اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار نياحة القديس الأنبا ساويرس بطريرك انطاكية'> الأنبا ساويرس بطريرك انطاكية (١٤ أمشير) ٢١ فبراير ٢٠٢٣
في مثل هذا اليوم من سنة 538 م. تنيح الأب القديس ساويرس البطريرك الأنطاكي (تاج السريان) حينما يذكر اسم القديس الأنبا ساويرس بطريرك إنطاكية يُذكر اهتمامه باستقامة الإيمان وتآلفه مع كنيسة الإسكندرية. عرف بالصلابة والرسوخ في الإيمان وقوة الحجة.
وكانت الصلة وطيدة بين البطريرك الأنطاكي والبطريرك السكندري البابا تيموثاوس الثالث الباباالـ٣٢ في القرن السادس بخصوص دفاعهما عن الإيمان المستقيم والتمسك بعبارة كيرلس السكندري الخاصة بالطبيعة الواحدة لله الكلمة المتجسد وتمييزها عن الطبيعة الواحدة التي نادى بها أوطيخا منكر ناسوت المسيح.
وأصر الاثنان على رفض مجمع خلقيدونية المنعقد في 451 م، وصار تقليد بين الكنيستين أن يخاطب البطريركان الأنطاكي والسكندري بما يقر الإيمان المستقيم وكانت الكنيستان تذكر اسم البطريرك الآخر بعد بطريركها في أوشية الآباء.
وتذكره الكنيسة القبطية في المجمع بعد القديس مرقس الرسول وتضمه مع الأبطال المجاهدين القديسين أثناسيوس وكيرلس الكبير وديسقورس
وُلد القديس ساويرس في سوزوبوليس من أعمال بيسيدية بآسيا الصغرى حوالي عام 459 م. وحدث أن أنبا ساويرس الكبير أسقف مجمع كنيسة أفسس أُختطف عقله وغاب حسه مقدار ساعة. قال أنه سمع صوتًا يقول: "قصبة مرضوضة لا يقصف، فتيلة مدخنة لا يطفئ (إش42: 3). إن ساويرس سيثبت أركان الإيمان المسيحي، ويثبت صخرة الأرثوذكسية بكلامه الحق، لكنه سيقاسي تعبًا عظيمًا، ويرد كثيرين عن الضلال".
وإذ صار شابًا أرسلته والدته الأرملة ليكمل هو وأخواه اللذان يكبرانه دراسته في العلوم والفلسفة واللغة بالإسكندرية ثم انطلق إلى بيروت يدرس العلوم القانونية. هناك كان موضع إعجاب كل زملائه من أجل صلابة طبعه وجده في الدراسة وذكائه، ففاق الجميع بمعرفته وانطلاقه وتعمقه في دراساته. وتوقع الجميع ما سيكون عليه من عظم شأنه
والتقى القديس ساويرس بصديقه زكريا في بيروت ومضى به إلى كنيسة القيامة لكي يصلي ثم ذهب إلى كنيسة والدة الإله بالقرب من الميناء. وإذ انتهى من صلاته اقترب منه ساويرس وبمرحٍ قال له: "إن الله قد أرسلك إلى هذه المدينة بسببي. قل لي أذن كيف أخلص؟"
تحدث معه صديقه خلال الكتاب المقدس وما علمه الآباء القديسون. سأله ساويرس إن كان لديه كتب باسيليوس الكبير وغريغوريوس والحكماء الآخرين. فأجابه بأنه أحضر الكثير من مؤلفاتهم.
صلّيا معًا ثم تحدث معه عن محبة الله الفائقة وسقوط الإنسان وعمل الله الخلاصي.
عكف على قراءة كتب القديسين باسيليوس وغريغوريوس خاصة عن العماد وعدم تأجيله.
كان لزكريا صديق يدعى أفاجيروس (أوغريس) يؤنب زكريا بشدة على تأخر ساويرس على العماد. أخيرًا انطلق الثلاثة إلى كنيسة لاونديوس في طرابلس الشام حيث نال سرّ العماد وكان أفاجيروس إشبينًا له، تم ذلك على يد كاهن يدعى ساويرس.
وقيل أنه وهو في طريقه للعماد التقى به متوحد يدعى أليشع أسرع إليه وهو يقول: "يا ساويرس افرح، افرح، يا بطريرك يا رئيس الأساقفة..." كما قيل ظهر القديس لاونديوس الشهيد قائمًا مثل أمير جبار وكانت منطقته مرصّعة بالجواهر، وإذ خافوا طمأنهم القديس واختفى عن أعينهم.
أثناء العماد ظهرت يد نازلة على رأسه وسمع الحاضرون صوتًا يقول: "مستحق مستحق مستحق"، فتعجب الكل لما حدث.
و بعد عماده تقدم في الروحيات جدًا، فكان يصوم كل يوم، ويقضي أغلب الليل في الكنيسة.
و انطلق إلى بلده بعد دراسته للقانون واشتغل بالمحاماة زمانًا. ثم قرر أن يمضي إلى أورشليم لزيارة الأماكن المقدسة، وهناك شعر بشوقه للتكريس للخدمة، وأن يستبدل ثوب المحاماة بثوب الرهبنة.
وقيل أنه إذ كان يقرأ في كتب الفلسفة ظهر له الشهيد لاونديوس وقال له: "حسبك هذه القراءة. هلم اتبعني لكي تتعمق في دراسة قوانين الله التي يقرأها الآباء حتى أيام نياحتهم. انهض يا ساويرس، وأعد نفسك للعمل الجَدّي في الكنيسة، وأُسلك في الرهبنة لكي تعرف الجهاد بقوة، وتحمل ترس الإيمان الذي به تقدر أن تطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة..."
وقيل أن أحد المتوحدين الساكن خارج المدينة رآه في حلم يمسك "كوريكًا" ينظف نافورة مملوءة طينًا ونتنًا. وإذ جاء إليه القديس لكي يصلي عرفه وقال للذين معه: "هذا سيكون عظيمًا بين الحكماء، شهيدًا بين الأساقفة..."
وعكف على قراءة الكتاب المقدس بلا انقطاع، وصار يتعمق في دراسة الكتاب المقدس وفي كتب الآباء القديسين. ثم انطلق إلى دير الشهيد لاونديوس بفلسطين بالقرب من طرابلس الشام سنة 488 م. هناك انضم إليه بعض أصدقائه ممن كانوا يتعلمون معه الفلسفة.
و التهب قلبه بالشوق نحو حياة الوحدة فترك الدير وذهب إلى صحاري إيلوتيروبليس يصحبه أثناسيوس من الرُها. كرس وقته للعبادة والدراسة وإذ أتعب جسده بالصوم والسهر مرض، لكن مرضه لم يطفئ شعلة غيرته.
و إذ هزل جسده جدًا وانتابته الأمراض مضى إلى دير القديس رومانيوس. استقبله رئيس الدير ويدعى رومانيوس بحفاوة وقال له: "الذي أنت عبد له أظهر لي عملك وعلمك في هذه الليلة ومقدار كرامتك".
و رأى كأن صحراء مملوءة شوكًا وحسكًا وإذا بامرأة جميلة تجري الدموع من عينيها على خدّيها وصدرها، وكانت ثيابها مهلهلة وممزقة وهي حزينة. سمع من يقول لرفيقه: "هوذا يأتي ساويرس ليقتلع الشوك من هذه الأرض ويقدس كرمًا لرب الصباؤوت" ثم خاطب المرأة: "لا تخافي أيتها المدينة إنطاكية، هوذا يأتي ساويرس رجل مستقيم ويبني على أساس المجامع المقدسة".
كان القديس ساويرس بالرغم من مرضه يعمل باجتهاد حسب طاقته وكان يحث الرهبان على العمل اليدوي. بسبب مرضه الشديد كان رئيس الدير رومانيوس ينصحه بأن يخفف من نسكه ويهتم بجسده لكي يمارس الفضائل، فأقنعه بذلك.
ورأى أحد الآباء الرهبان المباركين وهو قائم ليصلي ملاك الرب يقول له: "انظر إلى هذه الأرض وتأمل ساحة الدير". عندئذ تطلع فرأى رجلين يسيران نحو ساويرس لا يقدر أحد أن ينطق بكرامتهما وإشراق وجهيهما، صارا يتحدثان مع ساويرس ويعلنان له سرّ الإيمان الأرثوذكسي.
وسأل راهب الملاك عن هذين الحكيمين اللذين يخاطبان ساويرس وهو منصت لهما فأجابه بأن أحدهما هو باسيليوس الكبير والآخر غريغوريوس الناطق بالإلهيات، وأنهما يرشدانه إلى قواعد الإيمان لأنه سيكون حارسًا للإيمان المستقيم يرعى شعبًا عظيمًا في إنطاكية وفي المسكونة كلها.
و ذاع صيت ساويرس في الشرق والغرب وجاء كثير من الكهنة والرهبان يسألونه في تفسير الكتاب المقدس والعقيدة.
و بعدما استقر زمانًا طويلًا في دير الشهيد رومانيوس اشتاق إلى الهدوء الذي كان ينشده، وإذ كان قد ورث عن والديه ثروة كبيرة (كان والده عضوًا في مجلس الشيوخ بالمدينة) أخذ نصيبه ووزع جزءً منه على الفقراء: وشيّد بالباقي ديرًا بجهة مايوما قرب غزة. اجتذب كثيرين للحياة الرهبانية: وجاء كثيرون ينتفعون بكلمات النعمة الموهوبة له.
وبعث إليه يوليانوس الهرطوقي رسالة يقول فيها أنه لم يره منذ كان مقيمًا معه وأنه يلزمه أن يرجع إلى عقله ولا يتدخل في العقيدة والدفاع عنها لئلا يجلب متاعب للرهبان. أما ساويرس فبعث إليه بالرد مبينًا له خطأه، وأنه يغير على الإيمان المستقيم.
وإذا أعلن آخر يدعى Kelibselimos أنه يحارب الروح القدس رد عليه ساويرس وافحمه.
وضل راهب يدعى ديونيسيوس الفيلسوف عن الإيمان المستقيم، وإذ خشي أن يتلقي بساويرس هرب من الدير. وعلى بعد ميل ظهر له ملاك الرب وحثه على العودة إلى الدير والالتقاء مع ساويرس، وبالفعل عاد ورجع عن طريقه.
واتصل مقدونيوس أسقف القسطنطينية برهبان الأديرة يعلم بينهم بأن الذي صلب هو يسوع الإنسان، الذي لم يقدر أن يخلص نفسه، ورفض القول "أيها المصلوب ارحمنا" مما أثار انقسامًا في الشعب.
بناء على دعوة الإمبراطور انطلق الراهب ساويرس وأفحم مقدونيوس. وانعقد مجمع الأساقفة في حضور القديس ساويرس وحكموا بقطع مقدونيوس ونفيه، وكان ذلك عام 511 م.
و إذ عاد القديس إلى ديره اجتمع الأساقفة الشرقيون وطلبوا من بطريرك إنطاكية فلافيان أن يترك هرطقته وإذ رفض أقالوه. أقر الجميع من أساقفة ورهبان وشعب بصوت واحد: "إن ساويرس هو الذي يجلس على الكرسي..."
وافق الإمبراطور على هذا الاختيار، وحاول القديس الهروب لكنه تحت الضغط ذهب إلى إنطاكية حيث ارتجت المدينة كلها متهللة.
ولدى وصوله ألقى عظة مليئة بالمعرفة اللاهوتية كشف فيها عن تعاليم نسطور الغريبة والإيمان المستقيم، واعتذر لهم عن قبوله البطريركية لكن الكل صرخ بأن الله يدينه إن هرب وترك النفوس تهلك. فتمت رسامته عام 512 م. قيل أن رائحة طيب كانت تفوح أثناء سيامته في كل موضع، علامة فرح السمائيين بذلك.
و كان كأب نزل إلى أبنائه الصغار ليضع لهم ترانيم بسيطة، وكان يؤلف الألحان وينغمها. بهذا أحل الترانيم المقدسة عوض الأغاني المعثرة. قيل أنه في أيامه كانت الميادين العامة تشبه كنائس إذ كان صوت الترنيم والتسابيح المقدسة يسمع فيها عِوض الأغاني العابثة.
ولم يعرف القديس ساويرس الراحة بل كان يجول يصنع خيرًا كسيده، كما كانت الجماهير تأتي إليه لتنتفع بتعاليمه.
وكان يحث الكهنة على الاهتمام بالرعية. ووجّه رسائل كثيرة للإكليروس والشعب يثبتهم على الإيمان المستقيم وتعاليم المجامع المسكونية الثلاثة التي حرّمت آريوس ونسطور ومقدونيوس، كما رفض مجمع خلقيدونية ورسالة لاون.
و عقد مجمعًا في إنطاكية سنة 513 م. يشجب فيه مجمع خلقيدونية وطومس لاون، وآخر عام 514 م. في صور لذات الهدف.
وتبادل الرسائل مع قداسه البابا يؤانس الثاني البابا الاسكندرية الـ٣٠ بشأن تأكيد الإيمان بالطبيعة الواحدة ورفض مجمع خلقيدونية. ولما جلس قداسه البابا ديسقوروس الثاني الـ٣١ على الكرسي المرقسي بعث برسالة إلى الأنبا ساويرس، وبعث الأنبا ساويرس إليه برسالة يعزيه في نياحة البابا يوحنا الثاني، ويؤكد وحدتهما في الإيمان.
و لما توفى انسطاسيوس الامبراطور التقي عام 518 م.، وتولى لملك بعده يوستينوس، أحد قادة الحرس الإمبراطوري، واصدر أمرًا بالاعتراف بمجمع خلقيدونية، وخيّر الأساقفة بالقول بالطبيعتين للسيد المسيح أو الطرد، فأقصى 32 أسقفًا عن كراسيهم منهم فيلوكسينوس أسقف منبج وبولس الرهاوي، كما طرد الرهبان الرافضين ذلك من أديرتهم.
شدد الإمبراطور الأمر ضد القديس ساويرس باعتباره الرأس وناله ضيق شديد. هرب إلى مصر عام 518 م. وبقى فيها زهاء عشرين عامًا (518-538 م)، خلالها رجع إلى القسطنطينية في الفترة من 534 إلى 536 م.
استخدم يوستينوس كل وسائل التعذيب لإلزام الأساقفة إلى قبول قرارات خلقيدونية. كمثال نفي القديس فيلوكسينوس إلى غنغرة، وأمر بحبسه في بيت أوقد فيه بالنار وسدّت منافذه فمات مخنوقًا.
لازم عصر يوستينوس كوارث طبيعية كثيرة منها زلزال في عين زربة، وطوفان غرّق الرُها، وصاعقة في بعلبك أحرقت هيكلها، وجفاف في فلسطين دام مدة طويلة. وفي 526 م. حدث زلزال ضخم بإنطاكية دمّر بيوتها ومبانيها العمومية وكنائسها وكان عدد ضحاياه حوالي 50 ألفًا من السكان، كان من بينهم الأسقف أفراسيوس (521-526 م) الذي مات تحت الأنقاض.
و لما ملك جوستانيوس الأول له حذا حذو سلفه، فظل القديس ساويرس في مصر عدا مدة قصيرة وهي من 534 إلى 536 م. لحضور المجمع الذي انعقد في القسطنطينية. كان القديس في مصر مهتمًا بشعبه خلال الرسائل المتبادلة. كان يكتب رسائله إلى القديسة أنستاسية، ويرد على رسائلها كما ورد في المخطوطات السريانية واليونانية.
كان جوستيانوس الأول يعتبر نفسه رئيسًا للدولة والكنيسة، له حق التفسير والتطبيق دون الرجوع إلى آباء الكنيسة. كان ينفذ قوانينه بكل صرامة، فيقطع الأساقفة ويعين من يشاء ويدعو إلى المجامع، ويعدل قراراتها أو يلغيها. غير أن الإمبراطورة ثيؤدورا (527-548 م) كانت تخفف من ثورته في الاضطهاد. كانت تتميز بالشجاعة وكانت تهتم بالقضايا العامة لاسيما الدينية، كما كانت تؤمن بوحدة طبيعة السيد المسيح، وتدافع عنها ضد زوجها. وكان لها دورها الفعال من إفلات القديس ساويرس من تعقب الإمبراطور له.
في سنة 534 م. على الأرجح، مضى القديس ساويرس إلى القسطنطينية وظل بها حتى عام 536 م. فقد أمر جوستينيانوس الأول بعقد مجمع في القسطنطينية لإلزام الأرثوذكس بقبول مذهب الخلقيدونيين، ودعا إليه جميع رؤساء الكنائس، فحضر كليسوس أسقف روما وأبوليناريوس الذي صار البطريرك السكندري الملكي فيما بعد وأوطيخوس بطريرك القسطنطينية والأساقفة الذين يتبعوهم. وقد حتم الإمبراطور على حضور البابا تيموثاوس السكندري والأنبا ساويرس الأنطاكي. أما الأول فكان يعلم غرض الإمبراطور السيئ فلم يقبل الدعوة واستمر يدير رعاية شعبه فتعرض لشدائد عظيمة. روى الأب أثناسيوس بأن الأنبا ساويرس أخذ معه بعض الأساقفة العلماء وانطلق سرًا إلى عسقلان بفلسطين، وكان معه الأب أثناسيوس ودخلا الدير الذي بناه القديس بطرس. هناك ظهر له ملاك الرب وسأله أن يذهب إلى القسطنطينية ويعترف بالإيمان المستقيم. انطلق ومن معه إلى البحر فوجدوا سفينة قاصدة القسطنطينية، وانطلقوا هناك إلى فيرونيا التي كانت من القصر الملكي.
بعد يومين ظهر القديس أمام الإمبراطور الذي قال له: "هل أنت ساويرس الذي يحتقر كنائس الله؟" أجابه القديس: "لا لست أنا لكنك أنت الذي تركت الإيمان المستقيم" ثم أردف قائلًا: "أين إيمان قسطنطين الملك وعقيدة الملك زينون وأناستاسيوس الملك؟ أما أنت فقد تركت إيمان أولئك وقبلت هرطقة نسطوريوس ومجمع خلقيدونية وسببت اضطرابًا للعالم".
تعجب الملك والضباط من حوار الأب ساويرس ومن حكمته وثباته في الإيمان وتحيّر الملك في أمره.
استمر القديس ساويرس سنة يُعد نفسه للجهاد وبعد نياحة البطريرك القديس تيموثاوس سنة 535 م.، عندما التأم مجمع القسطنطينية عام 536 م. جرى حوار عنيف بينه وبين الإمبراطور، فاغتاظ الإمبراطور وأمر بالقبض عليه وقطع لسانه.
قيل أن أحد ضباط الملك كان ماكرًا وشريرًا أشار على الملك بالقضاء على القديس ساويرس بحكم الموت قائلًا بأنه الأفضل أن يموت ليكون سلام في الكنيسة. إذ علمت الإمبراطورة ثيؤدورا ذلك أوعزت إليه أن يهرب، أما هو فلم يقبل أولًا وقال أنه مستعد أن يموت في سبيل الإيمان المستقيم. تحت إلحاح الإمبراطورة والمحبين له ترك القسطنطينية وهرب إلى مصر عام 536 م.
أرسل الإمبراطور خيلًا ورجالًا لتعقبه فأسدل الله حجابًا على أبصارهم ولم يروه مع أنه كان قريبًا منهم.
ظل في ديار مصر حتى نهاية حياته، وكان لشدة تواضعه يجول متنكرًا من مكان إلى آخر، ومن دير إلى دير في شكل راهب بسيط وأجرى الله على يديه آيات وعجائب كثيرة. منها :
1- حلّ جفاف ببلاد المشرق وصارت مجاعة شديدة، فذهب القديس أكلوديوس ومعه جماعة من المؤمنين إلى قلاية الأب ساويرس، وطلبوا بإلحاح أن يصلي لكي يرسل الله مطرًا حتى لا يهلك الناس والبهائم. بكى بكاءً عظيمًا وصلى إلى الله مع جماعة الأخوة، فانفتحت أبواب السماء وانهمر المطر. فلما رأوا ذلك مجدوا الله قائلين أن الله أقام لنا نبيًا عظيمًا.
يقول الكاتب: "حقًا إني أصمت وأتحير، لقد كان وجهه يضيء مثل شعاع الشمس من أجل طهارته، وكان عجيب المنظر لامتلائه من نعمة الروح القدس".
2- أصيب القس ثيؤدورس بالبرص في يديه حتى ما كان يقدر أن يدخل الكنيسة. إذ سمع القس عن المعجزات التي يصنعها الله على يدي القديس ساويرس ذهب إليه. طلب منه القديس ألا يشارك النساطرة هرطقتهم. ثم طلب منه أن يستحم من ماء البئر، ففعل ذلك وشُفي. فرجع كثيرون عن النسطورية لما رأوا ذلك.
3- في تجواله بمصر متخفيًا ذهب إلى مدينة أوسيم مركز إمبابة فاستقبله رجل تقي محب لإضافة الغرباء كان يعمل في النسيج، ينفق على أسرته ويوزّع ما يتبقى على الفقراء والمحتاجين. وكانت امرأة ابنه تشكو من آلام شديدة في أمعائها، ولم يقدر أحد من الأطباء أن يشفيها. صلى عليها القديس وشفاها الرب، فتعجب أهل البيت ومجدوا الله.
4- دخل القديس دير القديس مقاريوس متخفيًا، فعرفه راهب قادم من الصعيد يدعى مقاريوس. قدّم له الإكرام وطلب منه أن يصلي على البئر لأن ماءها مالحًا. أجابه القديس ساويرس أن صلاته هو قادرة على ذلك، وإذ أصرّ الشيخ الراهب أخذ القديس مقاريوس قليل من الماء الذي في الصينية بعد غسلها بعد القداس الإلهي وسكبه في البئر فصار الماء حلوًا بأمر الله.
5- إذ عبر القديس على كنيسة السيدة العذراء التي تُعرف بالمعلقة وكان الكاهن يصلي على المذبح. وإذ رفع الأبروسفارين لم يجد الصينية ولا الكأس فبكى كثيرًا وبكى الحاضرون حين قال الكاهن: "لست أدري إن كان هذا من أجل خطيتي أم خطيتكم!" ظهر له الملاك وأعلمه بأنه رفع القرابين في حضرة البطريرك أشار إليه في إحدى زوايا الكنيسة. جاء إليه الكاهن وأدخلوه بكرامة إلى الهيكل وصعد القس إلى الهيكل فوجد الصينية والكأس كما كان أولًا.
و فى نهايه ايام حياته انطلق القديس إلى مدينة سخا وأقام عند حاكمها دوروثاؤس المحب لله. افتقد الرب القديس بمرضٍ فرأى قبل نياحته كأن قومًا بمنظرٍ باهرٍ قد حضروا إليه. إنهم القديسون الذين سبقوه، الذين كان يردد كلماتهم المقدسة ويتذكر تعاليمهم.
كان القديس راقدًا على فراشه ونصحوه أن يأخذ حمامًا، ولما أضجعوه على الأرض كان جسمه شبه ميت ولم يقوَ على الجلوس. ولما رفعوه عن الحجر الذي كان مضجعًا عليه وجدوا علامة لا تمحى. وقد تمتع كثيرون بالشفاء بلمسهم هذا الحجر.
أدرك الحاضرون أن وقت انحلاله قد حضر فسألوه ألا يتركهم، أما هو فقال لهم: لقد انتهى عملي وإني مستعد للرحيل منذ زمن طويل. وكنت أفكر فيه في كل وقت. وعن قريب تلحقون بي، ونتحد سريعًا معًا في المسيح ونفرح إلى الأبد..."
إذ نطق بهذا فاضت روحه وجاء البطاركة والأنبياء والمعلّمون الحكماء، خاصة معلّمو الكنيسة يستقبلونه، وكان متهللًا معهم. كان ذلك في الرابع عشر من أمشير عام 538 م.
بعد موته انبعث من جسمه عطر زكي، كان يفوح منه حتى في حياته حتى كان يعتقد البعض أنه كان يتعطر بالبرفير.
بعد نياحته أرسله دوروثاؤس مع قوم في مركب إلى دير الزجاج غرب الإسكندرية وأمرهم أن لا يدخلوا الخليج بل يسيروا في البحيرة حتى يصلوا إلى الساحل، ولما وصلوا بحري قرطسا قليلًا واتجهوا نحو الغرب لم يجدوا ماءً يكفي لسير مركبهم فحاروا وقلقوا. ولكن الله المحب حفظ جسد هذا القديس من أعدائه وأظهر آية بأن جعل المركب تسير في ماءٍ قليل مقدارٍ ستة أميال حتى وصلوا إلى حيث الساحل. ومن هناك حملوه إلى دير الزجاج ووضعوه في المكان الذي بناه له الأرخن دوروثاؤس، وصار بذلك فرح عظيم في مدينة الإسكندرية. وقد أجرى الله آيات وعجائب كثيرة من جسده وعظَّم القديس بعد مماته أكثر من حياته.
كتب عنه الأب يوحنا رئيس دير أفتونيا ما ترجمته:
"ذهب إلى الصحراء التي أحبها وتنبأ أن نهاية حياته وشيكة وسينتهي كل شيء بالنسبة له، ستنتهي الحياة والجهاد معًا، وكموسى بطريقة ما سمع من يقول له: اصعد إلى الجبل ومت هناك، لأنه عند قمة الجبل الروحي تتم نهاية كل حياة في الفضيلة".
كما ذكر الأب يوحنا رئيس الدير لرجل الله دوماديوس معجزة حدثت عند دفن القديس ساويرس. فقد لاحظوا أن القبر المُعد له غير مناسب لطوله، بل كان أقصر منه بكثير. فاحتار الكل واقترح البعض أن يثنوا رجليه. وقال البعض أن في ذلك إهانة. لكنهم شعروا كأن قوة إلهية تدفع الجسم، فنزل الجسم دون أن يُثنى ولو قليلًا. كما يقول الأب "ترى هل صغر الجسم أم كبر القبر؟! الله وحده صانع هذه المعجزة فهو يكرم الذين يكرمونه حتى بعد الموت".
بركة صلاته تكون معنا كلنا امين...
ولربنا المجد دائما أبديا آمين...