عيد اسطفانوس

 فى رأيى أن الرواية والشعر والقصة والكتاب عموما ابداعات فكرية عصية نسبيا على الاندثار ،أما المقال ( فى رأيى أيضا ) هو  منتج فكرى سريع الذوبان وخصوصا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعى ، وقد اختطفنى المقال  من الشعر والقصة وندمت كثيرا     ولكنه (أى المقال ) فى المقابل أشبع رغبتى فى  ظهور ارائى وتحليلاتى منشورة بسرعه وفى منابر متعدده عكس التحضيرات الممله فى نشر المطبوعات والتى قد تستغرق شهور وربما سنين .
والمقال كفن أصيل من أقدم فنون الابداع الفكرى ــ ان لم يكن أقدمها ــ له مقوماته وله  أنماطه ، ومن مقومات المقال الجيد  وحدة الموضوع ووضوح الهدف منه وسلاسة اللغه وانسياب الافكار وترابطها وعدم التكلف واحترام حق القارئ فى معلومه مدققه وموثقه .
 
 ومن انواعه مقال الرأى ومقال التحليل والمقال النقدى والمقال الأكاديمى وعدا الاخير الذى ينشر فى دوريات محكمة ومنظمه يظل  المقال كما أسلفنا منتج سريع الذوبان  خصوصا المقال الذى يتفاعل مع أحداث جارية. 
 
 ولكى تكتب مقالا يحظى بقبول قارئ ويشجع على قرائته ينبغى الالتزام بمجموعة من القواعد منها الانفعال بالموضوع أو الحدث والتفاعل معه والالمام باحداثياته مع احترام قواعد اللغة وعدم الضغط على المفردات وانتظار نضج الاحداث وعدم الاسهاب الممل . 
 وكما أن المقال سريع الاندثار فهو سريع الانتشار أيضا والرأى العام يتأثر أسرع بمقال يواكب الاحداث أسرع من كتاب سيصدر بعد حين وخصوصا اذا كان الكاتب موهوب ومفكر مبدع . 
 
ومع سيطرة الميديا وانهيار الصحف المطبوعة وانحسار جيل قراء المقال الطويل أصبح قراءة مقال شئ نادر  حيث الايقاع السريع واختطاف العناوين للتسليه وقتل الوقت هو السائد الآن . ومن توابع زلزال الميديا  توقفت مطبوعات ومنابر ثقافيه عريقه كان المقال والرعيل الاول من كتابه هم قادة الرأى والمحركون الأول للتفاعلات الثقافية والسياسية والاصلاحية فى مجتمعاتنا .وقد كانت الريادة بلا منازع للمفكرين الشوام  الذين أسسوا المنابر الأولى فى نهايات القرن التاسع عشر والتى كانت تعتمد فى انتشارها الاعتماد الرئيس على المقال .
 
 نعود الى مايشى به العنوان وهو محنة المقال فى عصر الميديا  ، فهؤلاء الشباب على تلك المنصات هم جيل جديد مختلف لم يعد الاسهاب فى التأمل والتحليل والفحص والتمحيص هو مايستهويهم ومن ثم استحدثوا  انماط  جديدة تناسب ايقاعاتهم السريعه فى كل مناحى الحياه ، وبالأخص بعد أن أصبح الكوكب كله قرية صغيرة وتفككت أو تفتتت بفعل العولمة وانفتاح المجال الكونى أفكار الشعوبية والقومية والعرقية .
 
وبعكس المنابر المطبوعة والتى كان يمكن حفظها على رفوف مكتبه وتأجيل قراءة مقال أو جزء منه لليوم التالى كقراءة متأنية أصبح الشباب أسرى لشاشات الهواتف المحمولة ولا مكان لقراءة صحيفة أو كتاب.
 
 ولا زلت أذكر حجم المعاناه التى عانيتها فى البحث عن منبر لنشر أفكارى فى بدايات هذا القرن ، الآن يستطيع أى عابر سبيل أن ينشر مايريد وقتما يريد وكيفما يريد يكفى انشاء صفحه على احد مواقع التواصل الاجتماعى وينشر أو يذيع ما يعن له من أفكار دون رقيب أو حسيب ، وبعد أن كان المقال الرصين يقود ويصلح ويقوم السلوك الانسانى انجذب جمهور غفير وراء ترهات وسفاهات وأحيانا سفالات .
 
وان كان لاينبغى التعميم فهناك ايجابيات لهذه التكنولوجيا الا أننا فى هذا الطرح نناقش تأثيرها على المقال المقال الذى أصبح  (فى رأيى )  فى محنه .