاَ تَشْرَبِي خَمْرًا وَلاَ مُسْكِرًا، وَلاَ تَأْكُلِي شَيْئًا نَجِسًا، لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيرًا ِللهِ مِنَ الْبَطْنِ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ”. (قضاة 7:13)
وفي العهد الجديد (أي الإنجيل)، جاءت هذه الآيات:
1-فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ:” لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ، لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ يَشْرَبُ” (لوقا 1 :13-15)
2- "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل إمتلئوا بالروح (أي بالروح القدس) (أفسس 5: 18).
3- وآية أخرى تقول: "لا تضلوا. لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ...ولا سارقون ولا طماعون، ولا سكيرون يرثون ملكوت الله" (1 كورنثوس 6: 9 و 10). فنرى أنه وضع السكيرين بجانب الزناة والسارقين.
4- كما نقرأ: “كَذلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّمَامِسَةُ ذَوِي وَقَارٍ، لاَ ذَوِي لِسَانَيْنِ، غَيْرَ مُولَعِينَ بِالْخَمْرِ الْكَثِيرِ، وَلاَ طَامِعِينَ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ” (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 8:3)، “كَذلِكَ الْعَجَائِزُ فِي سِيرَةٍ تَلِيقُ بِالْقَدَاسَةِ، غَيْرَ ثَالِبَاتٍ، غَيْرَ مُسْتَعْبَدَاتٍ لِلْخَمْرِ الْكَثِيرِ، مُعَلِّمَاتٍ الصَّلاَحَ” (رسالة بولس الرسول إلى تيطس 3:2).
إلا أنه من المهم جدا أن الله لم يعط المسيحيين الحق في أن يعاقبوا السكيرين، لان هذا يكون في يد السلطات الحكومية (الشرطة والقضاء.. الخ). لان المسيحية تنادي بعلاقة فردية قلبية مع الله، وليست سياسة دولية.
ويجب أيضا أن نلاحظ أن الكتاب المقدس ينهي عن السكر وإدمان الخمر، ولكن لا يمنع استعمال الخمر بتاتا، لأنه موجود في أدوية كثيرة (مثل أدوية السعال والمعدة وغيرها). وإلا فما أمكن للمؤمن أن يتعاطى هذه الأدوية.
ولكن يأتي سوء الفهم من البعض بأن المسيحية بأنها تبيح الخمر، ويحاولون إثبات ذلك بعدة ادعاءات منها:
1- تحويل المسيح الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل (يوحنا إصحاح 2)
2 - يقولون أنه مكتوب في الإنجيل (قليل من الخمر يصلح المعدة)
3 - يقولون أن الكنيسة تستخدم الخمر في التناول.
فدعونا نرد على هذه الادعاءات.
الاتهام الأول: تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل
يقول المعترضون أن المسيح حول الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل وهذا دليل على إباحة المسيحية للخمر..!!
إن من يقرأ هذه المعجزة في الكتاب المقدس يدرك أن هذه الخمر التي حولت من الماء:
1 - قد أفاقت السكارى: (إنجيل يوحنا 2: 9و10) إذ نقرأ: "فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمرا … دعا رئيس المتكأ العريس وقال له: كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولا، ومتى سكروا حينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن".
والملاحظ أن الذي يشرب الخمر تتخدر مناطق الحس في فمه، فبعد قدر معين من الخمر لا يحس بطعم الخمر، ولكن رئيس المتكأ عندما ذاق الماء المتحول إلى خمر فاق من سكره وميز طعم الخمر الجيدة فكأنه استرد حاسة التذوق. وهكذا عتب على العريس قائلا له: كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولا، ومتى سكروا حينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن".
إذن فهي خمر غير عادية لا تسكر بل على العكس تفيق. فمن يتهم المسيحية بإباحة الخمر استنادا على هذه الحادثة فهو غير محق.
2 - والواقع أن هذا الماء المتحول إلى خمر إنما يرمز للامتلاء بالروح القدس: حيث يقول معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس (إصحاح 5: 18) "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح".
فقد ربط الرسول بين الخمر والامتلاء بالروح القدس، الذي يعطي مفاعيل أسمى مما تعطي الخمر العادية حيث يفيق السكارى من مشروبات العالم الغاشة، وينعش حياتهم ليشعروا بنعمة الله.
الاتهام الثاني: يقولون أنه مكتوب في الإنجيل (قليل من الخمر يصلح المعدة)
(1) الواقع أن هذه العبارة التي يستخدمونها هي عبارة محرفة وليست "قليل من الخمر يصلح المعدة"، وإنما صحة الآية هي هكذا: "لا تكن فيما بعد شراب ماء بل استعمل خمرا قليلا من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس إصحاح 5: 23).
(2) وواضح من هذه الآية أن تيموثاس كان يعاني من أمراض وأسقام كثيرة في المعدة.
(3) وكانت الخمر وسيلة العلاج لمثل هذه الأسقام، فلعلك تذكر مثل السامري الصالح الذي وجد إنسانا كان قد وقع بين اللصوص فجرحوه، وعندما مر به السامري الصالح "ضمد جراحاته وصب عليها زيتا وخمرا..." (لوقا34:10).
(4) إذن فوصية بولس الرسول لتيموثاوس باستعمال خمر قليل هو للعلاج من الأسقام الكثيرة، وليس لمجرد التلذذ بشرب الخمر.
رأيت عزيزي القارئ أن هذا الاتهام أيضا هو اتهام باطل لا أساس له من الصحة.
الاتهام الثالث: استخدام الخمر في التناول
يقولون أن الكنيسة تستخدم الخمر في التناول. ويدللون بذلك على زعمهم بأن المسيحية تبيح شرب الخمر!!
(1) الواقع أن السيد المسيح قال عن نفسه في إنجيل معلمنا يوحنا: "أنا الكرمة الحقيقية" (إنجيل يوحنا 15: 1)
(2) وقال أيضا عن أتباعه: "أنتم الأغصان" (يوحنا 15: 5)
(3) وكما تسري عصارة الكرمة في الأغصان لتغذيها، هكذا اتخذ السيد المسيح عصارة الكرمة لتشير إلى دمه المقدس الذي نتناوله فيسري في عروقنا ليقدس دماءنا وكياننا الداخلي كله.
(4) إذن فالسيد المسيح لم يعطنا عصير الكرمة لنتلذذ به ونسكر به، بل أعطاه لنا لهدف مقدس كسر طاهر لا يدركه إلا المؤمنون.
الختام: الخمر ورأي الكتاب المقدس:-
أولًا: درجات تعاطي الخمر
بقراءتنا في سفر الأمثال الأصحاح الثالث والعشرين نجد أن هناك ثلاث درجات لتعاطي الخمور هي:
(1) الدرجة الأولى: درجة الإدمان:
وهذه الدرجة واضحة في الآيات التالية: "لمن الويل لمن الشقاوة لمن المخاصمات لمن الكرب لمن الجروح بلا سبب لمن ازمهرار العينين؟ للذين يدمنون الخمر،"(أمثال 23 :29و30)
(2) الدرجة الثانية: درجة الشرب فقط:
إذ تقول الآية الثلاثون "... لمن الكرب لمن الجروح بلا سبب لمن ازمهرار العينين؟ ... للذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج" (أمثال23: 30)
(3) الدرجة الثالثة: مجرد النظر إليها:
(31) "لا تنظر إلى الخمر إذا احمرت حين تظهر حبابها (تألقت) في الكأس وساغت (سالت) مرقرقة. في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان".
(4) الدرجة الرابعة: عدم الجلوس مع الشاربين:
(أمثال 23: 20) "لا تكن بين شريبي الخمر بين المتلفين أجسادهم".
ولعلك لاحظت يا عزيزي أن الله قد نهى عن كل هذه المراحل. ومن هذا ندرك أن الخمر غير محللة في الكتاب المقدس.
ثانيًا: امتداح الرب لعدم شرب الخمر
لقد وضح الرب في سفر أرميا مدحه لعدم شرب الخمر إذ قال:
"ثم صارت كلمة الرب إلى أرميا قائلة: هكذا قال رب الجنود .. اذهب وقل لرجال يهوذا وسكان أورشليم قد أقيم كلام يوناداب بن ركاب الذي أوصى به بنيه أن لا يشربوا خمرا، فلم يشربوا إلى هذا اليوم لأنهم سمعوا وصية أبيهم. وأنا قد كلمتكم مبكرًا ومكلما ولم تسمعوا لي" (سفر إرميا 35: 12-14).
يعاتب الرب شعبه هنا بطاعة أبناء يوناداب لوصية أبيهم بعد شرب الخمر، أما هذا الشعب فلا يطيع وصايا الرب!!
ثالثًا: نهى الرب عن السكر بالخمر
نعود فنذكر بقول الرب على لسان بولس الرسول في رسالته إلى أهل أفسس "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح" (إصحاح 5: 18).
ونهي الرب عن السكر بالخمر يتبعه وصية إيجابية للامتلاء بالروح القدس.
والواقع أن الإنسان الذي ذاق حلاوة المسيح وسكر بخمر حبه وامتلأ بروح قدسه لا يفكر في تعاطي الخمر بكل أنواعها ودرجاتها، مهما كانت لذتها، هذا ما يوضحه الكتاب المقدس بقوله: "النفس الشبعانة تدوس العسل" (سفر الأمثال 27: 7).
اعتقد كده الصورة وضحت بخصوص تعاطى الخمر في المسيحية ... تحياتي..