زهير دعيم
قلبي يتفطّر حزنًا وأنا أرى اخوتي في القوميّة والأهمّ في الانسانيّة في حوّارة ( بلدة تقع جنوب مدينة نابلس الفلسطينيّة) أراهم يلاقون التعذيب والهمجية والحرق والتدمير على يدي المستوطنين اليهود ، الذين زرعوا الأرض ظلمًا .
قلبي يتفطّر حزنًا وأنا اشاهد عبر شاشات التلفزيون بيوت الفقراء في حوّارة وسياراتهم تحترق وليس من يرفع ساكنًا
وليس من يقول كفى .
بل وليس من يتصدّى ومن يمنع ...
لسْتُ – والربّ يعلم – لست مع القتل بكلّ اشكاله والوانه وأسبابه ، فأنا أُندّد بمقتل المستوطنيْن اليهود بالأمس تنديدًا شديدًا ، وإن كنتُ أنادي دومًا بحلّ سلميّ عادل ودائم ينصف الشعبين اليهودي والفلسطيني ويحفظ ماء الوجه لكليهما ويضع حدًّا للنزاع الذي طال أمده .
ولسْتُ ايضًا مع همجية المستوطنين الذين زرعوا ليل امس سماء حوّارة نارًا ودخانًا وقتلًا وعنفًا وانتقامًا
ألا يكفي هؤلاء السكّان في حوّارة وغيرها ما هم فيه وبه من فقر مدقع ومن عوْزٍ وحرمان وجوع ومرض واهمال ؟ !
ألا يكفيهم ما هم فيه من ضبابية الآتي ومصيره المجهول ؟!
لعن الله الانتقام وجذوره وكلّ مفرداته ، فأنا أمقته مقتًا شديدًا وأتمنى لو أنّ هذه الكلمة ما حُبل بها وما ولدت، بل ظلّت في رحم المجهول لارتاحت الإنسانية بعض الشيء ؛ هذه الإنسانية التي بدأت منذ زمن بعيد تفقد انسانيتها ووهجها وبريقها ورونقها .
والسؤال المطروح هو : لو أنّ الامر كان مُعاكسًا وهجم الحوّاريون على مستوطنة إسرائيلية وراحوا يحرقون جهارًا ويُعيثون فسادًا ودمارًا ، هل كان الجيش الاسرائيليّ يأتي بعد ساعة لفحص الأمر وأخذ التدابير وحلّ القضية ؟
منذ زمن بعيد أخذت على نفسي عهدًا الّا ادخل في مجال السياسة ، بل أن أُنادي بالمحبّة وأُنادي المحبّة عينها لتهيمن وتسود وتفرد اجنحتها في كلّ بقعة من بقاع الكون ، ولكن ما حدث بالأمس في حوّارة جعلني أثور وأُغيّر رأيي ولو لمرّةٍ واحدة ، فمشهد العجوز الفلسطينية الباكية بين يدي جنديين إسرائيليين اللذيْن خلّصاها من الحريق زعزع كيان انسانيتي وزرع نفسي حزنًا وألمًا .
وأخيرًا لا يسعني إلّا أن أرفع عينيَّ نحو السماء وفي قلبي ألف صلاة ، لعلّ الربّ المُحبّ لكلّ البَّشر ، يعود فيلتفت الينا فيزرع ربوعنا من جديد سِلمًا وسكينة ومحبّة .