خلف الزلزال الذي ضرب كهرمان مرعش الكثير من الأضرار البشرية والمادية، ما أثار التساؤلات بشأن الأسباب التي جعلت تلك الكارثة الطبيعية مدمرة لهذا الحد.

وأجاب مقال نشرته وكالة "الأناضول" لأوقان تويسز، وهو مهندس جيولوجيا عن أهم الأسئلة المطروقة في هذا الإطار:

ما الخصائص التي يتسم بها زلزال كهرمان مرعش؟

    في 6 فبراير وعند الساعة 04:17 بتوقيت تركيا ثم في الساعة 13:24، وقع زلزالان بقوة 7.7 درجات و7.6 درجات في منطقتي بازارجق وألبستان بكهرمان مرعش.
    زلزال بازارجق وقع على جزء من صدع "نارلي" بمنطقة صدع شرق الأناضول، وأثر بشكل كبير على الصدوع الأخرى في المنطقة محفّزًا زلزال ألبستان على صدع "جارداق"، علما بأن المسافة بين بؤرتي الصدعين نحو 90 كيلومترا.

    إن تأثير الزلازل الكبيرة وإحداثها زلازل صغيرة هي ظاهرة جيولوجية تم دراستها في صدع سان أندرياس بالولايات المتحدة وصدع شمال الأناضول بتركيا، أما عكس ذلك فهو أقل شيوعا، أي أن الزلازل الصغيرة نادرا ما تؤدي إلى تحفيز زلازل كبيرة.
    زلزال كولجك (شمال غرب تركيا) الذي وقع في 17 أغسطس 1999، أدى إلى تحفيز زلزال دوزجة في 12 نوفمبر 1999 (شمال غرب)، أي بعد نحو ثلاثة أشهر.

    من ناحية أخرى، فمن المعروف أن الزلزال الذي ضرب أرزينجان بتركيا في 26 ديسمبر 1939 بقوة 7.9 درجات تسبب بوقوع أربعة زلازل وهي: نيكسار (بولاية طوقات- شمال شرقا) في 20 ديسمبر 1942 وبلغت قوته 7.1 درجات، وتسبب بوقوع زلزال طوسية (ولاية قسطموني- شمال) في 26 نوفمبر 1943، وبلغت قوته 7.6 درجات.

    هذا التحفيز أدى فيما بعد إلى وقوع زلازل بولو- كرده في 1 فبراير 1944 (7.3 درجات)، وأبانت في 26 مايو 1957 (7 درجات)، ومودورنو في 22 يوليو 1967 (7.1 درجات)، وأخيرا كولجك في 17 أغسطس 1999 (7.4 درجات).
    هذا يظهر بوضوح شكل التأثير الزلزالي من الشرق باتجاه الغرب، لكن الاختلاف الأكثر أهمية في زلزال كهرمان مرعش هو أن المدة بين الزلزالين الرئيسيين لم تتعد 9 ساعات.

    من ناحية أخرى، وبناء على ذلك المثال، فإن التحفيز أدى إلى انتقال الضغط عبر خطوط الصدع وبالتالي لحدوث الزلازل، بينما في كهرمان مرعش وقع الزلزال الأول في منطقة الصدع الرئيسي والثاني في منطقة الصدع الفرعية (الثانوية) المتفرعة عن الرئيسي.
    وزلزال كهرمان مرعش أصغر قليلا من زلزال أرزينجان عام 1939، والذي كان أكبر زلزال في تاريخ تركيا وبلغت قوته 7.9 أو 8 درجات.
    وتسبب زلزال أرزينجان، الذي استمر 50 ثانية بحدوث تصدّعات في سطح الأرض لمسافة 370 كيلومترا، ما أحدث انزلاقات أرضية تصل إلى 7.5 مترات على طول خط الصدع.

    وأودى ذلك الزلزال بحياة 32 ألفا و968 شخصا وأصاب أكثر من 100 ألف آخرين ودمر 116 ألف و720 مبنى، علما أن عدد سكان تركيا آنذاك كان حوالي 17 مليون نسمة، لذلك يحتل زلزال أرزينجان المرتبة الثامنة بين أكبر زلازل وقعت في العالم خلال القرن العشرين.

    وفي زلزال كهرمان مرعش الذي يوصف بأنه "متعدد الطوابق" أي ذو قوة تدميرية كبيرة بعكس أرزينجان، وقعت هزتان كبيرتان متتاليتان، ما أدى إلى تضرر المباني في الزلزال الأول الذي استمر 75 ثانية فيما انهارت أو زادت الأضرار في الزلزال الثاني الذي دام 25 ثانية، وأثر على منطقة جغرافية شاسعة شملت 10 ولايات يبلغ عدد سكانها نحو 13.5 مليون نسمة في وقت يبلغ فيه عدد سكان تركيا قرابة 86 مليون نسمة.

    كما زادت الطبيعة الهشة لبنية التربة من القدرة التدميرية للزلزال، ومع ذلك لا يزال من المبكر إجراء مقارنة واضحة من حيث الخسائر في الأرواح وعدد الجرحى ومعدلات الأضرار، فالأضرار النهائية لا تزال غير معروفة.

    إن تسارع الأرض الناتج عن الزلازل يعتبر أهم عامل في قياس شدة الزلزال وتأثيره على البنى التحتية والفوقية.
    وسنويا، يشهد العالم من 10 إلى 18 زلزالا بقوة 7 إلى 8 درجات، وجرى تصنيف زلازل كهرمان مرعش ضمن قائمة عام 2023، وهو من بين أكبر الزلازل في القرن الحادي والعشرين بعد زلزال إندونيسيا 2004 (227 ألف ضحية) وهايتي 2010 (220 ألف) وسيتشوان 2008 (الصين- 87 ألف) وكشمير 2005 (87 ألف).
    فيما يقدر المعهد الجيولوجي الأميركي (USGS) الخسائر الاقتصادية للزلزال بحوالي 1- 10 مليارات دولار، لكن لكون الدمار شمل مساحة كبيرة جدا فإن البيانات المتاحة يُعتقد أنها غير كافية لهذه التقديرات.

كيف كان تأثير الزلزال الثاني على المناطق التي شملها الزلزال الأول؟
    رغم مرور أكثر من أسبوع على الزلزال إلا أن الأضرار التي خلَّفها لا تزال غير محددة بدقة، لأنه ضرب منطقة واسعة جدا خلال موسم الثلوج.
    وتظهر كل من البيانات الأولية وتوزّع الهزات الارتدادية أن المساحة المتأثرة بالزلزال تبلغ 350 كيلومترا على خط صدع شرق الأناضول و150 كيلومترا على صدع جارداق.

    تشير الدراسات الأولية إلى أن خطوط الصدوع التي نشأت في الصدع الزلزالي نتيجة الزلزال الذي بلغت قوته 7.7 درجات بدأت من منطقة بازارجق - نارلي باتجاه جليك خان ثم باتجاه منطقتي تورك أوغلو وقرق خان.

    خلال الأيام الماضية، تم تحديد مناطق شهدت حدوث انزياحات في طبقات الأرض بحوالي 3 أمتار، وذلك باستخدام صور الأقمار الصناعية، إذ تم تحديد مقطع صدعي بطول 250 كيلومترا على الفرع الرئيسي لخط صدع الأناضول الشرقي الممتد من قرق خان إلى أركنك.
    ونتيجة لفحص موجات الزلزال، جرى الكشف عن حدوث تصدعات في أجزاء الصدع الرئيسي، وهو ما يستلزم إجراء دراسات مفصلة.
    ويتميز صدع شرق الأناضول بالتحرك إلى اليسار، فيما توجد صدوع أخرى تنزلق نحو الجانب الأيمن، وتُعرف باسم الصدوع ذات الانزلاق الجانبي الأيمن.

    وأحدث الزلزالان في كهرمان مرعش تصدعات سطحية يزيد عرض بعضها عن 3 أمتار.
    مع ذلك، وبالنظر إلى حجم الزلزال، فمن المتوقع أن تكون هناك صدوع أخرى يزيد عرضها عن 6 أمتار، ففي زلازل 1999، وكان بقوة 7.4 و7.2 درجات، تم قياس انزياحات بعرض نحو 5 أمتار على خط صدع شمال الأناضول الجانبي الأيمن.

    من الصعب جدا الإجابة عن سؤال ما الذي ينتظرنا بعد زلزالي 6 فبراير 2023، لأننا لا نعرف بالضبط نوع التغييرات التي أحدثها الزلزالان في الطبيعة.
    ومع ذلك، تُظهر دراسات أنه يمكن توقع حدوث زلازل جديدة بسبب انتقال الضغط إلى نهايات الصدوع التي تحطمت في الزلزالين، ويمكن أن يؤدي انتقال الضغط إلى دفع الزلازل المتوقعة إلى الأمام عن طريق تراكم الضغوط على الصدوع القابلة لإنتاج زلازل، والتي يمكن أن تحدث في وقت قصير جدا أو قد يستغرق حدوثها سنوات.

    وبهذا المعنى، وبالنظر في اتجاهات حركة زلازل 6 فبراير، يُعتقد أنه قد تكون هناك زيادة في الضغط على صدع جليك خان - سوركو، وكولباشي - جاغلايانجريت، وأنطاكيا - قبرص، وكوكسون - قوزان.

    ومع ذلك، ولكي تصل هذه الدراسات إلى نتائج مرضية، يجب استكمال جميع الدراسات الميدانية حول بيانات التصدعات.

كيف أثر زلزال كهرمان مرعش على الخريطة الزلزالية لتركيا؟
    رغم أن الزلزال الثاني وقع على بعد حوالي 90 كيلومترا شمال الزلزال الأول، إلا أنه تسبب في هزة قوية في المناطق الشمالية المتضررة من الزلزال الأول.
    عند إجراء مقارنة بين الخرائط، يمكن ملاحظة أن المنطقة التي كان فيها الزلزال الثاني بدت أقوى وتشمل أيضا الأماكن التي أصيبت بأضرار جراء الأول.
    وهذا يدل على أن المناطق السكنية داخل المناطق المشمولة (مثل آديمان وكولباشي) تضررت بشدة جراء الزلزالين. كما يُلاحظ أن تأثير الثاني انخفض حتى أنطاكيا، وهي المدينة التي تعرضت لأكبر قدر من الأضرار.