زهير دعيم
الحياة تركض وتعدو، ونحن نعدو خلفها نُمسك بفستانها الليلكيّ أحيانًا وأحيانا يفلت منّا، فنروح نلهث خلفها ونلعن الزمن والانترنت والاختراعات التي لا تُعدّ ولا تُحصى، ونلعن العجز المالي - الفيروس الخبيث - الذي استعصى على كلّ المبيدات، فَنخَرَ في الميزانيات والحسابات وبات همَّنا الأكبر، يرافقنا في أثناء العمل والطعام وحتّى في أثناء قيادة السيّارات، فنقود السيّارة بصورة تلقائيّة وعقولنا مشغولة ابدًا به، فتروح تضرب أخماسًا بأسداس ، وتحاول جاهدةً ان تجد منه مُنفلتًا او مخرجًا....ولكن هيهاتِ فهو كالإخطبوط يُحكِم قبضته مع مرّ الزمن، بل ويزداد تشبّثا بك.
قرأت لعشرات الأدباء من العرب والأجانب وأحببت معظمهم؛ كلّ في اختصاصه وإبداعه، ولكنَّ ديستويفسكي الروائيّ الروسيّ العبقريّ ترك بصماته في كلّ حِسٍّ من إحساسي. أما جبران – هذا النبيّ من الشرق- فقد سرقني منذ أيام شبابي الأولى ، سرقني من ذاتي ، فصرتُ أنام على همساته، وأصحوَ على صرخاته، يُبلسم هنا ويضمّد هناك وينكأُ الجروح .
كان جبران يقرأ ويكتب ويرسم ويتأمّل ، وكان يقضي ساعةً في كلّ يوم في صومعته (العُليّة) لوحده في صمت السّكينة يتأمّل ُويناجي نفسه وربَّه ، ويعطي لروحه أن تسبح في الآفاق أنّى شاءَت ،تُرفرف في الأجواء والأودية .
انّنا اليوم في هذا الزمن المتسرع والمتصارع في حاجةٍ ماسّةٍ إلى أن نُعطيَ نفوسنا ولو نصف ساعة فرصة للارتخاء والتأمّل والتحليق ضاربين المشاكل والهموم عرض الحائط .
ألا ترون معي أن قلوبَنا ما عادت تحتمل ضغط الحياة ؟!
الا ترون معي انّ أعصابنا أضحت تفلتُ منّا لأقل سبب ؟!!
الا تستحقّ هذه النفس – الرُّوح - ساعةً تركن فيها للراحة والسّكينة لتجدّدَ نشاطها فتعود وثّابةً تعالج المشاكل بحكمة ٍاكبر وشجاعةٍ أصلب ؟
الا يستحق جسدنا ان يسترخي ويناجي ربّه الجميل والصّالح والأحلام والآمال واللا شيء ؟!!
دعونا نأخذ بنصيحة ديستويفسكي وجبران وأبي نؤاس وطاغور، وهيّا نعطي دقائقَ لنفوسنا لتستريحَ من الهموم –فالهمّ يضربه الغم - فربما أضحينا عباقرة ..
من يدري فالشرق مصدر الوحيّ والعبقرية والأحلام الزاهية ...والتأمّل الروحيّ !