خالد منتصر
استيقظ العالم فى نهاية الأسبوع الماضى على كارثة ربما هى أكبر كارثة طبيعية فى هذا القرن، زلزال كهرمان مرعش فى تركيا والذى امتد الى سوريا وكانت حصيلته من القتلى والجرحى والانهيار الاقتصادى والاجتماعى تفوق أى خيال وأى توقع، الحصيلة مازالت غير نهائية ،ومازالت قابلة للزيادة، الزلزال ضرب 10 مدن تركية هي: غازى عنتاب، وكهرمان ماراش، وهاتاى، وعثمانية، وأديامان، ومالاتيا، وشانليورفا، وأضنة، وديار بكر، وكيليس. حتى كتابة هذه السطور ارتفع عدد قتلى الزلزال فى تركيا إلى أكثر من عشرين ألفا، بينما بلغ عدد المصابين أكثر من مائة ألف، وانهيار أكثر من 7 آلاف مبنى. أما فى سوريا، فقد ارتفع عدد القتلى إلى أكثر من 3 آلاف، وبلغ عدد المصابين 7216، وأعلن الدفاع المدنى فى الشمال السورى حتى يوم الجمعة الماضى انهيار 150 مبنى بشكل كامل و330 بشكل جزئى وتصدع آلاف المبانى فى شمال غربى سوريا جراء الزلزال توقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى وذلك يوم الخميس الماضى أن تتجاوز الخسائر الاقتصادية جراء الزلزال الذى ضرب تركيا وسوريا تبلغ 4 مليارات دولار أو أكثر، وعلى مستوى العملة، هبطت الليرة التركية مباشرة بعد وقوع الزلزال إلى مستوى قياسى جديد مسجلة 18.85 أمام الدولار، بينما انخفض مؤشر الأسهم الرئيسى فى تركيا بنسبة 4.6 بالمائة، مع تهاوى البنوك بأكثر من 5 فى المائة، فضلاً عن الخسائر الاقتصادية الأخرى مثل: تعليق صادرات النفط من خط أنابيب حكومة اقليم كردستان وتركيا. وزارة النفط السورية أوقفت العمل فى مصفاة بانياس النفطية. توقف ميناء النفط التركى فى جيهان، كما تضرر ميناء إسكندرون الواقع فى إقليم خطاى بجنوب البلاد. تحدثت تقارير سورية عن تصدّع فى سد ميدانكى فى منطقة عفرين جراء الزلزال. وتضرر مستشفى الدانة بأضرار جسيمة وإخلائه بالكامل. قال المنسق المقيم للأمم المتحدة والمنسق الإنسانى المؤقت لسوريا، المصطفى بن لمليح، فى تصريح لـرويترز، إن الزلزال سوف يؤدى إلى تفاقم الوضع الحالى، وزيادة معاناة السوريين أكثر، وسط طقس شتوى قاس، وبنية تحتية متهالكة تعوق وصول المساعدات. وأضاف أن احتمالات تعافى سوريا من الأزمة تتضاءل فى ظل نقص التمويل الأممى المطلوب، لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسوريين، فضلًا عن مليارات الدولارات اللازمة لعمليات إعادة بناء البنية التحتية.
هذا ملخص الكارثة بالأرقام فى التقارير والمستندات، ولكن ماذا عن الكارثة فى الوعى الجمعى ومناقشتها فى مجتمعاتنا على السوشيال ميديا؟ إنها كارثة أكبر تتفوق على كارثة الزلزال! الزلزال دمر مبانى وصدع أرضاً وقتل بشراً، لكن مناقشة الزلزال عرت عقلاً عاجزاً وكشفت روحاً سقيمة متصدعة، وقتلت أى محاولة للتفكير العلمى والمناقشة الجادة والاستفادة المستقبلية، تحولت المناقشات فوراً على الفيسبوك الى سجالات دينية واستخراجات واقتباسات من كتب التراث، وبرز السؤال الخالد وفرض نفسه على الساحة، هل الزلزال ابتلاء أم عقاب؟ واشتبكت الفرق وحمى وطيس المعارك، والتهب الجدل، وارتفعت حرارة التراشق اللفظى واتهامات الكفر والزندقة! فريق يقول بأن هذا الزلزال كارثة لكنها ترجمة لعقاب إلهى مثل كارثة تسونامى التى وصفها عالم جيولوجيا ورائد الاعجاز العلمى بأنها عقاب نتيجة ارتداء المصيفات هناك على الشواطئ مايوهات خليعة! وعندما كان الرد بأن الضحايا فى تركيا وسوريا لم يرتدوا مايوهات من أى نوع، لا خليعة ولا غير خليعة، لأننا فى عز الشتاء القارس، والجميع يرتدى البالطو والصوف ويتكلفت بالبطاطين! قال البعض هرباً من هذا الفخ إن هذه الكارثة قد حدثت لأنه لم يكن هناك رد فعل مناسب من المسلمين ضد حرق القرآن فى السويد، تم طرح هذا الاستنتاج بقوة رغم أن الرد بسيط وسهل، وهو لماذا لم يحدث إذن فى السويد؟!! كان الحل للخروج من هذا المأزق هو أن الزلزال ابتلاء وليس عقاباً. ترك العقل الجمعى سؤال كيف نواجه الزلزال ، وكيف نتبنى ثقافة مواجهة الكوارث الطبيعية بطريقة علمية؟ وظلوا غارقين فى ثقافة الأجداد الذين عندما سمعوا دوى مدافع نابليون لجأوا كما حكى الجبرتى الى كتاب البخارى وظلوا يرددون: «ياخفى الألطاف نجنا مما نخاف». هذه الثقافة فى مواجهة الزلزال لم تعد تصلح لهذا الزمن، نعم الاطمئنان النفسى مطلوب، وامنح نفسك طاقة روحية ونفسية للاحتمال بأى وسيلة أو طريقة، لكن قبلها لابد أن تكون مستعداً علمياً واجتماعياً مثل اليابان التى تحدث فيها الزلازل بشكل متكرر وتخرج منها بأضرار أقل بكثير من هذا الوضع الكارثى، تجربة اليابان تثبت أن طوق النجاة هو الأسلوب العلمى فى مواجهة الكوارث الطبيعية، وعلى رأسها الزلازل، فلنقرأ كيف يتعلم الطفل اليابانى فى المدرسة عملياً مواجهة الزلزال، كيف تبنى البيوت بضمير وبطريقة تجعل المنزل مرناً عند الاهتزازات؟ تطبيقات التليفون هناك تضم تطبيقاً يحذر من الزلزال القادم؟ كل مواطن يابانى يحفظ عن ظهر قلب كيف يتصرف لو حدث زلزال؟ لا يضيعون وقتهم ولا يستنزفون مجهودهم فى مناقشة غيبيات كونية ليست لها ردود أو إجابات أو انعكاس على أرض الواقع، نحن لم نبرح بعد أسئلتنا المزمنة، وكان البعض يسأل مهتماً: هل دم البرغوث ينجس الثوب أم لا؟. الأسئلة المحنطة لن تلد الا إجابات محنطة.
نقلا عن الأهرام