د. رامى عطا صديق

 تعانى المجتمعات المُعاصرة، شرقًا وغربًا.. شمالًا وجنوبًا، انتشار ظاهرة الكراهية، التى باتت تحدث وتتبين بشكل جلى وواضح على مستوى القول والفعل، فإننا نرى الكراهية فى خطابات ورسائل بعض وسائل الإعلام، ونلمحها صراحة فى بعض ما يُنشر عبر شبكات التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى ممارسات المتطرفين والمتشددين، دينيًا وسياسيًا، ومن ذلك مثلًا الإساءة للرموز الدينية والزعامات السياسية والشخصيات التاريخية، فضلًا عن الإساءة لفئات أخرى فى المجتمع مثل المرأة، من خلال تصدير خطاب رجعى متخلف بشأن قضاياها ومشكلاتها، ومن ممارسات خطاب الكراهية التى خرجت علينا مؤخرًا حرق الكتب الدينية المقدسة، والتصريحات الإعلامية المسيئة لبعض الرموز الدينية، والغريب حقًا هو أن هذه الممارسات تأتى تحت دعوى حرية الرأى والتعبير وحقوق الإنسان، إلى غيرها من مبررات.

 
حقيقة الأمر هناك خيط رفيع وخط فاصل بين حرية الرأى والتعبير من جهة، وبين خطاب الكراهية من جهة أخرى، إذ على الرغم من أنه لا يوجد تعريف قانونى دقيق مُتفق عليه من الجميع لخطاب الكراهية، فإن الاجتهادات المُتعلقة بالتعريفات المطروحة من جانب بعض المؤسسات والباحثين تجمعها مساحة مشتركة من الأفكار والسمات والخصائص المشتركة التى تُميز خطاب الكراهية، الذى يختلف بطبيعة الحال عن النقاش العام وحرية الرأى والتعبير وحق النقد. فى هذا الإطار ترى إستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة خطاب الكراهية، التى صدرت عام 2019م، أن خطابات الكراهية هى أى نوع من التواصل، الشفهى أو الكتابى أو السلوكى، الذى يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثنى أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الأصل أو نوع الجنس أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية. إن خطاب الكراهية (Hate Speech) هو أى خطاب يتم التعبير عنه بشكل مكتوب أو مرئى أو مسموع أو إلكترونى، يتضمن اتجاهات سلبية ضد شخص/ فرد آخر أو ضد مجموعة/ مجموعات أخرى، سواء كانت دينية أو إثنية أو أيديولوجية أو أيًا كانت، حيث ينطوى هذا الخطاب على التحريض، وقد يتضمن دعوات وممارسات سلبية أخرى مثل الاستعلاء والإهانة والإقصاء والرفض والنبذ والتحيز والتعصب والازدراء، وغيرها، وقد يصل خطاب الكراهية إلى حد الدعوة إلى ممارسة العنف ضد الآخر المختلف. ومن أشكال خطاب الكراهية، التى رصدها بعض الأبحاث والدراسات،الدعوة للقتل والعنف، التمييز والعنصرية، التحريض، الوصم، الشتم والسب والقذف، الاستعلاء، التعصب، التنمر.
 
أما حرية الرأى والتعبير فيُقصد بها حق الأفراد فى التعبير الحر عما يعتنقون من أفكار، دون أن يكون فى ذلك مساس بالنظام العام وحقوق الآخرين، وهى حق أساسى للإنسان، ويرتبط بها مصطلح آخر هو حرية الاتصال التى تعنى حرية البحث عن المعلومات والأفكار، وحرية التعبير عن الآراء وتلقى الأخبار والآراء والمعلومات ونشرها عن طريق وسائل الاتصال الجماهيرى (Mass Communication)، كالصحافة والراديو والتليفزيون والسينما، بحسب أستاذتنا الدكتورة ليلى عبدالمجيد فى كتابها: تشريعات الصحافة فى الوطن العربى: الواقع وآفاق المستقبل - 2001م. على هذا النحو فإن ثمة فرقًا واضحًا بين حرية الرأى والتعبير من جهة، وممارسة خطاب الكراهية من جهة أخرى، وبذلك فإن حرية الرأى والتعبير لا تعنى الانفلات، بأى حال من الأحوال، وهى يجب ألا تصل إلى حد أعمال الكراهية والتحريض على العنف ورفض الآخر وإقصائه وتشويهه، ولا تعنى إهانة الآخرين أو التعالى عليهم، كما أنها لا تعنى الحض على الكراهية والتحريض على العنف، وغيرها من الممارسات السلبية وأشكال الإساءة والإهانة، وإنما هى حرية مسئولة ومنضبطة، تحترم القيم الإنسانية السامية والنبيلة وفى مقدمتها الحوار والتسامح وقبول الآخر والعيش المشترك والتعاون البناء، ومن هنا فإن المسئولية هى الوجه الآخر للحرية، كما أنهما لا يفترقان ولا يبتعدان. يتطلب الأمر جهدًا أكبر ومزيدًا من العمل على تأكيد دور مؤسسات المجتمع، الحكومية وغير الحكومية، على المستوى الوطنى والإقليمى والدولى، فى مواجهة ظاهرة خطاب الكراهية، مع فهم أعمق لحرية الرأى والتعبير، والعمل على دعم وترسيخ ثقافة التسامح نحو الآخر المختلف فى الدين والنوع الاجتماعى واللون والانتماء الفكرى والأيديولوجى والمستوى الاقتصادى - الاجتماعى، أو فى أى شكل من أشكال الانتماء.
نقلا عن الاهرام