ياسر أيوب
الطبيب الحقيقى يمارس مهنته بمنتهى الإخلاص والالتزام سواء كان المريض مسئولا كبيرا أو رجلا فقيرا .. وكذلك المهندس والمدرس ورجل الشرطة والمحامى والموظف والعامل وصاحب أى مهنة يقوم بواجبه أيا كان من يتعامل معه ..

وإذا كانت كرة القدم لمن يعشقها ويتابعها لعبة تفيض بالإثارة والشجن والهوى .. فهى أيضا مهنة لمن يلعبها وهناك من يمارسها بحب والتزام بصرف النظر أين يلعب والذى يلعب له أو ضده ومعه أو أمامه .. ولذلك لابد من التوقف الآن أمام ما جرى يوم الخميس الماضى فى استاد الملك عبد العزيز الذى استضاف مباراة النصر والوحدة فى الدورى السعودى .. وتحديدا أمام النجم الكبير كريستيانو رونالدو الذى يلعب حاليا لنادى النصر .. ليس لأن رونالدو أحرز فى تلك المباراة اربعة أهداف فاز بها النصر ..

فقد سبق أن سجل رونالدو أربعة أهداف فى عشر مباريات قبل ذلك .. وليس لأن هدف رونالدو الأول فى الدقيقة 21 كان الهدف رقم 500 للنجم البرتغالى مع كل الأندية التى لعب لها .. ولكن لأن رونالدو فى هذه المباراة كان هو رونالدو مع مانشيستر يونايتد وريال مدريد ويوفنتوس ومنتخب البرتغال ..

نفس الجدية والحماسة والإصرار .. لم يكن هناك أى فارق واختلاف بين أداء رونالدو فى مباراة محلية سعودية ومبارياته فى كأس العالم وأمم أوروبا .. وفرحته بإحراز هدف فى الوحدة السعودى هى نفس فرحته بإحراز هدف يأتى ببطولة كبرى .. وحزنه وصراخه حين فشل فى إحراز الهدف الخامس كأنه لم يكتف يتسجيل أربعة أهداف ..

وتصريحاته بعد اللعب وحرصه على الاحتفاظ بكرة المباراة وطلبه توقيع الحكم عليها ليحتفظ بها للذكرى .. كل ذلك كان أجمل ما فى الحكاية .. فقد تخيل كثيرون جدا أن رونالدو حين تعاقد مع النصر السعودى فى ديسمبر الماضى أن النجم الكبير جاء للسعودية فى أجازة كروية مدفوعة الأجر أو أنه جاء لجمع المزيد من المال قبل الاعتزال .. وفوجىء هؤلاء بأن رونالدو لم يتغير كلاعب كرة يمارس مهنته بمنتهى الالتزام والانضباط حتى إن كان الذين يتابعونه مع النصر أقل ممن كانوا وهو مع اليونايتد أو الريال ..

وحتى إذا كانت انتصاراته مع النصر لن تأتيه بكرة ذهبية جديدة يضيفها إلى كراته الخمس التى فاز بها فى أوروبا .. ورغم أنه أتم أمس الثامنة والثلاثين من العمر إلا أنه لا يزال بنفس جهد وحماسة وطموح لاعب فى بداية حياته .. وكان يقال دائما أن رونالدو قد لا يمتلك موهبة ميسى لكن شغفه بالنجاح وحرصه عليه وإصراره على التألق جعلوه منافسا دائما لميسى .. ولم يكن غريبا أن تحيل جامعة بريتش كولومبيا الكندية رونالدو لمادة دراسية يراجعها طلبة الجامعة ليتعلموا قيمة وضرورة التزام الانسان بمهنته وإخلاصه لها .. والأمر هنا لا يخص كرة القدم وحدها .. إنما كل الناس وأيا كانت المهنة ومجالها وطبيعتها .. حتى لو كانت مهنة بالغة البساطة يخلص صاحبها فى ممارسته لها حتى لو لم يره وينتبه إليه أى أحد.
نقلا عن المصرى اليوم