في بداية العشرينيات من عمره سار عادل إمام في طريقه ليقابل النجمين الراحلين عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس عام 1963، وكانا يبحثان في ذلك الوقت عن فتى بمواصفات خاصة ليجسد شخصية "دسوقي أفندي" وكيل المحامين الفقير ذي الجسد النحيل، ووسط عشرات الفنانين الذين تقدموا ليشغلوا الدور، رأت عين الثنائي الثاقبة في الفتى الجديد قدرات خاصة ليكون أحد أسباب نجاح العرض المسرحي "أنا وهو وهي" بطولة فؤاد المهندس وشويكار عام 1964.
 
صاغ عادل إمام دور "دسوقي أفندي" بمرادفات خاصة ميّزته، وظهر حرصه الشديد على اقتناص الفرصة من خلال اختيار الملابس القديمة ومظهره الشخصي وبأداء بسيط نال إعجاب الجمهور، ليحافظ بعد ذلك على النجاح المكتسب وتلك العلاقة الوطيدة مع المشاهد في أعمال أخرى لاحقة، ويتنقل بين شخوص بأدوار مساعدة في أفلام "مراتي مدير عام" و"الراجل ده هيجنني"، و"عفريت مراتي" و"لصوص لكن ظرفاء" وغيرها من الأعمال.
 
وجود عادل إمام في الأدوار المساعدة المميزة لم يدم طويلًا، فبعد نحو 7 سنوات جاءته الفرصة الكبرى التي اقتنصها أيضًا للوصول إلى مرحلة جديدة من النجومية، إذ شارك عام 1971 في العمل المسرحي البارز "مدرسة المشاغبين" إخراج جلال الشرقاوي، مجسدًا دور الطالب المشاغب "بهجت الأباصيري" رفقة نجوم جدد هم سعيد صالح وأحمد زكي ويونس شلبي وهادي الجيار، ومعهم سهير البابلي والفنانين حسن مصطفى وعبد الله فرغلي، وحقق العرض المسرحي نجاحًا كبيرًا فاق التوقعات، ليعلن عادل إمام منذ ذلك الوقت أنه فنان كوميدي بامتياز أصبح بعد ذلك زعيمًا في الفن عن استحقاق.
 
رأى صنّاع السينما وقتئذ أن طاقة عادل إمام الفنية وجهتهم للاستفادة منها في أعمال جماهيرية منها "البحث عن فضيحة" و"الشياطين والكورة" و"البحث عن المتاعب"، ليواصل النجاح أيضًا بعمل مسرحي شهير بعنوان "شاهد ماشفش حاجة" عام 1976 لكن هذه المرة تصدر البطولة بمفردة، غير متنازل عنها، فالنجم الذي دائمًا وصف علاقته بالتمثيل بأنها علاقة حب نجح في رسم البسمة على شفاه الملايين ليس في مصر فقط بل في الوطن العربي بأكمله، ليسافر رفقة عروضه المسرحية المتنوعة إلى كل بلدان الوطن العربي مستقبلًا بترحيب دائم.
 
ومن باب البطولة المطلقة دخل عادل إمام إلى الدراما التلفزيونية بمسلسله "أحلام الفتى الطائر" عام 1978 مع المخرج محمد فاضل، ليلتف جمهور المنزل حول شاشة التلفزيون في ذلك الوقت، ليتابع رحلة "إبراهيم الطائر" السارق الذي يحاول الاختباء من الشرطة رفقة "حسين رأفت" أو عمر الحريري، ومع نجاح العمل بشكل كبير، قدّم عقب ذلك بعامين أحد أفضل المسلسلات التي تحكي بشكل درامي قصة بطل من واقع ملفات المخابرات العامة المصرية، مجسدًا دور "جمعة محمود الشوان" في العمل الدرامي البارز "دموع في عيون وقحة".
 
عادل إمام الذي كان يسير في شبابه بشوارع القاهرة رفقة أصدقائه يحكون عن روايات الكاتب والشاعر الإنجليزي وليام شكسبير والنرويجي هنريك إبسن رفقة أحلام فنية تراودهم، لم يترك الشارع عندما أصبح نجمًا بل كان معبرًا عنه، ناقلًا هموم وآمال البسطاء في عدة أعمال فنية، فهو ابن محافظة المنصورة الذي جاء ليسكن في حي السيدة زينب بالقاهرة، ذلك الحي الشعبي الذي سبق أن عاش فيها العديد من عظماء الفن ومنهم سيد مكاوي وعمر خيرت ونور الشريف والكاتب يحيى حقي وغيرهم.
 
انتظر عادل إمام الوقت المناسب حتى تختمر تجربته الفنية ويصبح قادرًا على أن يعبّر عن الشارع ويجسّد أحلام البسطاء عبر شرائط سينمائية تعاون فيها مع الكاتب الراحل وحيد حامد، يشار لها بالبنان ولا تخطئها عين ناقد سينمائي أو محب للسينما، فمن خلال كوميديا ممزوجة بدراما واقعية أصدر الثنائي رفقة المخرج شريف عرفة 5 أفلام من علامات السينما المصرية بدأت عام 1991 بفيلم "اللعب مع الكبار" مجسدًا شخصية "حسن بهلول" الشاب الذي لا يسعفه الواقع لتحقيق أحلامه ويختار التعامل معها بعبثية، خصوصًا في علاقته بخطيبته وعدم قدرته على الزواج منها، لكنه لا يسخط على المجتمع بل يقف ضد من يحاول إفساده ويتصدى للمخربين بمحاولات بسيطة يصاحبها ادعاء دائم بأنه يحلم، مجسدًا نموذجًا للشاب الذي لديه إحساس دائم بالمسؤولية تجاه وطنه.
 
كان الفيلم بمثابة نقلة فنية في مشوار عادل إمام، ليقدم في العالم التالي تجربة ناضجة للغاية من خلال فيلم "الإرهاب والكباب" رفقة وحيد حامد وشريف عرفة أيضًا، ليمزج الثلاثي في أداء فني فريد بين الواقعية والفانتازيا، ليتناولوا مشكلات المواطن المصري ومعاناته وأيضًا أحلامه البسيطة، فما بين وجبة كباب وشراء دواء عبّرت شخوص العمل عما تحتاجه، فيما وقف الزعيم معبرًا عن رغبته في العيش مسالمًا.
 
وفي تجربة تحمل مشاهد فانتازية أكثر صدر في العالم التالي للنجم عادل إمام فيلم "المنسي" مجسدًا شخصية "يوسف المنسي" عامل التحويلة الذي يهرب من واقعه الروتيني إلى عالم من الأحلام، ليعيش مع أمنيات متعددة حتى يقابل "غادة" أو الفنانة يسرا التي يقع في حبها ويدافع عنها ليحميها من سطوة رجل أعمال يريد استغلالها، وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا في دور العرض، تبعه بعمل سينمائي آخر في عام 1994 بعنوان "الإرهابي" مع نفس المؤلف لكن مع المخرج نادر جلال مجسدًا دور إرهابي "علي عبد الظاهر" الذي يتخفى في شخصية دكتور الجامعة "مصطفى عبد الرحمن" ويعيش بضعة أيام مع عائلة تغير مفاهيمه الخاطئة التي كان يعتقدها، في محاولة سينمائية مميزة للوقوف أمام الأفكار المتشددة.
 
أما في عام 1995 عاد عادل إمام مجددًا للتعاون مع المخرج شريف عرفة وأيضًا من خلال قصة وسيناريو وحوار للكاتب وحيد حامد بفيلم "طيور الظلام"، ليتناول حكاية 3 أصدقاء جامعة تغيرهم الظروف بعد التخرج في كلية الحقوق، ويسلك كل منهم طريقًا مختلفًا ليجتمعوا مرة ثانية، لنرى المحامي الاستغلالي الطامح إلى النفوذ، وأيضًا محام آخر متشدد يستغل الدين، فيما الثالث يعمل موظفًا ويكتفي بالابتعاد عن الصراعات.
 
يميز سينما عادل إمام التي تطرق فيها إلى قضايا وموضوعات تهم الشارع المصري، أنها سينما جماهيرية، وليست من النوع الذي يخاطب بها الفنان ذاته فقط، لذا كانت هذه الشرائط السينمائية تصل إلى ملايين الجمهور عبر شاشات السينما، كما أنها في نسبة مبيعات "الفيديو" تصدّرت الصفوف الأولى، ليعيش جمهور التسعينيات من القرن الماضي مع نماذج من لحم ودم ينقلها الزعيم إلى دور العرض بأفلام تجارية وذات رسالة يعبّر من خلالها عن همومهم.
 
الأفلام الخمسة التي قدمها عادل إمام في النصف الأول من التسعينيات وصل بها إلى قمة نضوجه الفني، متناولًا قضايا مجتمعية شديدة الأهمية، بأداء تمثيلي يكسوه خبرة السنوات الممتدة في السينما والمسرح والتلفزيون، ليؤكد أن لقب الزعيم الذي ناله يستحقه بامتياز، وأن شهرته في الوطن العربي ليست من فراغ، بل إنه أصبح وحدة قياس لأي عمل سينمائي صادر متزامنًا مع أفلامه، إذ تظهر الأقلام النقدية لتقارن بين فيلمه وشرائط سينمائية أخرى من معايير عدة منها الإيرادات والإقبال الجماهيري والرؤية الفنية وقيمة العمل وأهميته.
 
لذا لم يكن غريبًا أن يؤكد عادل إمام أنه فنان استثنائي بامتياز قلما يتكرر، من خلال عنوان مسرحيته الشهيرة "أنا الزعيم" عام 1994 مع المخرج شريف عرفة، مجسدًا دور "زينهم" الشاب الذي يعمل ممثل كومبارس، لكنه يشبه زعيمًا لإحدى الدول، ويستغله رجال هذه الدولة بعد وفاة القائد ليحل بديلًا له، ويخدم مصالحهم.
 
لم يخب ظن الفنان الراحل فؤاد المهندس ووصفه للفنان الشاب الجديد بأنه يتمتع بذكاء شديد، وذلك في حوار تلفزيوني قديم متوقعًا له المزيد من النجاح وقتها، إذ نرى هذه العبقرية الفنية في إيمانه بأن كل عصر له ظروفه ومتطلباته حسبما قال، وإيمانه أيضًا بأنه من المهم ضخ دماء جديدة في السينما المصرية، الأمر الذي نراه يفعله دائمًا إذ قدّم في عدة أفلام وجوهًا شابة أصبحت بعد ذلك علامات في الكوميديا، منهم محمد هنيدي وأحمد آدم والراحل علاء ولي الدين وأشرف عبد الباقي، كما أنه اختار أن يركز في الدراما التلفزيونية بعد مشوار كبير في السينما ليخلق رصيدًا أكبر لدى جمهور التلفزيون والمسلسلات من خلال عدة أعمال بدأها بمسلسل "فرقة ناجي عطا الله" في رمضان عام 2012، أي بعد نحو أكثر من 30 عامًا منذ ابتعاده عن الشاشة الصغيرة.
 
عودة عادل إمام للدراما التلفزيونية في هذا التوقيت تكشف عن ذكاء فني كبير، إذ أجاد اختيار الوقت المثالي لخلق نجاح آخر مع جمهور التلفزيون الذي ارتبط به بشدة وأصبح بمثابة الضيف الدائم المرحب به على مائدة الدراما الرمضانية، ويواصل ذلك الوجود على مدار 7 سنوات بأعمال منها "صاحب السعادة" و"مأمون وشركاه" و"فلانتينو".
 
أيضًا من ملامح ذكاء عادل إمام أنه دائمًا ابتعد عن الخوض في خلافات جانبية تبعده عن عشقه للتمثيل ومهنته التي أخلص لها بشكل كبير، إذ ركّز على دوره كممثل يجسد شخوصًا من واقع الحياة وتعبر عن مجتمعه، ولم يذهب لمجالات أخرى كالإنتاج أو الإخراج أو التأليف، الأمر الذي تؤكده تصريحات تلفزيونية له في بداية بزوغه الفني قائلًا: "لا أعرف سوى التمثيل، لقد تخرجت في كلية الزراعة، ولم أعمل يومًا واحدَا مهندسًا زراعيًا"، فالنجم الحاضر بيننا دائمًا يدرك تمامًا مفاتيح منطقته الخاصة مثل مهاجم كرة القدم الذي يعرف أن دوره إحراز الأهداف في المرمى لإسعاد الجمهور.